لا شكّ بأن درب الإصلاح طويل، وقطار الإصلاح قد انطلق خصوصاً بعد الخطاب الأخير لصاحب السمو أمير البلاد، وعمّت موجة من الأمل لصالح السلطة وقراراتها الأخيرة بعد الخطاب، حيث وضع جزء من اللوم على الحكومة وعجزها عن تنفيذ الخطط التنموية والتطلعات الشعبية، وهذه بادرة طيّبة ودليل حُسن نوايا.
الخطاب الأميري وضع المجاهر على أصل المشاكل التي عانى منها البلد وما زال يعاني من سنين طويلة، لدرجة أننا تأخرنا كثيراً عن أقراننا، ولمسنا من الخطاب جدية السير في طريق الإصلاح... وما جاء من بعده من قرارات اتسمت بالإصلاحية لدرجة أن الناس شعرت بالتفاؤل.
الإصلاح السياسي ضرورة ومطلب وهو ليس بالصعب ولكن يحتاج إلى إرادة صادقة وأظن أنها موجودة الآن، خصوصاً في ظل الوفرة المالية الموجودة، لا سيما أن هناك شبه اتفاق بأن ثمة فساداً مالياً وسياسياً وإدارياً موجوداً وباعتراف الجميع، وهناك جهات رسمية حكومية تؤكد هذا الأمر، ولعل تقارير ديوان المحاسبة عن الجهات الحكومية خير دليل على ذلك.
جاء الدور الآن على الناخب بحُسن الاختيار على أساس الكفاءة والمهنية بعيداً عن الحزبية والطائفية، حتى تصل العناصر الوطنية لكرسي البرلمان، والدور الآن على الكتل السياسية بتوعية الناخبين وتكرار هذا الأمر حتى يرتفع الوعي لديهم، وبالتالي سيؤثر على نتائج الانتحابات.
ومدخل الإصلاح الحقيقي هو في منصب رئيس الوزراء، بسبب أن رئيس الوزراء حسب الدستور يمتلك الكثير من خيوط الإدارة التنفيذية للدولة، حيث يقوم بتعيين الوزراء وقياديي المؤسسات، ومجلس الوزراء يملك الكثير من الصلاحيات التنفيذية التي من خلالها يستطيع تغيير الإدارة العامة خصوصاً مع غالبية برلمانية مريحة، وما لمسناه خلال الأيام الماضية من قرارات خير دليل.
والكويت تمتلك كفاءات شبابية مبدعة قادرة على تولي المناصب القيادية، وشاهدنا ذلك من خلال إدارة الكثير من المؤسسات في القطاع الخاص، خصوصاً أن الشباب لديهم حيوية وفكر ويجيدون قراءة متطلبات الحاضر والمستقبل، والأهم أن تكون هناك مسطرة واضحة في الاختيار والتفاضل بينهم بعيداً عن توزيع المناصب على حسب الولاء.
ولنكن صُرحاء والقول في السابق وقبل القرارات الإصلاحية الأخيرة من منع النواب زيارة مكاتب الوزراء... حيث من كان لديه نائب أو مسؤول فهو أقرب إلى المنصب من صاحب الكفاءة المجد والمجتهد الذي ليس لديه واسطة، والمناصب تمثّل هِبَات وترضيات ورد جميل، وهذا خطأ ولكن الخطأ الأكبر هو أن من يتم تعيينه بالباراشوت أصبح يفتخر بهذا الأمر، ويتباهى به أمام أصحاب الديوانية، وهل من المعقول ألا تجد في أي مؤسسة حكومية مسؤولين أكثر من أصابع اليد الواحدة وضع على أساس كفاءة ومواطنة؟
نحتاج إلى إعادة هيكلة بعض المؤسسات والهيئات ودمجها من أجل التطوير للأفضل، لأن العديد من هذه الهيئات كلّف الدولة الكثير من الأموال بسبب التقصير والإهمال، واتباع معايير واضحة في التعيينات فيها تكافؤ للفرص يحل الكثير من هذه المشاكل.
الوقت ليس في صالحنا، وخلال الخمس سنوات المقبلة، وعلى حسب أعداد الخريجين فنحن بحاجة إلى 100 ألف وظيفة جديدة خصوصاً أن أكثر من 90 ٪ من الشباب يفضل العمل الحكومي عن القطاع الخاص، وهناك 22 ألف خريج سنوياً يطلبون الوظيفة. وهذه تمثل مشكلة واحدة فقط تحتاج إلى حل جذري، فماذا عن مشاكل التعليم والسكن والصحة والتي تحتاج هي بدورها إلى حلول جذرية.