رغم سُلطة ستالين العظيمة، ورغم نفوذه واتساع مؤيديه، ورغم منصبه وجبروته، ورغم مسيرته المملوءة بالجثث والدماء، إلا أن أول سلاح رُفع في وجه ستالين هو (القلم).
لم يستطع الصحافي الكاتب البريطاني جورج أورويل أن (يعش) جباناً وفي يده (قلم)، فكتب روايته العظيمة (مزرعة الحيوان) التي نشرت في إنكلترا يوم 17 أغسطس 1945، وتلك الرواية لم تكن إلا رواية رمزية كان أبطالها حقيقيون، وهُم: ستالين ورفيقه ليون تروتسكي الذي تخلص منه والحزب الشيوعي وآخرون. وكان مسرح أحداث الرواية هي الثورة الشيوعية والاتحاد السوفياتي الذي عانت شعوبه الويلات والاستبداد والطغيان.
وعلى ذِكر ستالين، فهو أحد طغاة العصر، اسمه يوسف فيساريونوفيتش ستالين (جورجي الجنسية)، كان القائد الثاني للاتحاد السوفياتي، وتولى منصب رئيس مجلس الدولة السوفياتية من عام 1941 حتى وفاته عام 1953. ولقد تسبب ستالين في مقتل أكثر من 20 مليون إنسان من شعوب الاتحاد السوفياتي، بسبب المجاعة التي حدثت بها لسوء إدارته للدولة، ولتساهله في إراقة الدماء في عمليات الإعدام المباشرة، ولسياساته الهوجاء وقراراته الظالمة وتصرفاته الحزبية والشعبية المملوءة بالطغيان والاستبداد، حتى أنه أعدم 1108 سياسيين بسبب معارضتهم له وحتى يبقى على كرسي الحكم.
ولعل أهم أسباب تسمية الرواية (مزرعة الحيوان) هي الرمزية التي تعكس الاستهتار بالدماء والفوضى الحياتية وشريعة اللا قانون، واختلاط المهام والأدوار التي كانت تعم أركان الدولة في الاتحاد السوفياتي آنذاك.
أرى أن رواية مزرعة الحيوان يتلخص جوهرها الفكري في ذلك الشعار الذي ابتكره مؤلف الرواية أورويل في (شعار ثورة المزرعة) الذي كان يتكوّن من عنصرين فقط، هما الحافر والقرن! وفيه إسقاط وإشارة إلى شعار المطرقة والمنجل الذي هو رمز شيوعي تم ابتكاره أثناء الثورة الروسية. وترمز المطرقة للعمال الصناعيين والمنجل للفلاحين، وتحالفهما مع بعضهما.
وللمعلومة... كانت رواية (مزرعة الحيون) ممنوعة من النشر والتداول في الكثير من دول العالم، من أهمها: أميركا وبريطانيا والصين... وغيرها، ولا تزال هذه الرواية ممنوعة في بعض دول العالم ومنها دول عربية!
وُلد (إريك آرثر بلير) صاحب الاسم المستعار (جورج أورويل) في 25 يونيو عام 1903، في البنغال الهندية، لأب بريطاني بسيط كان منتدباً يعمل في الهند، وأُمه فرنسية الجنسية. وتزوج جورج أورويل من الكاتبة والشاعرة البريطانية إيلين بلير في 9 يونيو عام 1936، وبقيا معاً حتى وفاتها في 29 مارس 1945.
جورج أورويل من الكُتاب الذين اهتممت بدراسة أسلوبهم الأدبي واستخلاص أهم قواعده الكِتابية التي يستخدمها، فتعلمت من أورويل كتابة العبارات بشكل مباشر، وألّا أكتب الجمل أو الفقرات الطويلة، واستخدام الرموز في مواجهة الخطر الشديد، وأن أبتعد عن الكلمات العلمية أو التخصصية واستبدالها بالكلمات اليومية المُشاعة.
بالمناسبة (لماذا أكتب) كتاب مهم لجورج أورويل، يتطرق فيه لعلاقته مع الكتابة وماذا يجب على الكاتب وعن أسلوب الكتابة المثالي وعن تجربته الشخصية مع العديد من نواحي الحياة، والكتاب ممتع جداً، وهو من الكتب التي تبقى في رف الذاكرة.
ولأورويل أفكار جميلة صاغها بكلمات مباشرة:
«جوهر الإنسان هو أن المرء لا يسعى إلى الكمال».
«السياسيون في العالم كالقرود في الغابة، إذا تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول».
«الصحافة أن تنشر ما لا يريده أحدهم أن يُنشر. أي شيء غير ذلك هو علاقات عامة».
«إن الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين والناهبين والخونة، لا يعتبر ضحية، بل يعتبر حتماً شريكاً في الجريمة».
ولجورج أورويل روايات جميلة عدة، لكن أكثرها شهرة بعد رواية مزرعة الحيوان هي رواية (1984)، وهي سياسية اجتماعية، ومحورها الحرية والقمع والاستبداد، تشبه في خطوطها العامة روايته مزرعة الحيوان.
غادر أورويل الحياة بسبب مرض السُل في 21 يناير عام 1950، في مستشفى لندن، ودُفن في أكسفوردشير (شمال غربي لندن)، عن 46 عاماً.
في نهاية المقال... لقد استطاع القلم أن يحقق في الذاكرة التي تحوي حقبة ستالين والاتحاد السوفياتي والثورة الشيوعية ما لم يستطع تحقيقه الصاروخ والمدفع والطائرة والدبابة، شكراً جورج أورويل.