أعلنت أوكرانيا، أمس، أن القوّات الروسية التي عبرت نهر دنيبر في مدينة خيرسون التي احتلها الروس في الجنوب، قد تبقى عالقة في المنطقة بعد قصف كلّ جسورها، بينما تبادلت موسكو وكييف مجدداً الاتهامات بقصف محطة زابوريجيا النووية.

وقال النائب في البرلمان المحلي سيرغي خلان للتلفزيون الأوكراني «الوسيلة الوحيدة لعبور النهر بالنسبة للمحتلّين هي استخدام الألواح العائمة بالقرب من جسر أنتونيفسكي، لكنها لن تلبّي حاجاتهم بالكامل».

وكشف أن «روسيا تنقل مراكز القيادة من الضفّة اليمنى للنهر إلى الضفة اليسرى لأنها تدرك أنه قد يتعذّر عليها إخلاء الموقع في الوقت اللازم في حال تصعيد».

وقدّر عدد الجنود المتواجدين على الضفّة اليمنى من النهر بنحو 20 ألفاً، مشيراً إلى أنه مازال يمكنهم «عبور الجسور المتضرّرة مشياً على الأقدام».

في بداية الحرب على أوكرانيا، استولت القوّات الروسية على مدينة خيرسون الواقعة على ضفاف نهر دنيبر، وهي العاصمة الإقليمية الوحيدة التي يضعها الروس تحت قبضتهم راهنا.

وتقدّم الجنود الروس بضع عشرات الكيلومترات غربا، لكن الجسور الثلاثة (اثنان منها على طريق والثالث على سكة حديد) التي تعبر النهر في المنطقة التي استولوا عليها تعرّضت للقصف مرّات عدّة في الأسابيع الأخيرة.

وأكبر هذه الجسور هو جسر أنتونيفسكي في منطقة خيرسون وقد طالته الصواريخ منذ أواخر يوليو. أما الجسر الثاني، فهو نوفا كاخوفكا، على بعد خمسين كيلومتراً إلى الشمال الشرقي وقد تعرّض للقصف مرّات عدّة الأسبوع الماضي.

وكان سيرغي خلان صرح مساء السبت بأن «قوّاتنا المسلّحة قامت أمس (الجمعة) بقصف الجسر بالقرب من نوفا كاخوفكا. ولم يعد في مقدور الروس نقل العتاد والسلاح وحتّى الغذاء لفرقهم».

وأفادت وزارة الدفاع البريطانية السبت في إحاطتها اليومية، بأن «الجسرين الرئيسيين المؤديين إلى المنطقة التي تحتلّها روسيا على الضفّة الغربية لدنيبر باتا على الأرجح خارج الخدمة».

وذكرت الوزارة، أمس، أن أولوية روسيا خلال الأسبوع الماضي، كانت على الأرجح، إعادة توجيه الوحدات لتعزيز عملياتها في الجنوب.

تبادل اتهامات

من ناحية ثانية، ذكرت مجموعة «انيرغو-اتوم» الأوكرانية المشغّلة لمحطة زابوريجيا على «تلغرام»، «قلصوا من تواجدكم في شوارع انيرغودار. تلقينا معلومات تتحدث عن استفزازات جديدة من قبل المحتل» الروسي.

ونقلت المجموعة بذلك رسالة مسؤول محلي في هذه المدينة التي تقع فيها المحطة، بقي موالياً لكييف.

وأضافت المجموعة «حسب شهادة السكان، تجدد القصف باتجاه محطة زابوريجيا النووية»، مشيرة إلى أن «الفاصل الزمني بين اطلاق الضربات ووصولها هو بين ثلاث وخمس ثوانٍ».

وفي نهاية نهار السبت، أكدت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية أن «المحتلين (الروس) يقصفون محطة الطاقة النووية (...) من قرية فودياني الواقعة في الجوار المباشر على الضفة اليمنى لنهر دنيبر» الذي يفصل المناطق الواقعة تحت سيطرة روسيا عن تلك التي تسيطر عليها السلطات الأوكرانية.

وأدت ضربة إلى إلحاق أضرار بوحدة ضخ وأخرى إلى «تدمير جزئي لإدارة الإطفاء المسؤولة عن أمن محطة الطاقة النووية»، بحسب بيان للاستخبارات العسكرية اتهم القوات الروسية بـ «التحضير لاستفزازات تحت العلم الأوكراني».

من جانبها، اتهمت السلطات التي شكلتها روسيا في المناطق التي سيطرت عليها في منطقة زابوريجيا، القوات الأوكرانية بالوقوف وراء الضربات.

«ابتزاز» نووي

ودان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطابه اليومي «الابتزاز الروسي» حول الموقع النووي.

وقال إن «المحتلين يحاولون ترهيب الناس باستهتار عبر استخدام محطة الطاقة النووية زابوريجيا»، مؤكداً أن القوات الروسية «تختبئ خلف المصنع لقصف بلدتي نيكوبول ومارغانيتس اللتين تسيطر عليهما أوكرانيا».

وحذر من أن «كل يوم تمضيه الوحدة الروسية على أراضي مفاعل زابوريجيا للطاقة النووية والمناطق المجاورة يزيد من التهديد النووي لأوروبا»، داعياً إلى فرض «عقوبات جديدة ضد روسيا» من أجل «عرقلة الصناعة النووية الروسية».

من جهته، قال فلاديمير روغوف، العضو في الإدارة العسكرية والمدنية الموالية لروسيا، على «تلغرام»، «تتعرض انيرغودار ومحطة زابوريجيا النووية مرة أخرى للقصف من قبل مسلحي زيلينسكي».

وأوضح أن القذائف سقطت «في مناطق تقع بين ضفاف نهر دنيبر والمحطة».

وتتعرض محطة زابوريجيا منذ أسبوع لقصف يتبادل الطرفان الاتهامات بالوقوف خلفه، ما أثار مخاوف من وقوع كارثة نووية واستدعى عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي الخميس.

وفي الخامس من أغسطس، اصابت الضربات خط توتر عالٍ، ما تسبب في إغلاق المفاعل رقم 3 لأكبر محطة طاقة نووية في أوروبا وبدء تشغيل مولدات الطوارئ.

وألحقت الضربات الأخيرة الخميس، أضراراً بمحطة ضخ وأجهزة استشعار لقياس النشاط الإشعاعي.

وطالبت كييف، مدعومة من حلفائها الغربيين، بإقامة منطقة منزوعة السلاح حول زابوريجيا وبانسحاب القوات الروسية التي تحتل الموقع منذ مارس الماضي.

قصف زابوريجيا يحيي المخاوف من «تشيرنوبيل 2»

فيسشيتاراسيفكا (أوكرانيا) - أ ف ب - تمسك أناستاسيا رودينكو بميدالية ذهبية نالها زوجها تكريما لعمله في منطقة كارثة تشيرنوبيل النووية.

وتوفي عام 2014 جرّاء إصابته بسرطان المثانة، ربما بسبب تعرّضه للإشعاعات، بحسب اعتقادها. واليوم، تستذكره بحزن في قرية فيسشيتاراسيفكا الأوكرانية التي يفصلها نهر عن محطة زابوريجيا للطاقة الذرية.

وتتبادل كييف وموسكو الاتهامات بقصف محيط المنشأة إذ ضربت صواريخ منطقة لتخزين النفايات المشعة بينما يحذّر مراقبون من أزمة «خطيرة» قد تفضي إلى كارثة.

وعلى الضفة الأخرى لنهر دنيبرو، يمكن رؤية المحطة بوضوح من القرية حيث تمسك رودينكو (63 عاما) بوثائق تثبت دور زوجها في مواجهة أكبر كارثة نووية في التاريخ.

وقالت لـ «فرانس برس»، «قد يواجهنا المصير نفسه الذي انتهى إليه أهالي تشيرنوبيل».

وأضافت «لن تأتي الأحداث الجارية اليوم بأي أمر جيّد ولا نعرف كيف ستنتهي».

«المنطقة المحظورة»

تركت كارثة تشيرنوبيل النووية أثارا عميقة في أذهان الأوكرانيين ما زالت ماثلة حتى اليوم. وقعت الحادثة عام 1986 عندما انفجر مفاعل من الحقبة السوفياتية وتسبب بتسرب إشعاعي في الشمال.

وسيطرت روسيا على الموقع عندما أطلقت غزوها واسع النطاق لأوكرانيا أواخر فبراير، ما أثار مخاوف على سلامة المنشأة. لكنها تخلّت عنها في غضون أسابيع بعدما فشلت في انتزاع كييف.

أما محطة زابوريجيا للطاقة النووية الواقعة في جنوب أوكرانيا، فسقطت في أيدي الروس منذ الأيام الأولى للحرب وبقيت في قبضة قوات موسكو مذاك.

وتفيد أوكرانيا بأن القوات المعادية تشن هجمات من المنشأة التي تعد الأكبر في أوروبا وبأن جيشها لا يمكنه الرد.

ويعيد التصعيد الحالي فصولا من ماض مظلم إلى أذهان أولئك الذين عايشوا تشيرنوبيل وتداعياتها.

وعمل فيكتور، زوج أناستاسيا، كواحد من 600 ألف شخص أوكلوا مهمة «التنظيف» أي القضاء على التلوث في «منطقة تشيرنوبيل المحظورة» حيث تم إجلاء المدنيين بسبب مستويات الإشعاع المرتفعة.

وبينما بقيت الحصيلة الرسمية للقتلى جراء حادثة تشيرنوبيل عند 31 شخصا، إلا أن جهات عديدة تشكك في هذا الرقم إذ تفيد بعض التقديرات بأن آلاف الأشخاص الذين عملوا على تطهير المنطقة تعرّضوا إلى نسب إشعاع مميتة.

قاد فيكتور شاحنة في المنطقة مدة 18 يوما بالمجمل. وفي الميدالية الذهبية التي قدّمها له «اتحاد تشيرنوبيل الأوكراني» تدور ذرات حول «جرس تشيرنوبيل» الذي بات رمزا يذكّر بالحادثة.

وتشهد وثيقة محفوظة في أرشيف وزارة الدفاع الأوكرانية على عمل فيكتور وجرعة الإشعاعات التي امتصها جسده والبالغ قدرها 24،80 رونتغن.

«كنت هناك»

يفيد فاسيل دافيدوف بوجود ثلاثة «عمال تنظيف» ما زالوا يقطنون قرية فيسشيتاراسيفكا، وهي منطقة ريفية تضم منازل تحيط بها حدائق ويمكن منها رؤية مفاعلات محطة زابوريجيا الستة وبرجي التبريد.

ودافيدوف واحد منهم. قضى ثلاثة شهور ونصف شهر يعمل على تعقيم تشيرنوبيل بينما أجرى 102 زيارة إلى المنطقة حيث كان يشغّل جهازا لقياس مستويات الإشعاع ويهدم المنازل الملوثة.

وفي حديقته اليوم، يستعرض الرجل البالغ 65 عاما الميداليات التي نالها فيضعها على ثلاجة لا تعمل يستخدمها كطاولة. وتحمل إحدى الميداليات تمثالا صغيرا لأطلس وهو يحمل العالم بينما حلّت محطة تشيرنوبيل مكان صورة العالم.

وهناك صور أيضا لدافيدوف عندما كان جنديا وسيما بينما يقف مع رفاقه أمام لافتة وطنية كتب عليها «أيها الجندي! سنعيد الحياة إلى أرض تشيرنوبيل».

يقول دافيدوف «كنت هناك. رأيت كل شيء وشاهدت حجم» الكارثة.

وبعد أيام من سيطرة الجنود الروس على المحطة، تم توزيع حبوب اليود التي تعمل على حجب نوع محدد من الإشعاعات في القرية في حال الطوارئ، بحسب دافيدوف.

لكن الفترة التي قضاها في العمل في تشيرنوبيل ساعدته على تجاوز الخوف من السكن قبالة محطة زابوريجيا.

ويقول «إذا صدّقت كل شيء فيمكن أن تصاب بالجنون.. عليك غربلة كل شي من خلال تجربتك».

ويتساءل «كيف سيساعدني الخوف»؟