بكين - أ ف ب - أعلنت الصين، أمس، تخفيف قيودها الصارمة المرتبطة بـ «جائحة كوفيد» على مستوى البلاد بعدما ألحقت ضرراً بثاني أكبر اقتصاد في العالم وأشعلت تظاهرات منددة بالحزب الشيوعي الحاكم.

وتمثل القواعد الجديدة تخفيفاً كبيراً لاستراتيجية الرئيس شي جينبينغ «صفر كوفيد»، عقب ثلاث سنوات من تفشي الجائحة وبعد فترة طويلة على تمكن بقية دول العالم من التعايش مع الفيروس.

لكن مع بقاء معدلات التلقيح منخفضة بين كبار السن، ونظام صحي لايزال يُعد غير جاهز للتصدي لموجة جديدة من الإصابات، لم يتراجع شي بشكل تام عن قيود السفر والاختبارات المكثفة.

وبموجب الإرشادات الجديدة التي أعلنتها لجنة الصحة الوطنية، سيتم خفض وتيرة ونطاق فحوص «بي سي آر»، والتي كثيراً ما اعتبرت شرطاً مرهقاً في تطبيق سياسة «صفر كوفيد».

وستقتصر إجراءات الإغلاق، وهي من الأسباب الرئيسية للغضب الشعبي، على نطاق صغير قدر الإمكان، ويُطلب من السلطات تحرير مناطق لا تسجل إصابات بعد خمسة أيام.

ويمكن للمصابين بعوارض غير شديدة أن يعزلوا أنفسهم في المنزل وليس في المنشآت الحكومية.

ولن يُطلب من المواطنين إبراز رمز صحي أخضر على هواتفهم لدخول مبانٍ وأماكن عامة، باستثناء «دور رعاية المسنين والمعاهد الطبية ودور الحضانة والمدارس المتوسطة والثانوية».

وستُسّرع الصين وتيرة تلقيح كبار السن، وفق لجنة الصحة، والذي كثيراً ما اعتبر عائقاً أساسياً أمام تخفيف تدابير منع تفشي الفيروس.

وأوضحت بكين، أن القواعد الجديدة ستساهم في «تصحيح المشكلات الواضحة التي تواجهها الوقاية من الوباء ومنعه حالياً».

وقال الخبير في لجنة الصحة الوطنية لي بين في مؤتمر صحافي أمس، إن السياسات السابقة «لقيت تجاوباً كبيراً من العامة».

- حان الوقت

حتى وقت قريب كان الرئيس شي وجهاز الدعاية الصيني يشيدان باستراتيجية «صفر كوفيد» باعتبارها انتصاراً للحكم الشيوعي الذي أبقى معدلات الوفيات منخفضة مقارنة بدول ديموقراطية مثل الولايات المتحدة.

ولكن خرجت تظاهرات قلما تحدث في أنحاء الصين الشهر الماضي رفضاً لتلك الاستراتيجية. وندد المتظاهرون بالقيود.

وتوسعت التظاهرات لتصبح دعوات إلى مزيد من الحريات السياسية، حتى أن بعضها طالب بتنحي شي جينبينغ، لتصبح أكبر معارضة للحكم الشيوعي منذ التجمعات المنادية بالديموقراطية في ساحة تيان أن مين في العام 1989 والتي سحقها الجيش.

في تلك الأثناء، أظهرت بيانات متتالية التداعيات الهائلة لاستراتيجية مكافحة كوفيد على الاقتصاد الصيني، مع انعكاسات على دول العالم.

وقبل ساعات من الإعلان المتعلق بتخفيف تدابير كوفيد نشرت الحكومة بيانات أظهرت تراجع الواردات بنسبة 10.6 في المئة على أساس سنوي، في أكبر انخفاض من مايو 2020.

وتراجعت الصادرات بنسبة 8.7 في المئة في الفترة نفسها.

وسارعت السلطات إلى قمع التظاهرات فأرسلت قواتها الأمنية إلى الشوارع ونشرت أجهزة مراقبة متطورة تستهدف المتظاهرين.

لكنها بدأت أيضاً بتخفيف الإجراءات، وخفضت بعض المدن الصينية وتيرة الفحوص الجماعية والقيود على التنقل.

وبعدما هيمنت عليها تغطية مخاطر الفيروس ومشاهد الفوضى الناجمة عن الوباء في الخارج، بدلت وسائل الإعلام الرسمية الصينية نبرتها تأييداً للابتعاد عن استراتيجية «صفر كوفيد».

وبرزت على الفور مؤشرات ارتياح في الصين عقب إعلان أمس.

وقال أحد سكان بكين لـ «وكالة فرانس برس»، طالباً عدم الكشف عن اسمه، «حان الوقت لفتح البلاد، مضت ثلاث سنوات، علينا أن نفتح بالكامل».

أضاف «الناس بحاجة للعمل والطعام، لا يمكن الطلب منهم عدم مغادرة منازلهم بعد الآن».

وتابع «إذا شعر الناس بالقلق الآن، عليهم أن يلزموا منازلهم ويتجنبوا الخروج، فآخرون بحاجة للعمل ومواصلة حياتهم».

وأبدى آخرون قلقاً أكبر إزاء تفشٍ للفيروس.

وقال العامل المهاجر مينغ كينغشينغ (60 عاماً) «نحن بغاية القلق، لقد فتحت البلاد بالكامل، ولم تعد الحكومة تكترث، ماذا نفعل إذا أصبح الوضع الوبائي أكثر خطورة».

أضاف «ذلك سيصعب علينا إيجاد عمل... ونحن أيضا خائفون، لا نريد أن نصاب بالفيروس».

وأفادت نشرة «ذا بيبر» الرسمية بأن البحث على تطبيق سيتريب (Ctrip) أكبر تطبيقات السفر في البلاد عن تذاكر طيران قبيل فترة أعياد رأس السنة الصينية، وصل إلى أعلى مستوياته في ثلاث سنوات.

وتوقع محللون لدى مؤسسة مومورا اليابانية تعافي الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل في أعقاب تخفيف القيود.

لكنهم حذروا من أن الصين «لا تبدو مستعدة بدرجة كافية لمواجهة موجة كبيرة من الإصابات بكوفيد».

وقالوا في رسالة إلكترونية «قد تضطر إلى دفع ثمن تسويفها في تبني نهج التعايش مع كوفيد».