أطلّت الكلمة التي ألقاها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، أمس في ذكرى عاشوراء على مجمل الواقع اللبناني وآفاقه التي باتت محكومة بملفيْن رئيسييْن: الترسيم البحري مع إسرائيل والانتخابات الرئاسية.
وبعدما بدا واضحاً أن معركةَ غزة «لم تَحرق» الاختراقات التي تَحَقَّقت في قضية الترسيم التي أعيد وضْعها على «نار قوية» وفق ما عبّرت عنه المعلومات عن وجود الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين حالياً في إسرائيل لإكمال تدوير زوايا الاتفاق النهائي وآخر التفاصيل بـ «شياطينها»، فإن مقاربة نصر الله لهذا العنوان أمس لم تختلف عن المنحى «الحربي» الذي اعتمده في الأسابيع الأخيرة ورسّم فيه معادلة «الحقوق كاملة للبنان والسماح بالتنقيب الكامل والفوري في كل حقوله، وإلا لا استخراج من أي حقل إسرائيلي»، وهو ما بدا أنه فعل فعله في جعْل الإسرائيليين أمام خيارٍ «بين أهون شرّيْن»:
التسليم بشروط لبنان والتنازل عن كل المنطقة المتنازع عليها (بين الخطين 1 و23 مع الإقرار بكامل حقل قانا للبنان) أو المخاطرة بصِدام عسكري لا تريده تل أبيب ومن شأنه تأخير «الهدف المركزي» المتمثل ببدء الاستخراج من حقل كاريش في سبتمبر، وهو الموعد الذي أعلنه الأمين العام لـ «حزب الله» مهلةَ إسقاطٍ لـ «فترة السماح» التي حدّدها لإنجاز الترسيم أو... إلى الميْدان دُر.
وتمّ التعاطي مع رَفْعِ نصرالله منسوب التهديد لإسرائيل على أنه في سياق الإمعان في «ضرب معنوياتها» في ضوء استشعارٍ بأن الأمور اقتربتْ من خواتيمها، وسط تقارير في بيروت أشارت إلى أن هوكشتاين يحاول ترتيب مخرجٍ «يحفظ ماء الوجه» للإسرائيليين وتحديداً في ما خص التنازل عن كل حقل قانا وامتداده جنوب الخط 23 وفق ما يصرّ عليه لبنان، على قاعدة ضماناتٍ أميركية بانتفاع لبنان من كامل مخزونه على أن تبقى السيادة عليه لإسرائيل، وذلك فيما كانت المناخات الإيجابية المستعادة حول قرب إتمام الاتفاق تفجّر تسابقاً لبنانياً على «مُلْكية» الإنجاز بين رئيس الجمهورية ميشال عون الذي ذُكر (صحيفة الأخبار) أنه «يريد توقيع الاتفاق في قصر بعبدا» ورئيس البرلمان نبيه بري «الذي يصرّ على أن يكون التوقيع في الناقورة».
وقد أكد نصرالله «اننا نتطلع إلى لبنان القوي القادر على حماية سيادته وكرامته، الآمن والقادر على استخراج ثرواته الطبيعية، أن يبقى نفطه له وغازه له وماؤه له، وأن لا يسمح لأحد أن يسلب منه خيراته وثرواته، واليد التي ستمتد إلى أي ثروة من هذه الثروات ستُقطع تماماً كاليد التي امتدت إلى أرضنا».
وقال: «في الأيام المقبلة ننتظر ما ستأتي به الأجوبة على مطالب الدولة اللبنانية وسنبني على الشيء مقتضاه، ولكن أقول لكل اللبنانيين وخصوصاً لجمهور المقاومة وبالأخص لمجاهدي المقاومة، يجب أن نكون جاهزين لكل الاحتمالات.
نحن في هذه المعركة، في هذا الاستحقاق جديون إلى أبعد درجات الجدية. ومجدداً أقول للأميركيين الذين يقدمون أنفسهم وسطاء وهم ليسوا بوسطاء، وأقول للإسرائيليين إن لبنان وشعبه لا يمكن بعد اليوم أن يتسامح بنهب ثرواته، وقد وصلنا إلى آخر الخط وسنذهب إلى آخر الطريق فلا يجربنا أحد ولا يهددنا أحد أو يراهن على أن يخيفنا».
أضاف: «في الأيام القليلة الماضية وحتى في أجواء العدوان على غزة، سمعنا العديد من التصريحات والتهديدات والإشارات تجاه لبنان وبعضهم كان يقول إن فلانا - يذكرني أنا بالاسم - يشاهد ما يجري اليوم قطعاً في هذه المعركة، ويتلقى الرسائل المطلوبة. نعم، نحن تلقينا الرسائل المطلوبة.
ما شاهدناه في الأيام الماضية، ثبات شعب غزة وبطولة قادتها، وتضامن فصائلها وثبات مجاهديها وبصيرة حتى أطفالها الصغار، ووجدناها صامدة تفرض شروطها وتثبت معادلة ردعها، أما في لبنان فحسابكم معنا وحسابنا معكم، حساب آخَر، أنتم تعرفوننا وخبرتمونا على مدى أربعين عاماً.
ونقول لهؤلاء لا تخطئوا مع لبنان ولا مع المقاومة لا في موضوع النفط ولا في موضوع الغاز ولا في موضوع الحدود البحرية، وأيضا لا تخطئوا في أي اعتداء».
وحذّر «مما سمعناه في الأيام الماضية من أنهم يخططون لاغتيال قادة في الجهاد الإسلامي أو في حماس أو في الفصائل الفلسطينية، خارج فلسطين المحتلة، ومنها لبنان»، وقال: «إن أي اعتداء على أي إنسان في لبنان لن يبقى من دون عقاب ولن يبقى من دون رد».
وفي الموضوع الداخلي، شدد نصر الله على ضرورة قيام «أقصى تعاون سياسي وشعبي ورسمي لتجاوز الصعوبات والأزمات الحالية»، وقال: «ندعو جدياً لتشكيل حكومة حقيقية كاملة الصلاحيات وخصوصا أن هناك مَن يبشّرنا بفراغ رئاسي ومن يتهدّد لبنان بفراغ رئاسي.
لا بد من حكومة حقيقية تتحمل المسؤوليات، فإذا أنجز الاستحقاق الرئاسي نعمة، وإن لم يُنجز فستكون هناك في الحد الأدنى حكومةٌ قادرة على مواجهة الأزمات».
... شغور رئاسي «اضطراري»؟
واستوقف أوساطاً سياسية أول الكلام من الأمين العام لـ «حزب الله» عن احتمالات الفراغ بعد 31 أكتوبر المقبل، موعد انتهاء ولاية عون، ولو أن نصرالله اتّهم به الآخرين، معتبرة أن ثمة أجواء تشي بأن الحزب قد لا يمانع «وقتاً إضافياً» في أعقاب هذا التاريخ لـ «إنضاج» إمرار خياره الرئاسي، الذي ما زال حتى الساعة يرسو ضمناً على زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية، وذلك بما يجعل «الوقائع» تفرضه على وقع «ارتفاع المخاطر».
وفي رأي هذه الأوساط أن «حزب الله» يحاذر أن يأتي دعم فرنجية في سياق «تزكية» له، ويفضّل أن يكون بمثابة «خيار الضرورة» الذي تفرضه ظروف واقعية أو «قاهرة»، وهو ما من شأنه الحفاظ على «أدبياتٍ» في العلاقة مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، الذي لن يكون ممكناً وصول فرنجية من دون تأييده السياسي و«العددي» في البرلمان، والذي لا يريد الحزب الظهور بمظهر مَن استسهل إدارة الظهر له كونه الأقوى في التمثيل المسيحي بين حلفائه وذهب إلى دعم «نور العين» (فرنجية)، ولو أن نصر الله لم يَعِدْ مَرّة باسيل بالرئاسة كما فعل مع عون و... وفى.
وإذ اعتبرت أنه ما دام باسيل «لم يستسلم» فإن حزب الله لن يذهب إلى مفاضلة بينه وبين فرنجية، وهو ما يجعل الفراغ بمثابة «غربال رئاسي»، ذكّرت بأن «كلمة السرّ» في فرْملة مسار الاستحقاق الرئاسي الذي تبدأ مهلته الدستورية في 31 اغسطس الجاري كانت جاءت من شريك الحزب في الثنائية الشيعية، أي بري الذي وبعدما كان أعطى إشاراتٍ إلى نيته ببدء الدعوة لجلسات انتخاب في الاسبوع الأول من سبتمبر عاد وربط الأمر بإنجاز الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي أولاً.
علماً أن لا إمكان لانعقاد البرلمان لانتخاب رئيسٍ إلا بدعوة من بري حتى دخول الأيام العشرة الأخيرة من ولاية عون إذ حينها يصبح في حال انعقاد حُكْمي لهذه الغاية.
ورأت الأوساط في «تكويعة» بري، رغبةً منه في ترْك الفراغ يأخذ مداه الزمني، ولو ضمن مهلة معقولة، بحيث إن وضعية باسيل، الذي يرفض رئيس البرلمان بأي شكل وصوله للرئاسة، تصبح أضعف بمجرّد أن يغادر عون قصر بعبدا، فيخسر رئيس «التيار الحر» ما يعتبره خصومه «المخزون الاحتياط» في «قوته المنفوخة»، ليكون عصف الشغور، ولو المضبوط، و«المفاجآت السياسية» التي قد تطبعه كفيلة بإحداث دينامية داخلية، تُلاقي الضغوط الخارجية لإتمام الاستحقاق وقفل «باب الريح» الرئاسي.
وتشير الأوساط إلى أن موقف باسيل الرافض حتى الساعة التخلي عن أحقيته في الترشح سيساعد خصومه - الحلفاء في فتْح بوابة الفراغ، ملاحظة أن الموقف «الانعطافي» من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط نحو موقع وسطي مع شبْك تقارُبٍ مرتقب مع «حزب الله»، ولو موْضعياً، يُعتبر أحد مؤشرات التذبذبات التي ستطبع المرحلة الرئاسية، وسط مجاهرة جنبلاط بانتقاداته الحادة لباسيل وعهد عون «الفاشل والحاقد» كما سماه، مع ترْكه الباب موارباً أمام فرنجية الذي سبق أن دعمه مع بري في انتخابات 2016 الرئاسية.
وعلى وقع تقديراتٍ بأن نواب المعارضة بات سعيهم بالحدّ الأقصى تشكيل كتلة من 43 نائباً لتعطيل نصاب جلسات الانتخاب الرئاسية لمنع إيصال مرشّح من 8 مارس، قال جنبلاط في تصريح تلفزيوني «لتصوّت كل كتلة نيابية حسب قناعاتها».
وأكد أنّ «ثمة محاور عديدة في لبنان وثمّة كتل نيابية معروفة وربما تستطيع الكتل التي تسمّي نفسها بالسيادية أن تجتمع وكذلك الأمر بالنسبة للنواب المستقلين.
وإذا توحّدت الغالبية الجديدة مع التغييريين، فسنستطيع وضع برنامج اقتصادي - اجتماعي بالحد الأدنى.
أمّا إذا كلٌ غنّى على ليلاه واعتبر نفسه وصياً على الجمهورية والرئاسة، فعلى الدنيا السلام وعندها سينتصر محور الممانعة».
وشدد على أنه «لا بد من الحوار مع حزب الله وغيره، أما أن يقف أحدهم في الداخل ويتفلسف بالقرارات الدولية، فنسأله أين القرار 424 وفلسطين؟ لقد ذهبت فلسطين».
وقال: «طلبت لقاء ممثّلين عن حزب الله وسألتقي بهم هذا الأسبوع من أجل التباحث بقضايا لا علاقة لها بالقضايا الشائكة الكبرى بل لتذليل بعض العقبات حول موضوع الكهرباء والشركة السيادية للنفط.
والحوار يجري بين دولٍ في العالم، فهل ممنوع أن نُجري حواراً مع الجار حزب الله».