دخل العراق في متاهة مرحلة أزمة متراكمة ومتصاعدة، على وقع نداء زعيم «التيار الصدري» السيد مقتدى الصدر، بضرورة إعطاء الحكم إلى «الشعب»، وموقف الأطراف الشيعية الأخرى المجتمعة في «الإطار التنسيقي»، الذي يدعو إلى احترام الشرعية والدستور وتأليف حكومة كاملة الصلاحيات وفتح البرلمان وحماية المحكمة الاتحادية.

مخيم أنصار الصدر في المنطقة الخضراء، استقر خارج البرلمان في موقف احتجاجي بناءً لطلب زعيمهم، إلى حين إسقاط الشرعية خلال أسبوع، بينما يتظاهر أنصار «الإطار» في منطقة الجسر المعلق على المدخل الجنوبي للمنطقة الخضراء... فأصبح الشارع مقابل الشارع والمطالب مقابل المطالب الأخرى... فأين المخرج؟

يحاول الصدر الضغط على القضاء بعد دخول أنصاره، البرلمان، ومن بعدها التظاهر خارجه، ليطالب بانتخابات نيابية مبكرة، لن يحصل عليها إلا بقرار من حكومة شرعية (وهي الآن تصرف الأعمال ولا تمتلك الصلاحية)، أو بقرار ثلث مجلس النواب الذي لم يعد للصدر أي وجود فيه، بعدما استقال الـ73 نائباً من المؤيدين له، من دون ضمانات بحصوله فيها، على رقم وازن (165 نائباً) ليقرر ما يريد ويصنع الرؤساء في البلاد.

مطالب الصدر ليست بعيدة عن مطالب «الإطار» سابقاً، عندما اتهمت بعض القوى فيه بتزوير الانتخابات، إلا أنها عادت وقبلت بالنتائج بعد اعتصامات دامت أربعة أشهر لم تحصل فيها على شيء.

إلا أن مطالب مقتدى، اليوم، تختلف كثيراً عما كان يطالب به بعد الانتخابات عندما فتح ذراعيه لـ«الإطار التنسيقي».

فالصدر يحارب باسم الفساد وخراب الحكومات منذ عام 2005، والتي كان هو جزء منها، ومازال يمتلك العشرات من المناصب كمديرين عامين ووكلاء وزارات وسفراء تابعين لـ«التيار الصدري».

وهو يتحدث في بيانه الأخير عن «نصرة هيبة الدولة» التي يطالب بإسقاطها عبر الشارع... ويطالب بانتخابات مبكرة لا يستطيع أحد إعلانها، سوى بتوافق كل القوى السياسية أو بقرار برلماني جديد.

يقول إن الأمر له وحده ولشارعه وجمهوره دون غيره. وكذلك يدعو الجماهير (الشيعية) إلى السير على «خطى نهج السيد محمد صادق الصدر»، والد السيد مقتدى، الذي غدر به واغتاله نظام صدام حسين، والذي، بحسب التفسير الشيعي، لا يمكن العودة إلى المتوفي بالأحكام الشرعية والمستجدات، خصوصاً أن المرجع السيد علي السيستاني... موجود.

أما «الإطار التنسيقي»، فقد خسر الكثير من دعم العراقيين له وتراجعت شعبيته لأنه يضم الطاقم القديم الذي حكم العراق ويقوده نوري المالكي، الذي فقد أيضاً الكثير من الدعم، حتى من المرجعية التي سبق أن نادت بعدم عودته المباشرة وغير المباشرة.

ويعتقد «الإطار» ان الصدريين سيسأمون من التظاهر داخل الخيم، كما حصل مع «الإطار» عينه سابقاً.

ويقف المالكي في مواجهة الصدر للمرة الثانية بعد «صولة الفرسان» في مارس عام 2008 في البصرة.

إلا أنه حالياً تختلف الأمور لأن الشارع الصدري تعافى وكبر عدده، بينما ضعف المالكي أكثر مما كان عليه من قوة حين حكم العراق لدورتين متتاليتين كرئيس للوزراء وحافظ على نفوذه داخل المؤسسات الحكومية، مثل الصدر.

الخلافات اليوم هي فقط حول طريقة إعادة الانتخابات التي يقبل بها الطرفان الشيعيان المتصارعان سلمياً حتى يومنا هذا، إلا أن المشكلة ستبقى دائماً حول تحديد الكتلة الأكبر التي تحصل على أكبر حصة من المقاعد بعد الانتخابات أو بعد إنشاء التحالفات التي تلي أداء القسم وانتخاب رئيس الجمهورية... هل هناك تعديل للدستور في مسألة انتخاب رئيس الجمهورية.

لقد عدلت المحكمة المتحدة المختصة بتفسير الدستور (وليس البت بحل البرلمان) عن قرارات سابقة دستورية، وستجد الكتل النيابية والسياسية، من دون شك، المشكلة نفسها التي تجابهها عند كل انتخابات، وتالياً فإن الصراعات التي يشهدها العراق سببها فقدان التوافق بين الأحزاب الشيعية في الدرجة الأولى (فالأكراد لم يتوصلوا إلى توافق ولكن وقع خلافاتهم استمر صامتاً).

ولا يريد الصدر الذهاب إلى التوافق مع جميع قادة «الإطار»، وأنهى بيانه بـ«السلام على من اتبع الإصلاح»، ليقفل الباب على الحوار مع قادة «الإطار»!

لن يستطيع الصدر الوصول إلى أهدافه سلمياً، بل سيعطل الحكومة المعطلة. ولن يتنازل «الإطار» للصدر ليمنعه من حكم العراق وحده.

فالمادة 64 من الدستور تحدد طريقة حل البرلمان والتي تتعارض مع طرح الصدر.

ومن يقول إذا حصلت الانتخابات فلن تعود الأمور إلى المربع الأول؟ فخطيب الجمعة الصدري، يرى ان «التغيير سيحصل عبر الثورة ولا مساومة ولا تراجع عما حدده الصدر».

وهذا يعني أن الحوار لن يحصل وأن الكلمة الأولى والأخيرة للحنانة (منزل السيد مقتدى في النجف).

أما المادة 93 من الدستور، التي تفسر سلطة المحكمة الدستورية ومعها المادتان 47 و 59 والفصل بين السلطات، لا تعطيها سلطة حل الدستور.

إذاً، فموعد العراق مع نهاية الأسبوع المقبل في انتظار تصعيد التيار الصدري، أو وقفه بخطوة أخرى أو بمحاولات من مرجعية النجف... وإلى ذلك الحين، يبقى التوتر سيد الموقف ويبقى مصير العراق في مهب الريح.