«هو مو مثلي... أنا رجل وهو شاذّ». هذه العبارة التي كُتبت في لوحات إعلانية ضخمة داخل شوارع الكويت كانت ردّاً طبيعيّاً على حملة دوليّة غير طبيعيّة فاقت حدود المُبالغات بُغية إقحام ثقافة جديدة إلى القيم التي يُؤمن بها، ليس الكويتيون فحسب بل غالبية سكان الأرض، وبهدف تشويه الفِطرة الإنسانية المحروسة أساساً بالعناية والإيمان والوعي.

لكن ما يلفت في الإعلان ليس قُوّة العبارة وجماليّة الإخراج فحسب، بل لأنه من المرات الاستثنائية التي تتوحّد فيها فئات المجتمع كلها على اختلاف أنواعها وتساهم في إخراج هذا العمل الصغير بحجمه والكبير جدّاً برمزيته.

من يقرأ أسماء الهيئات المُساهمة في الإعلان فسيكتشف أنها جامعة شاملة للتيارات الكويتية المُمثّلة لغالبية الناس.

هؤلاء تركوا الخلاف والاختلاف والتصادم والتقوا على كلمة سواء.

اعتصموا بحبل التمسّك بالقِيم في مُواجهة واحدة من أكبر الحملات الدولية الساعية إلى إقحام مفاهيم شاذة بدءاً من كتب الأطفال في المدرسة ووصولاً إلى مُختلف النشاطات الرياضية والاجتماعية والفنية والمُسلسلات والأفلام.

هذه «الفزعة» الشاملة ضدّ الخطر على القيم امتداد لفزعة الكويتيين عند أيّ أمر داهم. هكذا فعلوا مع صراع البقاء في مُواجهة الغزو العراقي حيث ذابت الفروقات نهائياً بين السنّي والشّيعي والحضري والبدوي.

صار الجميع يُقاوم ويدعم الأبطال في عملياتهم ضدّ المُحتلّ، وصار الجميع يُديرون المخابز ومحطات الوقود ويُؤمّنون الخدمات الأساسية للسكان من غذاء ودواء وكهرباء وماء، وصار الجميع «سفراء» للكويت في كلّ المحافل الدولية والعربية... اختفت التصنيفات والفروقات وحلّت مَحلّها هوية واحدة: كويتي.

وهذه «الفزعة» ظهرت أيضاً أيام اجتياح وباء كورونا، وتحوّل الجميع إمّا إلى جيش أبيض وإمّا إلى داعمين لهذا الجيش ومُسهّلين لمُهمّته عبر التطوّع الشبابي والنسائي الذي أذهل العالم.

صار التكاتف للقضاء على الوباء هو الهدف الأوحد الذي التفّ حوله الكويتيّون، وحلّ التضامن الاجتماعي مكان كل الخلافات السياسيّة، وتطوّع الآلاف لإيصال المواد الغذائية والأدوية والغاز إلى المنازل... اختفت التصنيفات هنا أيضاً وحلّت مَحلّها هوية واحدة: كويتي.

وإذا كان الإعلان يرمز أيضاً إلى شيء، فإلى أن الكويتيين مُتمسّكون بقيمهم ودينهم وتقاليدهم وتُراثهم من دون أيّ وصاية أو إملاءات أو محاكم تفتيش أو هيمنة على الفكر والحريات. بل على العكس من ذلك، أثبت الكويتيّون أن سقف الحرية الذي ينعمون بظلاله يُحرّر الخيارات ويُظهر معدنهم وجوهرهم وأصالتهم مهما كان الفكر الذي ينتمون إليه سواء كان دينيّاً أو ليبيراليّاً أو مدنيّاً مُحافظاً بين المدرستين أو أيّ فكر آخر، ولذلك فهم يُواجهون حملات المسّ بالقيم الإنسانية بخيار حرّ ويد واحدة غير مُنتظرين شهادات فحص الوطنية أو فحص الإيمان أو فحص السّويّة الفِطرية لا من خارج الكويت... ولا من داخلها.

إعلان جميل، مُعبّر، عصري، يردّ بلغة منطقية مُبسّطة واضحة على هجمة غير منطقية ومُعقّدة ومُعتمة. إعلان اختفت معه أيضاً وأيضاً التصنيفات وحلت مَحلّها هويّتنا التي نفخر ونفاخر بها: كويتيّون.