هل يمكن للمهمش أن يتكلم؟
يُناقش هذا الموضوع عادة تحت عنوان «أبناء الكويتيات» ويتجه في المسار السياسي والمطالبات النسوية بالتجنيس وإعطاء مميزات المواطنة المالية، أما في المسار الحقوقي فيتجه نحو إعطائهم حقوقاً في التوريث والتوظيف والصحة ورعاية ذوي الإعاقة... ليقف لهم حراس الهوية الوطنية بالمتاريس والتهويل وأهمية أن يشعر نساء الوطن بالندم كونهن تزوجن من غير كويتيين لتعيش المواطنة الكويتية في مجتمع يتابع بنصف وعي وبنصف عين.
لدى الأم «الكويتية» ما يكفي من الهموم مع أبنائها.
فهي غالباً قضية أعمق من ذلك بكثير، فهم أفراد من لحم ودم بحمولتهم الثقافية والشعبية، وبقدر كونهم - بالإضافة للبدون المستحقين - كانوا أدوات فاعلة في السيرورة التاريخية للكويت، بمقدار ما كانوا ضحايا هذه السيرورة وشهودها الصامتين.
علينا أن نأخذ في الحسبان جميع الزوايا وربما أهمها الجوانب الاجتماعية والثقافية والتي تعطي معنى لصراعهم اليومي، فهم أشخاص غير مرئيين إلا إذا ارتكبوا جرائم خارقة، أو نالوا عقوبات قاسية، حينئذ فقط يُسلَّط عليهم الإعلام الضوء، وتلصق بهم النعوت القادحة.
إن - ابن الكويتية - الشخص الذي يحيا في ثقافتين يصبح ثنائي الثقافة، ثنائي الهوية، وقد يكون يحمل الولاء للثقافتين، أو يهرب من إحداهما للأخرى حسب السياق والظروف والوعي المزدوج، وقد يعاني من مشاكل نفسية عندما تكون الثقافتين في حالة تنافس وليس توائما - خصوصاً في الفترات العمرية المبكرة - وهو ما يشكل تحدياً وجودياً عندما تتقابل الثقافتين في نقطة التنافس... أمي كويتية وأبوي بدون، أمي كويتية وأبوي أوكراني، أمي كويتية وأبوي لبناني أو أردني أو مصري، أمي كويتية وأبوي من هناك... أيا كان هذا الهناك!
يعاني الأبناء نتيجة تنافس الثقافتين في المجال العام، مع وجود نفس عُنصري يعزز ذلك، وأثر كل هذا في المجالات الخاصة ومساحات الأمان الداخلية.
قد ينطبق هذا الكلام أيضاً على الذين آبائهم كويتيين وأمهاتهم من هناك، ومثال على ذلك انتحار «فراشة» كويتية، بسبب تنمر زميلاتها، عمرها 14 عاماً، لأن أمها آسيوية... ولكن يعاني أبناء الكويتيات تحديداً من ظاهرة التهميش أكثر من غيرهم.
تصبح حالة التكيف والاندماج وسلامة الأفراد النفسية وانسجامهم الاجتماعي أكثر تعقيداً في مجتمعات تستهلك أدوات العولمة دون أن تتبنى أحد أهم مفاهيمها الأصيلة مثل التعددية الثقافية، ولكنها أيضاً وفي الوقت نفسه لا تتبنى مفاهيم الدين وأخلاقياته في النظر إلى الآخر.
ولكي نتخلص من الثرثرة حول الفكرة، فنحن نهدف من خلال كتابة هذا المقال إلى تأسيس نقاش منظم وشامل لمواضيع حول «المهمش» يتكلم فيها بصوته، وليس عبر أبحاث نخبوية، أو تقارير اقتصادية، أو توصيات حقوقية من الأمم المتحدة... بل نقاش وطني قائم حول أهمية كل ما يتصل بكل ما هو كويتي، وكل ما هو كويتي يجب أن تُفرغ له مساحة يُعبر فيها عن ذاته وتجلياتها، فالوطن الجيد هو ذلك الذي يُعطي معنى لكل ما يتصل فيه، كما أن النص الجيد ذلك الذي يفرد مكاناً واسعاً لأصوات أخرى غير صوت الكاتب. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.
Moh1alatwan@