رغم أنها التاسعة التي يعقدها البرلمان منذ 29 سبتمبر الماضي، في محاولةٍ لانتخاب رئيسٍ للجمهورية، فإن جلسةَ اليوم تختلف عن سابقاتها ليس في مآلاتها المحكومة بفشلٍ أكيد في إنهاء شغورٍ في قصر بعبدا بدأ في 1 نوفمبر الماضي، بل في كونها الأولى بعد ما يشبه «شحذ السكاكين» السياسية بين مكوّنات الموالاة التي حوّلت حكومة تصريف الأعمال واجتماعها بـ «القبعة» الرئاسية حديقة خلفية للمعركة على «الأمر لمَن» في ملفٍ أول طرف الخيط فيه محلي وآخِره خارجي.
وبدا واضحاً من التفاعلاتِ، مع «كواتم للصوت»، للمواقف المتفجّرة التي أطلقها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ضدّ «حزب الله» ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي على خلفية عقْد جلسةٍ لحكومة تصريف الأعمال وَضَعَها في سياق «السطو على موقع رئاسة الجمهورية عن سابق إصرار وتصميم»، أن أول «تماسٍ» لباسيل مع حليفه «الوحيد» (حزب الله) الذي غطّى التئام مجلس الوزراء (الاثنين) وكسْر إرادة التيار برفْض «استفراده» رئاسياً، سيكون اليوم تحت قِبة البرلمان.
وسادتْ أمس مناخاتٌ بأن جلسةَ الـ لا انتخاب الرئاسية ستتحوّل «صندوقةَ بريدٍ» ساخن يسعى من خلالها رئيس التيار الحر إلى «ردّ الصاع» لحلفائه - خصوصاً «حزب الله» - ومن «الحلبة نفسها» التي اعتبر صراحةً أنها تحكّمت بقرار«مشغّلي ميقاتي» عقد جلسة الحكومة بمَن حضر بعد «انتزاعِ» نصاب الـ 16 وزيراً من «فم» باسيل الذي «نام» الأحد وفي يده ثلث معطّل (9 وزراء) اعتقد أنه حبلٌ سيلتفّ حول عنق الحكومة، قبل أن ينكسر في «ليلة القبض على الثلثين».
فباسيل الذي وجّه رسائل «لمن يعنيهم الأمر» بأنه إذا كان المقصود بإطلاق يد حكومة تصريف الأعمال في كنف الشغور الرئاسي الضغط عليه للسير بالمرشّح رقم واحد لـ «حزب الله» أي سليمان فرنجية للرئاسة «فهذا لا ينفع معنا»، سيجد نفسه اليوم أمام فرصة «زكزكة» الأقربين عبر أكثر من سيناريو تتقاطع عند صعوبة تَصَوُّر مضيّ التيار «بالانضواء» «في صف واحد» مع سائر قوى الموالاة التي لم تنفكّ ترفع الورقة البيضاء ستاراً لعدم قدرتها على التوحّد خلف اسم مشترك.
وفي رأي أوساط سياسية أن «التيار الحر» أمام خياراتٍ عدة في ما خص مقاربة مرحلة ما بعد «النكث بالوعد الصادق» من حليفه «حزب الله»، ولكل منها حساباتٌ واعتباراتٌ تُمْلي السير بها مباشرةً أو التريث في اعتمادها أو «نصف ذهاب إليها» على طريقة «رِجل في الورقة البيضاء» وأخرى في المنطقة الرمادية، وهي:
* إما الخروج الكامل من «بلوك» الورقة البيضاء نحو تسمية مرشح محدّد وفي شكل معلَن، وهو ما تَحَكَّم به طوال الفترة الماضية أمران: أوّلهما أن طرح اسم لن يكون بطبيعة الحال فرنجية، سيعني حرْق «خط الرجعة» نهائياً إلى هذا الخيار الذي يحاول «حزب الله» إقناع حليفه بأنه قد يكون الأقل تكلفة عليه باعتبار أنه «يمون» على فرنجية لعقد تسوية أو صفقة يمكن للحزب أن يشكّل «بوليصة التأمين» لها.
أما الثاني فإنه بمجرّد تسمية التيار شخصية للرئاسة، لن تكون باسيل الذي لن يرمي نفسه في «محرقة الأسماء» المعدومة الحظوظ، فإن الأخير يكون كرّس تنازُله عن ترشّحه، وهو ما لم يسلّم به بعد وسط اعتبار خصومه أنه يرى في الفراغ المديد فسحة لإحياء فرصه خصوصاً مع الخارج.
* وإما اعتماد خيار «التسرُّب المتعمّد» لأصوات من تكتله سواء نحو اسم مثل الوزير السابق زياد بارود، ولمَ لا رفْد مرشح المعارضة ميشال معوّض ببعض الأصوات الإضافية، ما يعيد كرة الضغط الرئاسي إلى ملعب «حزب الله» عبر البرلمان بعدما اعتمد الأخير الحكومةَ «ساحة رديفة» لتوجيه الرسائل لباسيل بالتزامن مع إشاراتٍ إلى عدم وجود «فيتو» على قائد الجيش العماد جوزف عون، في ما بدا محاولة لحشْر رئيس «التيار الحر» بين إما فرنجية أو الجنرال عون، وكلا الخيارين يقيسهما باسيل في ميزانِ زعامة سياسية قد تتمدّد لفرنجية و«يرثها» نجله من بعده (طوني فرنجية)، وزعامة شعبية يمكن أن يراكمها قائد الجيش من «كيس» قاعدة التيار الذي يميل تلقائياً للمؤسسة العسكرية التي كان على رأسها يوماً مؤسسه العماد ميشال عون.
وبأي حال، ستنكشف اليوم حدود «اللعب» بين «التيار الحر» و«حزب الله» خصوصاً وهو ما ستترتّب عليه تبعات للمرحلة المقبلة رئاسياً وحكومياً، وسط أجواء متضاربة برزت أمس بعضها أشاع أن ميقاتي الذي يستعدّ للسفر إلى السعودية لحضور «القمة العربية الصينية» التي تستضيفها الرياض غداً، سيعمد إلى دعوة الحكومة لاجتماع ثانٍ مستفيداً من فصْل «الوزير الملك» جورج بوشكيان من كتلة نواب الأرمن (هي جزء من التكتل النيابي لباسيل) ما يعني تحرُره بالكامل من أي قيود في تأمين نصاب الجلسات الوزارية.
ومن شأن إقدام ميقاتي على مثل هذه الخطوة وتغطيتها مجدداً من الثنائي الشيعي توجيه إشارة الى باسيل بأن الضغط التصاعدي سيستمر من ضمن «عض أصابع» يشتدّ مستفيداً من اقتناع بأن الهوامش ضيقة أمام رئيس التيار الحر لـ «الانفصال» عن «حزب الله» وان التحالف الاستراتيجي بينهما بات أعمق من فكه وإقناع الآخرين بذلك في الداخل والخارج.
في المقابل، برزت مناخات تشير الى أن «حزب الله» سيحاول «تبريد الأرض» السياسية مع باسيل وإعطاء فسحة من الوقت للأخير لاستخلاص عِبر ما رافق اول اجتماع للحكومة في عهد الفراغ الرئاسي «لأسباب قاهرة» معيشية، وأن الحزب سيتفادى «الاستفزاز الأكبر» لرئيس التيار الحر أقلّه في المرحلة الراهنة.
وكان بارزاً أن موقع «لبنان 24» (التابع لميقاتي) شنّ هجوماً دفاعياً صاعقاً على «سفاهة جبران باسيل وحقارة سلوك هذا الحرتقجي» الذي «تجاوز كل الخطوط وأهان الكرامات، بعد«الضرب المبكّل» الذي سبّبه لنفسه في جلسة مجلس الوزراء (...) وقد بتنا نصاب بالغثيان لكثرة تكرار اسمك والرد عليك، ولكن الرد ضروري هذه المرة، يا«دونكيشوت» الزمن الرديء».
في موازاة ذلك، وقبيل استقباله أمس من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، اعتبر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، أن «لبنان يعاني عدم وجود سلطة قادرة على الحسم ما ولّد سلطات وأصحاب نفوذ وتقاسم سلطات ويتحمل عبئاً اقتصادياً كبيراً وهويته مهددة وديموغرافيته تتغير بسبب وجود نصف مليون فلسطيني ومليون ونصف مليون سوري على أرضه».
وطالب بـ «عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة يتناول تطبيق الطائف نصاً وروحاً وقرارات مجلس الامن الثلاثة 1680 و1559 و1701 لحل أزمة النازحين السوريين والقضية الفلسطينية وإعلان حياد لبنان».