لم يحجب الدّمع في خطاب سمو نائب الأمير الشيخ مشعل الأحمد عند الدعاء لصاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد بالحفظ والرعاية والعافية، المضمون العميق للخطاب الاستثنائي المُؤسّس لوثيقة العهد الجديد، بل أضفى عليه لمسات الوفاء والولاء والمحبّة والطّيبة، وكرّس مفهوم القائد الحازم والقريب في الوقت نفسه من الناس وهمُومهم... وسموه كان واضحاً في هذا الانحياز بقوله: «وسوف نكون قريبين من الجميع نسمع ونرى ونُتابع كل ما يحدث».
في خطاب العهد الجديد قبل أشهر، وفي خطاب وثيقة العهد عند افتتاح مجلس الأمة، عنوان واحد، هو الشعب الكويتي وآماله وشُجونه وأحلامه وتطلّعاته. وتحت هذا العنوان تأتي مُحرّكات العمل من سلطات ومُؤسّسات وأجهزة وإدارة، ولذلك فمن يُتابع خطابات سمو الشيخ مشعل يرصد المكانة الكبيرة التي يوليها للكُويتيّين أولاً ثم يرفدها بالنصح والإرشاد لأعضاء السلطتين مُحدّداً طُرق المُتابعة والتعاون كي لا يضيع هدف العبور إلى مُستقبل أفضل للديرة وأهلها.
استلهم سمو الشيخ مشعل من تاريخ الكويت أسلوب القيادة، فالنوخذة يتّخذ القرارات بالتشاور مع فريق العمل من مسؤولين وبحارة، لكن السفن لا تصل إلى موانئ الأمان من دون تعاون الجميع، وقد كان سموه واضحاً في هذه النقطة حين أكد أن «الجميع شركاء في تحمّل المسؤولية وشركاء في عملية البناء والإصلاح شعباً وأسرة حكم كلّ من موقعه ومركزه وعمله».
من هذا المُنطلق، رسم نائب الأمير في خطابه حدود المسؤوليات للجميع، فطلب من الكويتيّين «مُتابعة ومُساءلة ومُحاسبة النواب في حالة التقصير في الأداء أو عند خروجهم قولاً أو عملاً عن مسار المسلك الديموقراطي السليم».
وطلب من النواب «الارتقاء بالمُمارسة الديموقراطية والبُعد عن إضاعة جلسات المجلس بمُهاترات ومُشاجرات (...) والتركيز على تعزيز الدور الرقابي للمجلس وعلى تفعيل دوره التشريعي بإصدار القوانين التي تُجسّد الوحدة الوطنيّة وتُحقّق رغبات المواطنين وتطلّعاتهم»، مُرفقاً طلبه بأمثلة منها ضرورة ترتيب أولويات للمرحلة القادمة «بحيث لا تكون ملفات المُتطاولين والمُخالفين والخارجين على القانون هي أهم أولوياتكم على حساب خُطط التنمية الشاملة للدولة فهذه الملفات مع الأسف الشديد تنطلق من قصر النظر وتهدف إلى تحقيق مصالح فئوية و طائفية ولا تعكس بالتالي تطلّعات وطُموحات المُواطنين المنشودة».
وطالب الحكومة بالحوكمة الرشيدة للتمكّن من المُحاسبة عند الإخلال أو التقصير، مُتعهّداً أن يكون شخصيّاً «أول من يُتابع ويُحاسب الحكومة عن تنفيذ برنامج عملها قبل أعضاء مجلس الأمة».
ومع رسم حدود المسؤوليات قبض سمو الشيخ مشعل على نقطة الوفاء للمُتقاعدين الذين خدموا الكويت مُطالباً بردّ الجميل لهم ثم انتقل إلى المُستقبل مُطالباً كلّ مُؤسّسات الدولة بالاهتمام بالشباب كي يكونوا شركاء في بناء كويت الغد... وبين الماضي والمستقبل نبّه سموه الجهاز الإعلامي في الكويت إلى أنه «يعتبر إعلاماً مِلكاً للشعب وليس إعلاماً خاصاً للحكومة» وعليه أن يواكب كلّ مشاريع التنمية ويُحدّد بشفافية مكامن الخلل.
وفي «وثيقة العهد» تحذير من التقلّبات الإقليمية والدولية والفتن الداخلية والخارجية والحاقدين والمُتربّصين والحاسدين «ونحن مُنشغلون مع الأسف الشديد بأتفه الأسباب والأمور والتي يمكن تجاوزها بحكمة العقلاء».
كُلّما أبحرنا في كلمات الخطاب، أدركنا كيف صيغت كل عبارة فيه بأحرف من حِكمة ومحبّة وحِرص ورؤية، وفي الوقت نفسه من قلق وخوف ودعوة إلى شراكة عامة تتحمّل مسؤولية العمل والإنجاز والانتقال إلى كويت أخرى تلحق بركب أشقائها وتستعيد الريادة والمكانة التي كانت عليها. كويت تبدأ بالإصلاح الداخلي من خلال التزام كلّ سلطة أو جهاز أو إدارة بالصلاحيات المرسومة لها، ومن خلال التزام الجميع هدفاً أسمى وأرقى من كلّ المُمارسات والمُناكفات اسمه «التنمية» وهو الممرّ الإلزامي والوحيد لحشد الطاقات للتطوّر والتقدّم.
وكُلّما أبحرنا في كلمات الخطاب، وجدنا الوضوح بكل تجلّياته. فما من بلد «تعدّدت فيه الاختلافات وكثرت فيه الصراعات وقادته الأهواء والشهوات وخانت فيه الانتماءات والولاءات إلّا وتمزّق شمله وتقاتل أهله وانفرط عقده وتبعثر أمنه وضاع استقراره»، وما من بلد سادته قيم التعاضد والتعاون والتكاتف وهي قيم أهل الكويت و«ضمانات البقاء والوجود» إلّا وبشّر ذلك «بغدٍ مُشرق لوطننا العزيز» تعلو فيه مصالح الوطن والمُواطنين على المصالح الشخصيّة... وبين مُقاربات الفوارق بين الخلاف والتعاون، تأكيد على مُحاسبة المُهمل والمُقصّر وشُكرٌ للمُحسن والمُجتهد والمِعطاء.
وكُلّما أبحرنا في كلمات الخطاب اكتشفنا أنها ليست مُجرّد كلمات. هي حدود جديدة لمُستقبل وطن نريده بيتاً مُستقرّاً لأبنائنا وأحفادنا. قلتم يا سمو نائب الأمير قبل دمع الختام إن الحفاظ على الوطن أمانة وأن الكويت هي البقاء والوجود وإنّ أعمارنا إنّما هي في أعمالنا.
أطال الله في عمركم وعمر صاحب السمو الأمير، وأرانا صالح الأعمال منكم ومن جميع المعنيّين... ونتمنّى أن تكون الرسالة وصلت هذه المرّة لأن الأمر يتعلّق فعلاً ببقاء الكويت ووجودها.