بقيت صِفةُ «العَجلة القصوى» طاغيةً أمس على الفصل التنفيذي من «الاتفاق ذات الصلة بإقامة حدود بحرية دائمة» بين لبنان وإسرائيل اللذين جاهرا بموافقةٍ أوليةٍ عليه، حَسَمَ «العرّاب الأميركي» طابَعها «النهائي»، بانتظار إكمال الآليات السياسية والدستورية داخل كل منهما للإعلان الرسمي عن السير بـ«الحل الدائم والعادل للنزاع البحري القائم بينهما».

وتسارعتْ الخطى في تل أبيب لإنجاز الترتيبات داخل الحكومة والكنيست لمنْح الموافقة «المكتملة المواصفات» الدستورية والقانونية، فيما سرت معلوماتٌ في بيروت عن أن الرئيس ميشال عون سيتولى اليوم توجيه رسالة إلى اللبنانيين تثبّت الـ «نعم» رسمياً، وذلك تمهيداً لـ «احتفالية الناقورة» حيث يوقّع الطرفان بحضور الوسيط الأميركي ورعاية الأمم المتحدة نسختين منفصلتين من الاتفاق يتم إيداعهما في المنظمة الدولية بعد أن تتلقى واشنطن أيضاً إخطاراً بهما، ليبدأ سريانُ مفاعيل «اختراق تاريخي» بالديبلوماسية، الناعمة تارةً والخشنة طوراً، على جبهةِ صراعٍ نائم منذ 2006 على البرّ ويشكل «حزب الله» طرفَه الآخر، ويتم التعاطي مع «مفتاح» الترسيم البحري بظروفه ومسرحه السياسي المتعدّد الساحة وتوقيته والملابسات الخفية لإدارته، على أنه قد يكون مدخلاً لقفْله... لمرة أخيرة.

وطغت الأبعاد العميقة لهذا الاتفاق الذي وصل البعض إلى اعتبار أنه بمثابة «جدار بحري» يسقط في المنطقة، على مناكفات أو زكزكات في الداخل اللبناني حول «الأبوّة لمَن» في إنجاز الترسيم الذي وصفه عون بأنه «هدية للشعب اللبناني بكل فئاته»، كما على الرمزية التي سيشّكلها اختيار رئيس الجمهورية، بحال صحّ ذلك، ذكرى 13 أكتوبر ليزفّ الموافقة الرسمية على الاتفاق، ما سيسرق الأضواء من جلسة الانتخاب الرئاسية التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري اليوم وأدار معها «الأذن الصماء» لرفض كتلة رئيس الجمهورية تزامُنها مع الذكرى 32 للإطاحة بعون من قصر بعبدا (بعملية عسكرية) فاختارت مقاطعتها، ليبقى مصير الجلسة معلَّقاً بين توافر نصابها ولكن من دون أن يكون هناك «نصيب» لاختيار رئيس جديد أو عدم التئامها من أساسها.

ولعلّ أبرز مَن عبّر عن «المكامن» العابرة للأبعاد الاقتصادية وحتى الأمنية لاتفاق الترسيم، كان واشنطن التي انخرطتْ «من رأسها» حتى سفيرتها في لبنان مروراً بوزير خارجيتها في إغراق بيروت وتل أبيب بتهنئةٍ، حملتْ بين سطورها طابع «الإلزام الديبلوماسي» بالموافقات الكلامية المعلَنة من الجانبين، ووضعت «الاتفاقية التاريخية لإنشاء حدود بحرية دائمة بينهما» في سياقاتٍ سياسية وإن بصياغة «مشفّرة»، تتصل بمجمل وضع المنطقة ووضعية إسرائيل فيها.

فالرئيس الأميركي جو بايدن الذي كان اتصل أول من أمس، بكل من عون ورئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أعلن في معرض ترحيبه بـ «التطوّر التاريخي في الشرق الأوسط، حيث توصّلت حكومتا إسرائيل ولبنان إلى اتفاق لإنهاء نزاعهما على الحدود البحرية رسمياً وترسيم الحدود البحرية الدائمة بينهما»، أن الاتفاق «يحمي المصالح الأمنية والاقتصادية لإسرائيل ذات الأهمية الحاسمة لتعزيز تَكامُلها الإقليمي، ويوفّر مساحة للبنان ليبدأ استغلاله لموارد الطاقة، وبالإضافة لذلك فإنه يعزّز مصالح الولايات المتحدة والشعب الأميركي في منطقة الشرق الأوسط حيث تكون المنطقة أكثر استقراراً وازدهاراً وتكاملاً، مع تقليل أخطار نشوب صراعات جديدة».

كما اعتبر بايدن أنه «ينبغي للطاقة - ولا سيما في شرق البحر الأبيض المتوسط - أن تكون أداة للتعاون والاستقرار وتحقيق الأمن والازدهار، بدل أن تكون سبباً للصراع»، لافتاً إلى «أن الاتفاقية التي أعلنتها الحكومتان ستقوم بتطوير مجالات الطاقة لصالح البلدين، وتمهّد الطريق لمنطقة أكثر استقراراً وازدهاراً، وتسخّر موارد الطاقة الحيوية الجديدة للعالم»، ومشيراً إلى أن الاتفاق سيتيح «إعادة واستعادة الاستثمارات الأجنبية والخارجية» في لبنان.

وفي الإطار نفسه، رأى وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، أمس، أن «هذا الإنجاز يَعِد ببداية حقبة جديدة من الازدهار والاستقرار في الشرق الأوسط وسيوفر الطاقة الأساسية لشعوب المنطقة والعالم، كما يوضح قوة التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات المشتركة في الشرق الأوسط وخارجه ويبرز القوة التحويلية للديبلوماسية الأميركية».

وقال: «يحمي هذا الاتفاق المصالح الاقتصادية والأمنية لكل من إسرائيل ولبنان ويكتب فصلاً جديداً لسكان المنطقة. ومن الأهمية بمكان أن يقوم الطرفان بوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية بسرعة والوفاء بالتزاماتهما للعمل نحو تنفيذ الاتفاق لما فيه مصلحة للمنطقة والعالم».

وفي موازاة تأييد الاتحاد الأوروبي وألمانيا للاتفاق، لم يقلّ دلالةً ترحيب دولة الإمارات به وإعرابها عبر وزارة خارجيتها عن «الأمل في أن تساهم هذه الخطوة بين لبنان وإسرائيل في تعزيز استقرار المنطقة»، مؤكدة أنه «خطوة إيجابية وعملية لدفع مسارات الازدهار والتنمية، وتحقيق المصالح الاقتصادية لكلا البلدين»، ومشددة على «أهمية تعاون البلدين لما من شأنه تعزيز المصالح الاقتصادية وتوطيد السلم والأمن الإقليميين».

وكانت مصادر إسرائيلية تتحدث عن ضمانات تلقتها من واشنطن باعتبار «خط الطفافات» بمثابة «خط دفاع إسرائيلي»، وبـ«حماية الحقوق الاقتصادية لإسرائيل في حقل صيدا وكذلك منع عائدات الحقل من الوصول إلى حزب الله وفق العقوبات الأميركية».

وعلى وقع «التنقيب» السياسي عن معاني هذا الاتفاق الذي بدا معه لبنان، وفق بعض الأوساط، وكأنه في «الحضن الأميركي» في هذا الملف الذي تقاطعت مجموعة عوامل دولية - إقليمية - لبنانية لإنضاجه وإرسائه على ما انتهى إليه، فإن إشارةً أخرى لا تقل دلالة برزت من خلف إيعاز لبنان الرسمي إلى بعثته لدى الأمم المتحدة التصويت ضد القرار الروسي بضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة، وسط توقف دوائر سياسية عند إطلالة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله أول من أمس، التي أعدّ فيها جمهوره لـ «عرس فرح وطني» احتفالاً بالترسيم الذي لم يجد فارقاً بين تسميته «اتفاقاً أو تفاهماً، فالمهم المولود، وبعد أن يحصل التوقيع نستطيع أن نقول هناك اتفاق حصل أو تفاهم حصل، ويجب أن نبقى «محطاطين» إلى أن يشاهد اللبنانيون على التلفاز أن الوفود ذهبت إلى الناقورة وانتهى الأمر».

وذكّر بأنه «بالنسبة لنا كمقاومة، منذ البداية قلنا نحن نقف إلى جانب وخلف الدولة اللبنانية في موضوع المطالب اللبنانية، وما يهمنا استخراج النفط والغاز من الحقول اللبنانية، وبالنسبة إلينا عندما يقول المسؤولون اللبنانيون وعندما يعلن فخامة الرئيس الموقف الرسمي اللبناني الموافق والمؤيد لهذا الاتفاق ولهذا التفاهم، بالنسبة للمقاومة تكون الأمور قد أنجزت».

وإذ شدد على «أن ليس لدينا علاقة بكل الخطوط لا 23 ولا 29»، توجّه «للذين سيفرحون بعد الإعلان الرسمي أننا انتهينا والأمور ستذهب إلى التنفيذ وهم الأعم الأغلب من الشعب اللبناني»، بأن «عليهم أن يقاربوا الإنجاز أو الانتصار بروح موضوعية ووطنية، يعني لا أحد منفرداً سبب وحيد للإنجاز، بل هناك مجموعة أسباب تشكلت لتكون سبباً حقيقيا يؤدي إلى هذا الإنجاز التاريخي الكبير إن تحقق».

وختم «الليلة لن نهدد ولن نتوعد ولا شيء، الليلة رايقين، الليلة فرح وتصفيق فقط، وأنا كنت حريص في كل كلمة أقولها هذه الليلة أن لا أقول أي شيء يمكن أن يستفيد منه العدو، لأنه مثل ما بدأنا نريد أن نختم، نريد أن نأكل العنب، القصة ليست الآن قصة استعراض عضلات ولا أن السيد يعلي السقف أو يعلي الدوز ولا شيء، ها نحن «رايقين إن شاء الله، نربح نحن وإياكم».

أبرز ما ورد في المسودة النهائية لاتفاق الترسيم:

في القسم الأول:

- يتّفق الطرفان على إنشاء خط حدودي بحري (خط الحدود البحرية). ويشتمل ترسيم خط الحدود البحرية على النقاط التالية الموضَّحة في الإحداثيّات الواردة أدناه. وتتّصل هذه النقاط ببعضها البعض، وفقًا لبيانات النظام الجيوديسي العالمي WGS84، بواسطة خطوط جيوديسيّة:

خط العرض خط الطول

33°06’34.15