أخيراً، استفاق الغرب على صواريخ إيران ومسيّراتها، كما استفاق على الأزمة الداخلية التي تعاني منها «الجمهوريّة الإسلاميّة» وهي أزمة مرتبطة بنظام لم يستطع أن يكون متصالحاً مع الشعوب الإيرانيّة في أي وقت من الأوقات.

ما يمكن فهمه من القمّة، التي انعقدت حديثاً في واشنطن بين الرئيس جو بايدن والرئيس ايمانويل ماكرون، أنّ هناك نظرة جديدة لدى الغرب إلى الموضوع الإيراني.

تأخذ هذه النظرة في الاعتبار الحراك الذي يشهده الداخل من جهة والتورط الإيراني في الحرب الأوكرانيّة من جهة أخرى. بدأ الغرب يعترف بأن الصواريخ والمسيّرات لا تسد جوع المواطن في بلد بات أكثر من نصف شعبه يعيش تحت خط الفقر.

حتّى روبرت مالي المسؤول عن الملف الإيراني في واشنطن بدأ يعيد النظر في موقفه من سلوك النظام بعدما كان من أشد المتحمسين له ولصفقة مع «الجمهوريّة الإسلاميّة» في شأن برنامجها النووي.

تحدث مالي، المعروف بانحيازه للنظام الإيراني، عن تركيز أميركي أكبر على التسليح الإيراني لروسيا في حرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا وعن اهتمام أميركي بالقمع الذي يتعرّض له الإيرانيون.

أشار إلى أن هذا التركيز على العلاقة بين إيران وروسيا وعلى الوضع الداخلي الإيراني صار يتفوق على مسألة احياء الاتفاق في شأن الملف النووي الذي وقعته «الجمهوريّة الإسلاميّة» مع مجموعة البلدان الخمسة زائدا واحدا (البلدان ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وألمانيا) صيف العام 2015. كان ذلك قبل مغادرة باراك أوباما للبيت الأبيض.

أراد النظام الإيراني، منذ قيامه في العام 1979، تصدير أزمته الداخلية إلى خارج حدوده. نجد حالياً، بفضل المرأة الإيرانيّة أوّلا، أنّ هذه السياسة ارتدّت عليه، خصوصاً بعد فقدان هيبته واضطراره إلى التخلي عن احد مقومات وجوده، أي شرطة الأخلاق.

مؤسف أنّ الإدارات الأميركيّة، خصوصاً إدارة باراك أوباما، انشغلت في السنوات الماضية بالبرنامج النووي الإيراني وبكيفية استرضاء «الجمهوريّة الإسلاميّة» بدل مواجهة الواقع المتمثل في الخطر الذي يشكله النظام الإيراني على دول المنطقة من جهة وعلى السلم العالمي من جهة أخرى.

جاءت مشاركة إيران في الحرب الأوكرانيّة، دعما لفلاديمير بوتين، كي يكتشف الغرب أخيراً خطورة النظام الذي أقامه آية الله الخميني والذي في أساسه شعار «تصدير الثورة»، أي تصدير الخراب والبؤس والغرائز المذهبيّة إلى دول المنطقة.

يبدو مسموحاً تصدير الخراب إلى بلدان عربيّة، لكنه محظور، اميركياً واوروبياً، على إيران الدخول على خط المواجهة بين روسيا والغرب عبر الحرب التي يشنّها بوتين على أوكرانيا.

لا تقدّم الصواريخ البالستية ولا الطائرات المسيّرة ولا تؤخّر في شيء على الصعيد الإقليمي. اللهمّ الّا اذا استثنينا انّها تخيف جيران إيران وتجعلهم يلجأون الى كلّ الوسائل المتاحة من أجل حماية أنفسهم.

هذه صواريخ مطلوب، قبل كلّ شيء، أن تكون للاستهلاك الداخلي الايراني من أجل تأكيد أن شيئا لم يتغيّر في البلد بعد انتصار «الحرس الثوري» على منافسيه في الداخل.

لم تستخدم إيران صواريخها إلّا من أجل لعب دور يصبّ في الحاق الضرر بمدن عراقيّة معيّنة، كما حصل بين العامين 1980 و1988 أو لتبرير الهجمات الإسرائيلية على لبنان أو على قطاع غزّة في مرحلة لاحقة.

إيران تستخدم الصواريخ والمسيّرات حالياً لأغراض سياسية وفي خدمة مشروعها التوسّعي إضافة بالطبع الى تأكيد أن لا فارق يذكر بين رئيس للجمهوريّة وآخر يمكن أن يحلّ مكانه... ما دام «الحرس الثوري» يسيطر على البلد وعلى اقتصاده.

في الواقع، كانت هناك محاولات عربيّة عدّة لتنبيه الولايات المتحدة إلى خطورة المشروع التوسّعي الإيراني.

لكنّ هذه المحاولات العربيّة لم تلق آذاناً صاغيّة في واشنطن وحتّى في باريس.

هل سيتغيّر شيء في ضوء قمّة بايدن وماكرون والبيان المشترك الذي يشدّد على ضرورة مواجهة الخطر الإيراني؟

كيف ستردّ الإدارة الأميركيّة على التحدّي الإيراني الذي بدأ يأخذ شكلاً مختلفاً في ضوء ما يشهده الداخل في «الجمهوريّة الإسلاميّة»؟ إنّه سؤال كبير يمكن أن يعني الكثير.

يمكن أن يعني الكثير بالنسبة الى النظام الإيراني نفسه الذي مازال يبحث عن عدو خارجي غير موجود والذي يريد أن يثبت مرّة أخرى، للايرانيين أوّلاً، أنّه لا يخشى الولايات المتحدة، بل هو في مواجهة معها. هل مازالت مثل هذه الشعارات تنطلي على أحد؟

ليس صدفة أنّ النظام الإيراني يسعى في هذه الأيّام إلى الهرب من مواجهة أزمته الداخلية عبر اتهامات، لا تمت للواقع بصلة، يوزعها يميناً ويساراً على أميركا وأوروبا والدول العربيّة الخليجيّة، محملاً إيّاها مسؤولية الثورة الشعبية المستمرّة منذ السادس عشر من سبتمبر الماضي تاريخ وفاة الفتاة الكرديّة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق.

في النهاية، تنتمي الشعوب الإيرانيّة في أكثريتها الساحقة إلى ثقافة الحياة. الإيرانيون ليسوا كوريين شماليين.

إنّهم يعرفون أن القنبلة النووية والصاروخ والمسيّرة لا تطعم خبزاً.

ما يطعم خبزاً، للإيرانيين أوّلاً، عودة البلد إلى أن يكون دولة طبيعيّة تهتمّ بشؤونها الداخلية بدل الاستثمار في ميليشيات مذهبيّة قضت على العراق وسورية ولبنان وعلى جزء من اليمن.