في الكويت هناك رأي عام بالتفاؤل في المرحلة المقبلة، بل إن البعض اعتبرها مرحلة يُصنع فيها تاريخٌ جديد للكويت، وان من يقودها سيُكتب اسمه كأحد القادة المميزين بتاريخ الكويت، وهذا بالطبع فأل حسن نتمنى أن «يوافق شن طبقة».
إن الذي يُقلق في هذه المرحلة هو أن الفساد في الكويت تم تقنينه حتى أصبح للأسف جزءاً من الموروث الشعبي الكويتي، إننا نسمع أمثلة تعكس ذلك الموروث سيئ الذكر، فمن قولنا (من صاده عشى عياله) إلى (إنْ حبتك عيني ما ضامك الدهر)، (خلك على طمام المرحوم)، (امسك مجنونك لأجيك أجن منه)، (حلال عمك لا يهمك)، (حشر مع الناس عيد)، (شيلني وأشيلك)، وغيرها من الأمثلة التي تعكس ثقافة للأسف استوطنت فكر الكثيرين ممن تدور بينهم السلطة حتى أصبح هناك معتقد لدى من يتولى مسؤولية كبيرة أن هذه المسؤولية هي مجرد فرصة لا تتكرر من أجل أن ينتقل من طبقة إلى طبقة، وأنه إذا لم يستفد منها فإنه سيظل نادماً بقية حياته، بل إن الكثيرين ممن حوله سيخبرونه أن هذه السُلطة لن تدوم، وإنك، أيها المسؤول، ستعود لموقعك القديم، والخيار لك إما أن تَغنم وإما أن تندم.
هذه الثقافة السلبية هي أكبر تحدٍ ضد الإصلاح؛ ولكي يتم حلها لابد من أن نستفيد من تجارب الآخرين في دول القانون الصارم، تلك التجارب التي نَشرت مفهوم القيادة؛ وسعت إلى توعية الناس بحرمة المال العام، وأيضاً وضعت القيود على متولي السُلطة حتى أنه لا يستطيع أن يستفيد من أي مَغنم حتى بعد عقود طويلة من تركه مسؤوليته.
إن مثلث حُسن الاختيار للمرحلة المقبلة يشمل التأكد من القوة والأمانة لمن يتم اختيارهم؛ واستمرار المتابعة لأعمالهم؛ والترصد بعد خروجهم من السلطة، هذا المثلث هو الذي يضمن أن يهتم القادة بعملهم والانشغال بالإصلاح بدل الانشغال بالتمسك بالسلطة والبقاء فوق الكرسي، وبدل التركيز على المنافع الشخصية واعتبار موقعه مجرد فرصة يجب ألّا تضيع من بين يديه.
كم وزير في الكويت ونائب اختاره الشعب دخل منصبه وهو مواطن يعيش على معاشه وخرج وهو يملك الملايين؟ الملايين التي أطلت بأعناقها أمام الناس بعد فترة من مغادرته المنصب، إنهم كثيرون والشعب يعرفهم بالاسم بل وأصبحوا أمثلة لكل من يتولى السلطة، وأصبحت المقارنة بينهم وبين أمثالهم ممن خرجوا بثوب نظيف، هذه المقارنة، تصب في صالح الفاسدين، ما جعل بعض الذين خرجوا بثوب نظيف يتمنى العودة للمنصب ليعوض ما فاته مما رآه من سوء تقدير؛ وما سمعه من لوم من أقرب الناس إليه حين لا يلبي حاجياتهم لضيق ذات اليد.
هذا هو التحدي الحقيقي للمرحلة المقبلة وهو تحدٍ كبير وصعب ولن ننجح بالقفز فوق المرحلة السابقة دون تغيير تلك الثقافة والتشدد في حرمة المال العام، هل نستطيع في هذه المرحلة الجديدة أن نستبدل ثقافة المال السائب بثقافة حرمة المال العام؟ وهل نستطيع أن نختار قادة من خارج الصندوق القديم؟ ذلك الصندوق الذي تم تخزين ثقافة التساهل والتغافل لأموال الدولة داخله.
لابد أن نعترف أن هذا الصندوق بما فيه من مصطلحات هو مرض مزمن يصعب علاجه، وأفضل الحلول هي بتغيير الصندوق والاعتماد على شباب لم يعتادوا تلك الثقافة القبيحة.
مرحلة جديدة تحتاج إلى فكر جديد، وإلا سنجد أنفسنا مرة أخرى على طمام المرحوم.