دَخَلتْ الأزمةُ الرئاسيةُ في لبنان مرحلةً جديدةً من العصْفِ السياسي - الدستوري في ضوء الدعوةِ التي وجّهها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى مجلس الوزراء لعقد جلسةٍ «بهيئة تصريف الأعمال» غداً وتحوّلت «حلبة ملاكمة» مع «التيار الوطني الحر» استُحضرت فيها كل «أثقال» مرحلةِ المكاسرة التي سادت «جبهة» ميقاتي - الرئيس السابق ميشال عون وحالت دون استيلادِ حكومةٍ كاملة الصلاحيات قبل حلول الشغور الرئاسي.

وفيما ذهب ميقاتي أمس نحو المزيد من «عصْرِ» جدول الأعمال «الطارئ» لأول جلسة لحكومة تصريف الأعمال في «عهد الفراغ» بإعلانه أنه سيخفّف نحو 40 من بنوده الـ 65 التي يمكن اعتبارها «غير ملحّة»، فإن رئيس الحكومة بهذه الخطوة بدا وكأنه يحاول التخفيف من «الإحراج» عن «حزب الله» وتأمين أرضيةٍ لتوفيره نصاب التئام الجلسة (الثلثان) التي سيقاطعها غالبية وزراء حليفه «التيار الحر» الذي اعتبر الدعوة إلى الجلسة «مخالَفة للدستور وضرباً للميثاقية وتحدياً للقوى المسيحية والكنيسة المارونية»، وذلك امتداداً لموقفه الذي يعتبر أن حكومةً مستقيلةً لا يمكنها أن ترث صلاحيات رئيس الجمهورية ولو حتى في الحدود الأضيق لتصريف الأعمال.

وإذ ساد في بيروت اقتناعٌ بأن ميقاتي ما كان ليوجّه الدعوة للحكومة لو لم يكن «ضَمَن» نصابَ انعقادها وميثاقيتها بحضور وزراء مسيحيين، فإنّ أسئلةً تتطاير عن التأثيرات السياسية لهذا التطور على مجمل المشهد الداخلي واستطراداً على الملف الرئاسي الذي تتشابك تعقيداته، وسط انطباعٍ بأن رئيس الحكومة لا يحتمل خسارة «معركة» انتزاع شرعية «حكومته الرئاسية»، تماماً كما لا قدرة لـ «التيار» على تلقّي «ضربة سياسية» جديدة بحال كبّر كثيراً حجر الاعتراض من دون أن يتمكّن من تغيير مسار «ما كُتب».

وبينهما يبدو «حزب الله» وكأنه «يدوْزن» خطواته والرسائل المتعددة الاتجاه بتغطيته مع الرئيس نبيه بري جلسةً تحت عنوانٍ رئيسي هو الإفراج عن مستحقات المستشفيات والاعتمادات المخصصة لمرضى السرطان وغسيل الكلى.

وعَكس ميقاتي بكلامه بعد افتتاح معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، أمس، ما بدا ارتياحاً لمآل جلسة الغد، وهو ردّ على اتهامه بأنه حاكِم بأمر «الثنائي الشيعي»، قائلاً «من يقول هذا الكلام يعلم ان الدعم هو لتيسير أمور الناس وما يتعلق بصحة المواطن. ومَن يطلق هذه التهمة فليتذكر كم»عرّض عضلاتو«عندما كان الثنائي الشيعي داعِماً له».

وفي حين كانت «القوات اللبنانية» (ليست مُشارِكة في الحكومة) تعطي إشارات غير محبّذة لالتئام مجلس الوزراء، فإن أوساطاً تعتبر أن تشظيات خطوة ميقاتي مدعوماً من الثنائي الشيعي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط قد يذهب «ضحيتها» الاتجاه لإطلاق عجلة التشريع في البرلمان في كنف الفراغ الرئاسي، وهو ما يشي بأن يتشدّد أكثر ضدّه التيار الحر ومعه الأحزاب المسيحية الأخرى ومستقلون، وإن من منطلقات مختلفة.

ويشكل الخلافُ حول انعقاد جلسة الحكومة غداً، الوجهَ الآخَر للمأزق المتمادي الذي يحول دون انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية رغم الشغور في الموقع الرقم واحد منذ أكثر من شهر وعجْز البرلمان على مدى ثماني جلسات عن كسر الحلقة المقفلة.

ولم يحجب غبارُ السجال المستجدّ حول حدود دور حكومة تصريف الأعمال التي ورثت نظرياً صلاحيات رئيس الجمهورية في انتظار انتخاب «رأس الدولة»، الحراكَ الداخلي والخارجي في شأن الاستحقاق الرئاسي «المعلّق» فوق فوهة انهيارٍ شامل.

فرغم الكلام الكثير الذي قيل في بيروت عن حضور الملف الرئاسي في القمة الأميركية - الفرنسية، فإن ثمة تطوراً بالغ الحساسية آخِذ بالتفاعل طرأ على موقف «حزب الله» من المرشح، الذي ربما يكون «الأكثر جدية» للرئاسة، أي قائد الجيش العماد جوزف عون.

وكشفت أوساطٌ واسعة الاطلاع في بيروت لـ «الراي»، ان «لقاء(المكاشفة)الذي عُقد بين العماد عون ومسؤول وحدة الارتباط في(حزب الله) وفيق صفا، انطوى على توضيحات متبادلة وأزال الكثير من الالتباسات، الأمر الذي يصبّ في الرصيد الرئاسي لقائد الجيش».

وعلمت«الراي»، ان وفيق صفا بدّد انطباعاتٍ شاعتْ عن أن مواقفَ أخيرة للأمين العام لـ«حزب الله»السيد حسن نصرالله قصدتْ النيل من قائد الجيش، في حين أن الحزب يقدّر دورَه في حماية السلم الأهلي وأمْن اللبنانيين.

وفُهم من مصادر على بيّنة من مقاربة«حزب الله»للعلاقة مع الجيش أن صفا سمع كلاماً مُطَمْئناً عن دراية العماد عون بالتوازنات في الداخل ومع الخارج، لا سيما في شأن الموقف من الحزب والعلاقة مع الولايات المتحدة.

وقالت المصادر لـ«الراي»، إن«حزب الله»لا يمانع انتخابَ عون رئيساً للجمهورية في حال حظي بدعم خارجي يحتاجه لبنان وبتأييدٍ داخلي من شأنه كسْر الاستعصاء الحالي، الناجم بطبيعة الحال عن التوازن السلبي القائم في مجلس النواب.

وأشارتْ في كلامٍ أكثر وضوحاً، إلى أن«حزب الله»ينظر بعينٍ إيجابية إلى أي دعمٍ أميركي - فرنسي لقائد الجيش كمرشحٍ للرئاسة ويأمل برفْده بتأييدٍ إقليمي (خليجي) لأن من شأن ذلك توسيع قاعدة التوافق حوله في الداخل.

ولم تتردد المصادر في القول إن قَفْل رئيس«التيار الحر»جبران باسيل البابَ بوجه المرشح الفعلي لـ«حزب الله»زعيم«المردة»سليمان فرنجية، دَفَعَ بالحزب إلى فتْح بابٍ آخَر أمام إمكان التوافق على قائد الجيش رئيساً.

وكشفتْ المصادر، التي تحدّثت عن غضبٍ أصاب باسيل بسبب لقاء عون - صفا، عن أن إمكانَ دعْم«حزب الله» لترشيح قائد الجيش لا يقع في إطار المناورة ما دام باسيل يعارض وصول رئيس«المردة».

وذكّرت بأن«حزب الله»سبق أن صارح رئيس«التيار الحر»بأن فرنجية هو الوحيد الذي يمكن للحزب أن يؤدي معه دور الضامن لأي تَفاهُم بين الرجلين حول التعاون المستقبلي، وتالياً فإن الكرة في ملعب باسيل.

وأعربت دوائر سياسية عن اعتقادها بأن«حزب الله»لن يفاجأ بمعارضة قوية من باسيل لوصول قائد الجيش إلى الرئاسة لأن«التيار» الذي بنى حيثيته على وهْج المؤسسة العسكرية، سيكون أمام شريك مُضارِب ينافسه في عقر داره.