مارست السفن الحربية الصينية والتايوانية، لعبة «القط والفأر» في أعالي البحار، خلال تدريبات عسكرية صينية غير مسبوقة، ردّاً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان، ما هوى بالعلاقات الأميركية - الصينية إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات، لكن أعطى الولايات المتحدة لمحة لم يسبق لها مثيل، عن الكيفية التي قد تشن بها بكين حملة عسكرية محتملة على الجزيرة.

في المقابل، تتعلّم الصين أيضاً الكثير من الدروس التي يمكن أن تثبت في النهاية، أنها أكثر أهمية في كيفية تخطيطها لأي ضربة مستقبلية ضد الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، وفقاً لموقع «بوليتكو» الأميركي.

فرغم كل القوة العسكرية للصين، إلا أن الجيش الشعبي، لديه خبرة محدودة في العالم الواقعي خارج التدريبات العسكرية المحلية عالية الدقة، حيث لم يطلق رصاصة واحدة منذ الحرب مع فيتنام والتي انتهت في الثمانينيات.

لكن هذه المناورات الضخمة، التي انطلقت الخميس ولأربعة أيام، من المحتمل أن تكون «ثروة من المعلومات الاستخبارية والتي يمكن أن تسفر عن رؤى ثاقبة حول نقاط القوة والضعف في تعبئة الجيش الصيني».

وقد حشد الجيش الصيني، خلال أوسع مناورات عسكرية في تاريخه، طائرات وسفنا حربية وصواريخ بالستية، في سياق ما اعتبره محللون، محاكاة لحصار تايوان واجتياحها، وأعلن أن مناورات جديدة بـ«الذخيرة الحيّة» ستقام لغاية 15 أغسطس في البحر الأصفر الذي يفصل بين الصين وشبه الجزيرة الكورية.

في غضون ذلك، نقل التلفزيون الرسمي الصيني، عن أحد المعلقين، أن الجيش سيجري من الآن فصاعداً تدريبات «منتظمة» على الجانب الشرقي من الخط الفاصل في مضيق تايوان.

وكشفت القيادة الشرقية للجيش التي تشرف على هذه العمليات، أنها أجرت أمس، «تدريبات مشتركة في البحر وفي المجال الجوي في محيط تايوان، وفق ما كان مقرّراً»، بهدف «اختبار القوة النارية في الميدان والضربات الجوية بعيدة المدى».

وفي دليل على مدى اقترابه من السواحل التايوانية، نشر الجيش الصيني السبت، صورة التقطتها إحدى سفنه العسكرية، تظهر مبنى للبحرية التايوانية، على بعد بضع مئات الأمتار فقط.

كما أبحرت نحو 10 سفن حربية، من كل من الصين وتايوان، على مسافة قريبة من بعضها البعض في مضيق تايوان، حيث عبرت بعض السفن الصينية الخط الفاصل، وهو حاجز غير رسمي يفصل بين الجانبين في المضيق.

وذكرت وزارة الدفاع التايوانية في بيان، أن العديد من السفن العسكرية والمقاتلات والطائرات المسيرة الصينية أجرت تدريبات مشتركة بالقرب من الجزيرة لمحاكاة هجمات على تايوان والسفن التايوانية.

وأضافت أنها أرسلت طائرات وسفناً للرد «بشكل مناسب». ووضعت صواريخها المضادة للسفن وصواريخ «باتريوت» أرض - جو، في وضع الاستعداد.

وتابعت إن مقاتلاتها من طراز «إف-16» كانت تحلق بصواريخ متطورة مضادة للطائرات.

ونشرت صوراً لصواريخ «هاربون» المضادة للسفن تحملها طائرة أخرى.

وقال مصدر مطلع، إنه بينما «ضغطت» القوات الصينية باتجاه خط الوسط الفاصل، مثلما فعلت السبت، ظل الجانب التايواني قريباً لمراقبة الوضع، وحيثما أمكن، حرم الصينيين من القدرة على العبور.

وأفاد بأن «الجانبين يظهران ضبط النفس»، واصفاً المناورات بأنها مثل لعبة «القط والفأر» في أعالي البحار.

وأوضح أن «أحد الجانبين يحاول العبور، والآخر يقف في طريقه ليحرمه من التقدم... ويجبره على العودة في النهاية إلى الجانب الآخر».

وقال رئيس الوزراء سو تسينغ تشانغ، من جهته، إن الصين استخدمت «بغطرسة» إجراءات عسكرية لتعكير السلام والاستقرار الإقليميين.

من جانبها، رفعت وزارة النقل التايوانية، ظهر أمس بالتوقيت المحلي، تدريجياً القيود المفروضة على الرحلات الجوية عبر مجالها الجوي، موضحة أن إشعارات التدريبات لم تعد سارية.

لكنها أشارت إلى أن الجزيرة، ستواصل توجيه الرحلات الجوية والسفن بعيداً عن أحد مواقع التدريبات، التي لم تؤكدها الصين مطلقاً، قبالة ساحلها الشرقي حتى صباح اليوم.

ويرى خبراء أن هذه التمارين تشكل إنذاراً مفاده بأن الجيش الصيني بات على ما يبدو قادراً على محاصرة الجزيرة بالكامل مع قطع السبيل أمام وصول مساعدة أميركية.

في السياق، حذرت الصين، الولايات المتحدة من «التصرف بتهور» وخلق أزمة أكبر.

وأوردت «وكالة شينخوا للأنباء» الرسمية، في تعليق، إن‭ ‬زيارة بيلوسي للجزيرة، ما هي إلا «ألعوبة سياسية» لتعزيز صورتها الشخصية.

وأضافت «مع الإصرار على الذهاب إلى الجزيرة، من الواضح أنها لا تهتم بالإضرار بالعلاقات الصينية - الأميركية أو وضع السلام عبر مضيق تايوان على المحك».

في المقابل، وصفت الولايات المتحدة، التدريبات، بأنها تصعيد.

وقال ناطق باسم البيت الأبيض «هذه الأنشطة تصعيد كبير في جهود الصين لتغيير الوضع الراهن. إنها استفزازية وغير مسؤولة وتزيد من مخاطر سوء التقدير».

وأضاف «كما أنها تخالف هدفنا طويل الأمد المتمثل في المحافظة على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان، وهو ما يتوقعه العالم».