يوثق كتاب «مراحل تاريخ الكويت» الذي شاركت في تأليفه عالمة الآثار الفرنسية جولي بونيريك، والمؤرخ المتخصص في التاريخ الحديث لدول الخليج الدكتور فيليب بيتريا، وترجمة الأستاذ الزائر في جامعة الكويت الدكتور محمد سعيد المرزوقي، والصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بتعاون مع المركز الفرنسي للأبحاث في شبه الجزيرة العربية، المراحل العديدة والمتتالية لتاريخ الكويت الغني، بدءاً من أول مستوطنة بشرية على أرضها في الألفية السادسة قبل الميلاد، مروراً بالعصر البرونزي والحضارة الدلمونية ما بين 2100 – 1600 قبل الميلاد.
وأعقب ذلك الفترة الهلنستية من القرن الثالث إلى الأول قبل الميلاد، وينتهي الكتاب بفترة استكشاف الرحالة الأجانب للكويت بالإضافة إلى علاقاتها مع القوى الأوروبية والدولة العثمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ويختتم بموجز عن الكويت في ظل العولمة المعاصرة منذ مطلع القرن العشرين إلى الآن.
توازن دقيق
واعتبر الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في مقدمة الإصدار أن «مراحل تاريخ الكويت» من الكتب القليلة التي تجمع في توزان دقيق ما بين يسر القراءة والمنهجية المتماسكة والوثائق الداعمة في آن واحد، ويهدف إلى تسليط الضوء على الكويت التي تمثل فضاءً حيوياً ومهماً وتاريخياً ولها أثر سياسي واقتصادي وثقافي.
سمات أساسية
وتسلط الفصول السبعة لهذا الكتاب الضوء على أربع سمات أساسية في تاريخ الكويت مـن عـصور ما قبل التاريخ وحتى يومنا هذا: أقدمية الحضور البشري في الكويت، الاختلاف والتكامل، الدور المميز للكويت في التجارة الإقليمية، والدور المهم للمجموعات البدوية حتى القرن العشرين.
وتناول الفصل الأول (الاستقرار البشري الأول في الكويت، ملتقى بلاد ما بين النهرين والخليج العربي في العصور القديمة) من الألف السادسة إلى الألف الرابعة قبل الميلاد.
وتطرق الكتاب إلى الملامح الأولى للاستقرار البشري في الكويت، حيث أشار إلى «الكويت في عصور ما قبل التاريخ»، مبيناً أن جغرافيا الكويت في عـصور ما قبل التاريخ مختلفة تمام الاختلاف عن جغرافيتها اليوم، فالخليج العربي، وبعد أن جفت مياهه في زمن قريب من الألف العشرين قبل الميلاد غمرته المياه من جديد الألف الثامنة والألف السادسة قبل الميلاد.
ونتيجة لذلك كان بين المحيط الطبيعي حتى نهاية العصر الحجري الحديث يتكون من مستنقعات وسباخ وبحيرات، كما يعود تاريخ التواجد البشري الأول في الكويت إلى فترة العصر الحجري القديم، حيث تم اكتشاف الأدوات الحجرية في بر وادي الباطن وبرقان والقرين، وبالقرب من الساحل الحالي للصليبخات.
آثار الصبية
وأشار الكتاب إلى «التنوع السكاني في العصر الحجري الحديث» حيث تم اكتشاف آثار في منطقة الصبية ويعود تاريخها إلى نحو 5000 قبل الميلاد، كما تم كذلك اكتشاف منطقة ينتشر فيها عدد كبير من القبور تعلوها قباب يعـود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث والعصـر البرونزي.
كما تم في موقع بالصبية اكتشاف أكواخ مبنية جدرانها مـن الحجر المحلي بيضاوية الشكل كانت تسكنها بشكل دوري جماعات بشرية متنقلة، إلى جانب ممارسة الرعي (الأبقار العربية الصغيرة) وكذلك الصيد البحري والبري، قد تكون هذه الجماعات قد اشتغلت بالزراعة ومنهـا زراعة الشعير والنخيل، وقد تكون قامت بتصنيع سفن مخصصة للصيد فـي أعالي البحار.
العصر البرونزي
وفي الفصل الثاني تناول الكتاب «الكويت في العصر البرونزي... مركز هام للحضارة الدلمونية» من 2100 إلى 1600 قبل الميلاد حيث تطرق إلى الكويت على مفترق الطرق بين بلاد ما بين النهرين وفارس والهند وشبه الجزيرة العربية حيث كانت جزيرة فيلكا هي البداية وقبل أن تصبح مركزاً إدارياً ودينياً لمملكة دلمون، محطة للتجارة البعيدة في الخليج.
وأشار الكتاب إلى الآثار الدلمونية من الصبية إلى فيلكا حيث تحدث اكتشافات أثرية من العصر البرونزي في بر الكويت، مثل الصبية أو في أم النمل، على أن تبقى جزيرة فيلكا هي أغنى المناطق الأثرية ولربما كانت تسمى حينها «أغاروم».
ملتقى الحضارات
وتناول الفصل الثالث «الكويت... ملتقى الحضارات في العالم الهلنستي» من القرن الثالث إلى القرب الأول قبل الميلاد، إذ أشار إلى أنه بعد فجوة كبيرة استمرت لمدة سبعة قرون تظهر الكويت من جديد في غياهب المصادر في عهد الإمبراطورية الأخمينيـة (نحو 330-550 قبل الميلاد) حين امتد نفوذها إلى شواطئ الخليج العربي، وهـو ما يدل عليـه وجـود معبـد أقيم لإله مذكر (ربما يكون شمش أو نابو) في جزيرة فيلكا في موقع تل خزنه وعلى الأرجح في مواقع أخرى أم النمل وعكاز.
عثر في هذا المعبد على نقيشة كتبت بالأبجدية الآرامية وعثر فيه كذلك على تماثيل صنعـت مـن الطيـن يعـود تاريخها إلى القرن السادس قبل الميلاد. لقد تساءل الباحثون عما إذا كان هذا المعبـد هـو المعبـد المذكور في الروايات المتعلقة بحملـة الإسكندر الأكبر التي نقلهـا المـؤرخ اللاتيني أريان في كتابه حملة الإسكندر.
الكويت تحت الساسانيين
وتطرق الفصل الرابع من الكتاب إلى «الكويت في التاريخ الإسلامي في العصر الوسيط» من القرن السادس إلى القرن السادس عشر حيث لفت إلى «الكويت تحت الساسانيين» بين القرن الثالث والقرن السابع ميلادي، إذ لا يتضح الاستقرار البشـري فـي الكويت سوى في زمن هيمنة الإمبراطورية الساسانية (القرن 3-7م).
فوفقاً للنصوص التاريخية هيمنت قبيلـة لخـم سياسياً على منطقة الكويت، وكانت هذه القبيلة متحالفة مع الحكام الساسانيين وجعلت من الحيرة عاصمة لها، قبل أن يلحق ملكهـا بالإمبراطورية الفارسية في بداية القرن السابع في جزيرة عكاز (التي ألحقت بالبر بعد تهيئة ميناء الشويخ)، عثر على مبنى دائري وقد تم تأويل هذه الخصوصية على أن المبنى هو في الأصـل برج الصمت (دخمة بالفارسية) وهـو مبنى دائري مخصص في الديانة الزرادشتية لعرض الموتى. أما في البر فإن البقايا الأثرية تكشف عـن تواجـد البدو المرتحلين.
وذكر هذا الفصل «الفتح العربي الإسلامي»، إذ إن تاريخ الكويت في العصور الوسطى معروف بشكل رئيسي بفضـل البقايا الأثرية الموجودة في سبعة مواقع (القصـور، القرينيـة، إمغيـرة، كاظمـة، عكاز، وادي الباطن، الشقايا)، وقلمـا تتناول المصادر العربيـة هـذا المجال الجغرافي، ولا تشير سـوى إلى حدث تاريخي هـو معركة ذات السلاسل التـي جـرت وفق المصادر العربية الإسلامية، في كاظمة سنة 11هـ/633م وانتهت بانتصـار قـوات إسلامية يقودها خالد بن الوليد على القوات الساسانية، وكانت تلك الخطوة الأولى فـي غـزو بلاد فارس.
جزيرة فيلكا
وتناول الفصل الخامس، «استكشاف الكويت من قبل الرحالة الأجانب» من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر، إذ في بداية القرن السادس عشر على الأرجح تـم إنشاء مجموعـة من المساكن في موقع القرين. يظهر هذا الموقع على الخرائط الأولى التي رسمها البرتغاليـون أثناء استكشافهم للنصف الشمالي من الخليج العربي.
فمنذ بداية هذا القرن وحتى تاريخ طردهم من عمان في العام 1650 حاول البرتغاليـون السيطرة على التجارة الخليجية. تشير الخرائط البرتغالية إلى وجـود جزيرة فيلكا التي يطلقون عليها اسم «إيلهـا دي أغـوادا» وتعني جزيرة البئر.
وتطرق هذا الفصل إلى «الكويت في الخرائط الأوروبية في القرنين السابع عشر والثامن عشر»، فمنذ منتصف القرن السابع عشـر تنـازع الهولنديـون مـع البرتغالييـن للسيطرة على طرق الملاحة في الخليج، وفي العام 1650 طرد البرتغاليـون مـن الخليج وأصبحت شركة الهند الشرقية الهولندية – التي أنشئت عام 1602– تمثل إلى جانب الأسطول العماني القوة البحرية الرئيسية في الخليج حتى القرن الثامن عشر.
وبيّن أنه ظهـر اسـم الكـويـت للمرة الأولى على خريطة هولندية في عام 1765، وكان الوضع السياسي في هذه المدينة قد تغير كثيراً آنذاك.
استمرت الهجرة البشرية للعتوب، ودفعهم إلى ذلك وشجعهم عليه انعدام الأمن وشلل التجارة في ميناء البصرة الذي كان ميـدان معركة بين العثمانيين والفرس.
مرفأ رئيسي في الخليج
وتناول الفصل السادس إلى «الكويت وعلاقاتها مع جيرانها ومع الدول الأوربية والدولة العثمانية» في القرنين (الثامن عشر والتاسع عشر)، وأشار إلى الوتيرة العالية من النمو الاقتصادي، حيث استمرت التنمية السياسية والاقتصادية لإمارة الكويت في القرن الثامن عشر، خصوصاً في عهد الشيخ عبدالله (أمير الكويت 1762 – 1814 ) لتصبح المدينة أحد المرافئ الرئيسية في الخليج العربي ونقطة التقاء أهـم طرق القوافل إلى المناطق الداخلية من شبه الجزيرة والعراق.
القوة البحرية
لم يغفل الكتاب عن «القوة البحرية والاستقلال السياسي والتنمية الحضرية» إذ اكتسبت أحـواض بنـاء السـفـن فـي الكـويـت شهرة كبيرة، وحتى نهاية القرن التاسع عشر كان يتم فيها إنتـاج مـا بيـن 20 و 25 سفينة سنوياً، ويستقبل مرفأهـا عـدة مئات من المراكب.
ساعدت هذه القـوة البحرية الكويت على انتهاج سياسة مستقلة في الخليج العربي.
وأشار إلى «الاستقلال والحماية البريطانية»، ففي العام 1899 حصـل الشيخ مبارك أيضا على ضمان «تقديـم خدمات جيدة» وحماية أراضيه وممتلكاته في العراق من قبل الحكومة البريطانية مقابل التزامه بعدم استقبال أي ممثل أجنبي دون موافقة مسبقة مـن الحكومة البريطانية.
في العام 1901 وافقت الإمبراطورية العثمانيـة وبريطانيا على احترام الوضع القائم في الكويت، وفي العام 1904 استقر مقيم سياسي بريطاني في البلاد، كما حافظ الشيخ مبارك الصباح على اتصالات مع الروس والألمـان والفرنسيين.
وفي العام 1913 تفاوض البريطانيون مع العثمانيين لإعاقـة الخطة الألمانية لربط خط سكة الحديد بيـن برلين وبغـداد بالكـويـت، وبعد هذا التاريخ، وللمرة الأولى أصبحت سلطة الشيخ مبارك الممتدة على دائرة قطرها 80 كيلومتراً تحيط بمدينة الكويت معترف بهـا مـن قبل الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية البريطانية. في عام 1914، أصبحت الكـويـت «إمارة مستقلة تحت الحماية البريطانية».
العولمة المعاصرة
وتطرق الفصل السابع والأخير من الكتاب إلى «الكويت في العولمة المعاصرة» في القرنين العشرين والواحد والعشرين حيث تناول «الكويت في مواجهة التوترات الدولية الإقليمية (1914-1939)» فخلال الحرب العالمية الأولى، وعلى الرغـم مـن انتصاب الحماية البريطانية عليها في العام 1899، ظلت إمارة الكويت محايدة، وظـل الموقع الاستراتيجي للكويت معروفـاً لـدى الحكام العثمانيين والقـادة البريطانيين كما كان لمرفأ الكـويـت دور القاعـدة للعمليات العسكرية البريطانية في العـراق وبـه رسـت السفن المستعملة كمستشفيات.
وأشار إلى «بناء دولة جديدة (1945-1962)» وبعد الحرب العالمية الثانية، عـاد للكـويـت أبناؤهـا الذين درسـوا معاهـد وجامعات مصر ولبنان وأوروبا والولايات المتحدة، وأخـذوا يشاركون جنباً إلى جنب مع التجار في المناقشات السياسية وبناء دولة جديدة تحت قيادة آل الصباح. كانت الكويت أول محمية بريطانية في المنطقة تحصل على استقلالها عام 1961، ووضع دستور للبلاد في العام 1962ثم أسس البرلمان.
وتناول هذا الفصل إلى «عائدات النفط والاستثمارات والتأثير الدولي» ففي العام 1938 تم اكتشاف النفط وبدأ تصديره في العام 1946من قبل شركة نفط الكويت، وأسهمت عائداته في تمويل وتطوير البلاد وفي إبراز دورها الدولي.
الغزو
وتطرق الكتاب إلى «فشل الغزو العراقي وإعادة الإعمار والتحالفات الدولية 1991-2005» فإلى جانب الوحشية التي اتسـم بهـا الغزو العراقي في عام 1990، والذي تسبب في تعاطف كبير مع الكويت كان للوزن الديبلوماسي الذي اكتسبته الكويت منذ الاستقلال دور كبير في الدفاع عن البلاد، ومنذ انطلاق إعادة الإعمار، وقعت الكويت في العام 1991 اتفاقيات دفاعية مع الولايات المتحدة وبريطانيا، ثم مع فرنسا في العام 1992، كذلك تم تعزيز التحالف مع الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 وأثناء الحرب في العراق2003، وحرصت الكـويـت على الحفاظ على دورها كوسيط في الأزمات الإقليمية.