من المتوقع أن تسحب فرنسا جيشها من بوركينا فاسو في غضون شهر، بناء على طلب من المجلس العسكري الحاكم في الدولة الواقعة غرب أفريقيا، في ما يمثل أحدث علامة على انهيار نفوذ باريس في مستعمراتها السابقة، وإشارة جديدة على تزايد الحضور الروسي في المنطقة، وفق تقرير لموقع «الحرة».

وتأتي نهاية مهمة القوات الفرنسية في بوركينا فاسو بعد 10 أشهر من طردها من مالي المجاورة، حيث قضى الجيش الفرنسي ما يقرب من عقد من الزمن في معركة خاسرة ضد جماعات مُتشددة، أودت بحياة الآلاف وشردت الملايين.

ويأتي الانسحاب الفرنسي، في وقت عزز قادة الدولتين العلاقات مع الكرملين، الذي استخدم مجموعة «فاغنر» لكسب موطئ قدم له في دول أفريقيا الوسطى وليبيا والسودان، بحسب تقرير لوكالة «بلومبرغ».

«الشريك الجديد»

وسعت فرنسا إلى الحفاظ على علاقتها الوثيقة مع بوركينا فاسو، إلا أن المجلس العسكري طلب منها بشكل صريح سحب قواتها، وذلك بعد سلسلة من التحركات العدائية المتزايدة من القادة العسكريين، بما في ذلك حظر الإذاعة الفرنسية RFI.

وصرحت فرنسا بأنها ستستدعي سفيرها في بوركينا فاسو، وتعتزم تجديد تواجدها الأمني في البلدان الأفريقية المجاورة، وبالفعل انتقلت قوات فرنسية إلى النيجر، المتاخمة لمالي وبوركينا فاسو.

وتحذر الحكومات الغربية منذ سنوات، من خطر «حملات التضليل» الروسية في منطقة الساحل، بقيادة شركات مرتبطة بمؤسس «فاغنر» يفغيني بريغوجين.

وحذرت وزارة الخارجية الأميركية في مايو الماضي، من أن بريغوجين، ينشر معلومات مضللة للتأثير على السياسات الأفريقية لصالح روسيا «عبر الشركات التي تستغل الموارد الطبيعية لأفريقيا، والنشطاء السياسيين الذين يقوضون الجهات الفاعلة الديموقراطية، ومن خلال حملات تضليلية على منصات التواصل الاجتماعي».

ونمت العلاقات بين الكرملين والقادة السياسيين في منطقة الساحل بشكل وثيق خلال الأعوام الأخيرة، حيث يُنظر إلى روسيا بشكل متزايد على أنها شريك محتمل فعال في الحرب ضد المتشددين.

وخلال مقابلة تلفزيونية رسمية في 13 يناير الجاري، أبلغ صحافي بوركينابي، السفير الروسي أليكسي سالتيكوف، أن «العديد من المواطنين يريدون من روسيا أن تكون الشريك الرئيسي لبلادهم في الحرب ضد الإرهاب».

ورد سالتيكوف: «تريد روسيا دعم جميع حلفائها الأفارقة... نحن نتطلع إلى تعزيز جهودنا في الكفاح من أجل عالم متعدد الأقطاب».

«على خطى مالي»

وتحافظ فرنسا منذ عقود على نفوذها الكبير في مجالات السياسة والاقتصاد في مستعمراتها السابقة في منطقة الساحل، ما يثير مشاعر سلبية لدى مواطني هذا الدول الذين يرفضون تدخلات باريس ويتهمونها باستنزاف ثروات بلدانهم، وساهم فشل قواتها في وقف انتشار «الخلايا المتطرفة»، في تنامي الاستياء.

واستغلت «فاغنر» هذه التحولات لتقوية حضورها، ولجأ إليها المجلس العسكري الحاكم في مالي في ديسمبر 2021 لمساعدته في جهود مكافحة التمرد.

وتتهم الأمم المتحدة، الشركة العسكرية الروسية بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، واستئجار «مرتزقة» ضمن مساعي الوصول إلى مناجم الذهب الأفريقية.

وتضاعفت الوفيات بين المدنيين أربع مرات تقريباً لتصل إلى أكثر من ألفي شخص، منذ أن نشرت مالي مرتزقة «فاغنر» على أراضيها في ديسمبر 2021، وفقاً للبيانات التي جمعتها منظمة ACLED المتخصصة في تحليل معطيات النزاعات المسلحة، ومقرها واشنطن.

وفي عام 2022، قتل ما لا يقل عن 750 مدنياً في هجمات شنها مقاتلو «فاغنر» الذين يعملون جنباً إلى جنب مع الجنود الماليين.

وتسبب وجود القوات الروسية أيضاً في «انهيار بطيء» لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي يبلغ قوامها 13000 جندي والتي تعمل في مالي منذ عام 2013.

ففي أواخر العام الماضي، أعلنت ألمانيا وبريطانيا وساحل العاج أنها ستنسحب من المهمة، في أعقاب قرار مماثل من الدنمارك والسويد.

وترى الزميلة الباحثة المشاركة في معهد Clingendael الهولندي في باماكو، أورنيلا موديران، أن بوركينا فاسو «تسير على خطى مالي».

وقالت لـ «بلومبرغ»، إن الخطوة الرئيسية في تحرك المجلس العسكري بعد وصوله إلى السلطة، تتمثل في «إخراج الشركاء غير الملائمين - الذين يصرون على حقوق الإنسان، أو الذين يفرضون شروطاً تتعلق باحترام الديموقراطية والحريات للحصول على الدعم العسكري».

ومباشرة بعد وصولهم إلى السلطة عبر انقلابات عسكرية، طرد قادة البلدين ممثلي الأمم المتحدة والديبلوماسيين الفرنسيين، وبعدها القوات الفرنسية وأقاموا علاقات أوثق مع روسيا.

الانهيار الدرامي

ولم يتعرض أي بلد في منطقة الساحل لانهيار سريع، كما هو الشأن بالنسبة لبوركينا فاسو، التي كانت قبل ثماني أعوام فقط، تعيش استقرارا نسبياً وتعدّ وجهة سياحية جذابة.

غير أن الوضع تغير اليوم بعد الاضطرابات السياسية وتدهور الأوضاع الأمنية، وخرجت مساحات شاسعة من الأراضي عن سيطرة الحكومة، ولقي الآلاف حتفهم، ونزح نحو مليوني شخص - أي ما يمثل عُشر السكان.

وكما هو الحال في مالي، اشتدت المشاعر المعادية للفرنسيين وتزايدت أعداد المتعاطفين مع روسيا في بوركينا فاسو، ورافق انقلاب سبتمبر الذي أوصل المجلس العسكري إلى السلطة، هجوم على السفارة الفرنسية، رفع خلاله أنصاره الأعلام الروسية.

واتهم الرئيس إيمانويل ماكرون، موسكو باستخدام المعلومات المضللة لإذكاء المشاعر المعادية لفرنسا واتباع استراتيجية «معادية» لخدمة مصالحها الخاصة في أفريقيا.

ويستغل القادة العسكريون الذين وصلوا إلى الحكم في كل من مالي وبوركينا فاسو، السخط الشعبي العارم تجاه فرنسا، لإعادة إحياء روابط قديمة تعود إلى حقبة الحرب الباردة مع روسيا، حيث سبق أن درب الاتحاد السوفياتي وسلح قوات عدد من البلدان الأفريقية، بعضها بمنطقة الساحل.

وووفقاً لموسى مارا، الذي شغل منصب رئيس الوزراء المالي خلال فترة حكم الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، الذي أطيح به في انقلاب عام 2020، فإن الميل لروسيا في مالي لا علاقة له بـ «شعبية روسيا» بل يبقى فقط «تعبيراً عن عدم شعبية فرنسا».