علمت «الراي»، أن إيران والمجموعة الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة، تبادلت الرسائل الأسبوع الماضي حول موضوعات عدة، أبرزها الملف النووي وتعليقات الرئيس جو بايدن بأنه «سيحرّر إيران».

ويدلّ هذا الحِراك المستجدّ على فشل مشروع قلْب النظام في «الجمهورية الإسلامية» بعد أسابيع طويلة من الاحتجاجات التي بدأت في سبتمبر الماضي.

وتقول مصادر إيرانية مطلعة لـ «الراي»، إن «قطر وسلطنة عُمان عاودتا نشاطهما وعملتا على خط تَبادُل الرسائل بين إيران وأميركا حول استعداد البيت الأبيض للعودة إلى المفاوضات النووية بعد انقطاعٍ طويل دام طوال فترة الاحتجاجات وأعمال الشغب العفوية والمنظّمة والمسلّحة - على أنواعها - في انتظار نتائجها».

وأضافت المصادر «أرسل رئيس المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني رسالةً إلى منسق العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل حول أفكار جديدة تتعلّق بالضمانات الإيرانية المطلوبة من المجتمع الغربي. وقد تَسَلَّمَتْ طهران الرد في نهاية الأسبوع الماضي لدراسته قبل الرد عليه».

على صعيد متصل، «أرسلتْ قيادة الأمن القومي الأميركي رسالة إلى القيادة الإيرانية عبر دولةٍ عربية، مفادها بأن الرئيس بايدن لم يقصد تغيير النظام عندما قال إنه يريد تحرير إيران، بل ان عبارته فُسرت في شكل خاطئ وأنها تقع في خانة زلة اللسان»، كما كشف مصدر إيراني مسؤول.

وتؤكد المصادر المطلعة أن «إيران فرضتْ معادلةَ الردع من خلال تطوير صواريخها ومسيَّراتها وتَنَوُّعها ودقّتها ـ وعبر تقدُّمها التكنولوجي والعسكري وصولاً إلى توريد أسلحة إلى روسيا وتسليح محور المقاومة.

وتالياً كلما تأخر الغرب في تلبية طلبها بتقديم ضمانات في ما يتعلق بإحياء اتفاق فيينا النووي والالتزام الأميركي به بعد مرحلة الرئيس بايدن، كلما أكملت برنامجَها ليصل إلى نقطة اللا عودة».

وتضيف لـ «الراي»، أن طهران «انتقلت في تخصيب اليورانيوم من 20 في المئة إلى 60 في المئة، ومن الجيل الأول لأجهزة الطرد المركزي إلى الجيل التاسع، وأقفلت الكاميرات المتصلة بالمنظمة الدولية للطاقة الذرية، وتالياً فإن من مصلحة واشنطن عدم التلكؤ طويلاً وإبقاء الاتفاق معلَّقاً لأن طهران لن تنتظر طويلاً».

وثمة مَن يعتقد أن إيران خبرتْ الجمهوريين تحت قيادة دونالد ترامب لمدة أربعة أعوام، فَرَضَ خلالها الرئيس الأميركي السابق، أقسى العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية والطبية على طهران، واغتال قائد «فيلق القدس» اللواء قاسم سليماني أثناء مهمة رسمية في العراق.

لكن لم تفلح طريقته في إخضاع طهران، والتي بلغت حد قول وزير الخارجية مايك بومبيو حينها، إن «على إيران اللجوء إلى أميركا إذا أرادت أن تأكل». فالعقوبات سبّبت ألماً كبيراً لإيران التي لم ترضخ لترامب الذي غادر منصبه ولم يتلقَّ الاتصال الهاتفي الذي توقّعه من طهران.

كذلك تعاملتْ «الجمهورية الإسلامية» مع بنيامين نتنياهو، العائد إلى الحُكْم في إسرائيل، بعدما أمضى 12 عاماً متواصلة رئيساً للوزراء، اغتال خلالها علماء وخرّب مواقع نووية، ولم يَنْتُجْ عن ذلك سوى دفْع البرنامج النووي إلى مستوى غير مسبوق. كما طوّرت طهران، المسيَّرات بعدما ضربت إسرائيل موقع تخزينها في كرمانشاه.

وتالياً فإن عودة الثنائي ترامب - نتنياهو، لن يغيّر في المعادلة شيئاً بالنسبة إلى طهران، كما لم يُؤخّر بايدن، البرنامج النووي بعد مرور عامين من حُكْمه وعدم عودته إلى الاتفاق رغم وعوده بذلك، وتالياً فإن التطورات الأميركية - الإسرائيلية لن تثني إيران عن الاستدارة نحو آسيا والابتعاد عن الغرب.

وفي رأي دوائر غير بعيدة عن طهران، لم يتبقّ للغرب - بعد كل المحاولات السابقة غير الناجحة - سوى ضرب النسيج الاجتماعي الإيراني، مستغلاً وفاة مهسا أميني، لتبدأ أعمال الشغب في سيستان - بلوشستان على الحدود الإيرانية - الباكستانية - الأفغانية.

كذلك اشتعلت منطقة خوزستان على الحدود مع البصرة - العراق، وأيضاً في الغرب الإيراني على الحدود مع كردستان العراق، حيث كان أكد مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، أن الأكراد في تلك المنطقة «مسلَّحون في شكل جيد ويتصدّون للقوات الأمنية الإيرانية».

و«كان التنسيق بين أعمال الشغب عالياً ومتقناً ومتناغماً، وبدا واضحاً أنه لا يتعلق باعتراضات على القانون أو الدستور أو المطالبة بإصلاحات»، وفق دوائر إيرانية مطلعة.

وفي تقدير هذه الدوائر، لن تتوقف المحاولاتُ لقلب النظام، بل ان المعنيين بضرب الداخل الإيراني «طوّروا خبراتهم وعملوا على مراكمتها لكثرة هذه المحاولات وفشلها».

وتالياً، فإن طهران تستعدّ للمستقبل بتحصين المجتمع وعدم الاعتماد على الغرب، بل الاكتفاء الذاتي والاقتصاد المُقاوِم وبناء علاقات مع روسيا والصين و«مجموعة شنغهاي» (تكتل يضم نصف سكان الأرض كالصين وكازاخستان وروسيا وقرغيزستان وطاجيكيستان واوزبكستان والهند وباكستان وإيران) و«دول البريكس» (التي تمثل 40 في المئة من مساحة الكرة الأرضية)، لأن المستقبل معها وليس بالضرورة مع أميركا وأوروبا.