في انتظار أن يُحسم موعدُ انعقاد الاجتماع الرباعي حول لبنان في فرنسا، ويضم واشنطن والرياض والدوحة وباريس، تشير مصادر فرنسية عبر «الراي» إلى أن التعويل اللبناني على اللقاء مبالَغ فيه لجهة تَوَقُّع الخروج بما يمكن أن يساعد على حل الأزمة السياسية التي يمرّ بها لبنان.
وتتحدث المصادر عن أن الاجتماع لايزال عند الهدف الأول منه أي تأمين المساعدات الإنسانية، وهو الأمر الذي تصرّ عليه السعودية، المستمرّة في تحييد نفسها عن مقاربة أي ملف سياسي يتعلق بلبنان الذي يعيش منذ الأول من نوفمبر الماضي، شغوراً في موقع رئاسة الجمهورية استولد فوضى دستورية على أنقاض كارثة مالية ومصرفية ونقدية واجتماعية.
ورغم أن باريس لا تنوي التخلي عن الاهتمام بالملف اللبناني وأن لدى إدارة الرئيس ايمانويل ماكرون إحاطة مختلفة بالتعاون مع جميع الأفرقاء اللبنانيين من دون تفرقة، إلا أن شركاءها في الاجتماع الرباعي المنتظَر، لديهم اهتمامات وشروط أخرى تتعلق بلبنان وبإيران وتداعيات ما يجري من العراق الى اليمن وسورية ولبنان.
ورغم الاهتمام الداخلي بهذا الاجتماع الذي تتعامل معه باريس على أنه تقني إنساني، فإن الواقعيةَ تفترض الكلامَ عن أن مثل هذا اللقاء لن يحمل تأثيراتٍ سياسيةً كبيرة، في مرحلة الانشغال الأوروبي بانهيارٍ متزايدٍ ربْطاً بالحرب الأوكرانية - الروسية والمتابعة الحثيثة للأزمة الاقتصادية المتفاقمة في الدول التي ترزح تحت وطأة تداعيات هذه الحرب.
وفي موازاة الرهان على أن البحثَ عن حلٍّ سياسي عبر العواصم الأربعة كان يمكن أن يفتح بابَ إنقاذٍ للبنان من خلال الاتفاق السياسي على انتخابِ رئيسٍ جديد، إلا أن مجرد الخروجِ بمقررات دعْمٍ إنسانية ومالية - ولا سيما بمشاركة قطر التي تدخل إلى بيروت عبر رزمةِ مساعدات - يشكل بالنسبة الى لبنان أحد السبل الأساسية التي يمكن أن تساهم في حلحلة جزء من المشكلات التي تعانيها المؤسسات المعنية بتأمين موارد إنسانية وإغاثية وطبية.
علماً أن باريس والرياض أطلقتا قبل أشهر تعاوناً مشتركاً لمساعدة لبنان وتَعَزَّزَ ذلك في اتصال هاتفي بين ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
فلبنان بات معلَّقاً على حبل مساعدات إنسانية تَكَثَّفَتْ مع انفجار مرفأ بيروت، واتخذت شكل إعانات دولية وإقليمية صبّت لمساعدة المتضررين من الانفجار وتأمين الاغاثة لمَن تَشَرّدوا، عدا عن الفِرق الطبية وكميات الأدوية التي تدفقت ولا سيما مع انقطاع الأدوية في السوق اللبنانية. وتلاحقت المساعدات لاحقاً، بعد استمرار انهيار العملة الوطنية التي وصلتْ إلى قاع غير مسبوق تَجاوز معه سعر الدولار 51 ألف ليرة.
وفي وقت باتت الأجهزة الأمنية ولا سيما الجيش تعيش على المساعدات النقدية التي أمّنتْها قطر حتى الآن لمدة ست أشهر، بقيمة 60 مليون دولار، وتعمل الولايات المتحدة على توفير مساعدة مالية لستة أشهر لاحقة حالياً، بمعدل مئة دولار للعنصر الأمني الواحد عبر أحد البرامج التابعة للأمم المتحدة، فإنه من غير المرجّح أن تكون هذه المساعدات كافيةً لجعل لبنان يجتاز أزمته الاقتصادية، مع أن بيروت تعوّل على أن يساهم الاجتماع الرباعي في تخفيف الشروط الأميركية الحائلة حتى الآن دون تأمين الكهرباء من مصر والأردن.
فالمقاربةُ الغربية للواقع اللبناني باتت تعبّر عن قلق بالغٍ من عدم تصرّف المسؤولين على قدر حجم الانهيار الذي يعانيه بلدهم. وليس عابراً أن تتحول قضية الأموال التي يحقّق فيها وفد من المحققين الأوروبيين مادةً سياسيةً وإعلامية في أوروبا عن حجم الأموال التي يجري الحديث عنها والتي تنكشف تباعاً مع تسريب مضمون التحقيقات، ليصبح واجهة الحدث ليس فقط طريقة تهريب الأموال بل حجم الثروات المتداوَلة لسياسيين ومصرفيين في بلدٍ بات يعيش على التسوّل من الدول المانحة، في كل القطاعات.
وبدا لافتاً تَقاطُع التحقيقات الأوروبية مع تصويت البرلمان البلجيكي على اقتراحٍ سبق أن قدّمه مع بداية الأزمة المالية في لبنان عضو الحزب الاشتراكي مالك بن عاشور، ودعا فيه «الاتحاد الأوروبي إلى استخدام إطار عقوباته على لبنان للمرة الأولى»، وهذا يعني شمول العقوبات متّهَمين بالفساد ومتورطين فيه.
علماً أن الاتحاد الأوروبي كان وضع هذا الإطار في يوليو 2021 لـ «فرْض عقوبات على الأشخاص والكيانات المسؤولة عن التعرّض للديموقراطية أو لسيادة القانون في لبنان»، لكن مساره تجمّد بسبب عدم الحصول على إجماعٍ لتنفيذه من كل أعضاء الاتحاد.
ويفتح القرار البلجيكي، مع تَحرُّك الوفد الثلاثي القضائي من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ، باباً جديداً ذا صلة بالأزمة اللبنانية ومقاربة الدول الأوروبية لها، ولا سيما أن كل الانظار تتجه الى كمية الأموال المهرَّبة والفساد المعشش في لبنان الذي تواكب أجهزة استقصاء إعلامية غربية مهمة الثلاثي الأوروبي فيه وتضيء على مكامن الفساد.
وقد عاد الإعلام الأوروبي في سياق مواكبته لتحقيقات الوفد الثلاثي ليضيء على حجم الانهيار لدى الطبقة الوسطة والفقيرة، مقابل مظاهر البذخ وأسلوب عيش الطبقة السياسية والمصرفية. وغالباً ما تكون هذه المقاربات الإعلامية أحد الدلائل على النظرة الأوروبية وأحد المؤشرات العامة في التعامل مع أي بلد. ولبنان اليوم يعود إلى «الرادار» ليس عبر تفجير أمني بل عبر تهريب أموال وفساد مالي وبذْخ غير مسبوق، في وقت يراهن على دعمٍ سعودي وقطري عبر باريس لتمويل الحاجات الإنسانية.