إطلاق الوزير السابق ميشال سماحة قبل يومين من ذكرى انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس هو صدفة محض. فسماحة أوقف للمرة الأولى في 9 أغسطس 2012، وخرج بعدما أمضى في السجن محكوميته كاملة بعدما أوقف مرة ثانية العام 2016. لكن الصدفة في لبنان تعيد فتح المآسي والجروح التي أحدثها إنفجار المرفأ كما نية سماحة في المساهمة بالتخطيط لتفجيرات عبر نقل متفجرات في سيارته بالتنسيق مع اللواء السوري علي المملوك.
للمرة الأولى في تاريخ التفجيرات الكثيرة في لبنان، ثمة شريط مصوَّر لوزير سابق حليف لدمشق والرئيس بشار الأسد يؤكد ضلوعه غير المبهَم في التخطيط لعملية إجرامية. قد يَحدث ذلك في بلادٍ من أنظمة ديكتاتورية حين يصبح الوزراء جزءاً من آلة القتل. وفي لبنان حَدَثَ أن تَوَرَّطَتْ السلطات وشخصيات في نوعٍ من أنواع القمع والإستبداد الدموي. لكن أحداً لم تُوثَّق جريمتُه بالفيديو، بفعل مُخْبِرٍ جنّده فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي لتوقيف سماحة.
إطلاقُ المحكومِ بالسجن 13 عاماً منذ ابريل 2016 (مع احتساب فترة توقيفه منذ 2012 والسنة السجنية 9 أشهر) مع الأشغال الشاقة، أعاد التذكير بمرحلة التفجيرات التي طالت لبنان لسنوات وعمليات الإغتيال، والتخطيط لإحداث فتنة في الشمال وطرابلس وعكار. وليس أغرب من أن يكون الخارج من السجن عشية إنفجار الرابع من أغسطس والمحروم من حقوقه المدنية وممارسة النشاط السياسي، إلا تحوله حدثاً بفعل محاولة البعض عزْل جريمته عن سورية ودورها.
سماحة الكتائبيّ السابق، هو مَن أعلن حلّ حزب «القوات اللبنانية» في 23 مارس 1994 بعد تفجير كنيسة سيدة النجاة وإتهام رئيس «القوات» سمير جعجع بها. هو الذي تحوّل صديقاً لسورية وأصبح وزيراً في ظلها خلال مرحلة وجودها في لبنان، وكان حاضراً بقوة في الوسط السياسي الموالي لدمشق. هو المتحدث الطليق الذي إستخدم نشاطه وحضوره في الترويج لسياستها في لبنان، ووزيرُ الإعلام الذي أُقفل الإعلام في عهده، وكان بفعل علاقاته مع صحافيين غربيين يتولى إعادة صياغة التاريخ والجغرافيا لصحافيين يغطّون أخبار المنطقة، ويتحدث في لقاءات تلفزيونية وينظّر لأدوار ورؤية للمنطقة من منظار طريق الشام.
بعد الخروج السوري من لبنان عام 2005 لم يَخْفُت دور سماحة. هناك أدوار لا تنتهي لرجالات سورية في لبنان. ظل ناشطاً إلى جانبها، إلى الحد الذي صنّفته الإدارة الأميركية عام 2007 على لائحة داعمي الإرهاب ومنعتْه من دخول أراضيها مع عدد من الشخصيات اللبنانية الدائرة في الفلك السوري.
بعد خمسة أعوام أثبت سماحة التصنيف الأميركي. حين دهمت قوة من فرع المعلومات منزله فجراً وأوقفتْه بتهمة نقل متفجرات في سيارته ومبالغ مالية من سورية. المفاجأة التي هزت حينها الرأي العام، لم ينفها سماحة. للوهلة الأولى حاولت قوى موالية لدمشق إتهام فرع المعلومات برئاسة العميد وسام الحسن، وهو الجهاز الذي كان الأقرب حينها إلى قوى «14 مارس» بفبركة القضية، ولا سيما أن العملية تمت خلال تولي النائب الحالي أشرف ريفي مهمات قيادة قوى الأمن الداخلي، فيما كان العميد مروان شربل وزيراً للداخلية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، في عهد الرئيس ميشال سليمان. علماً ان ريفي أعلن أثناء توليه وزارة العدل عام 2015، ان سورية كانت تخطط لإغتيال سماحة أو خطفه لإمتلاكه معلومات خطيرة ومهمة، أثناء نقله من السجن إلى المستشفى وان الجهاز الأمني المختص أحبط العملية.
سرعان ما إعترف سماحة من دون ضغط أو إكراه. المُخْبِر الذي أوقعه والفيديو الموثّق كانا كافييْن كي ينكفىء حلفاء سورية في لبنان والعماد ميشال عون الذي كان سماحة أحد حلفائه، فأحداً لم يكن بإمكانه معاندة واقع أن وزيراً سابقاً حمل متفجرات وتحدّث جهاراً عن خطط القتل والتفجير وحمَل 170 الف دولار لتمويل العمليات.
حُكم على سماحة في المحكمة العسكرية أربع سنوات ونصف فقط فقامت قيامة قوى «14 مارس» والمعارضة التي اعتبرت الحُكْمَ لا يتناسب مع حجم وخطورة ما إرتكبه سماحة. أفرج عن سماحة لقاء كفالة مالية قدرها مئة الف دولار ومُنع من مغادرة لبنان، وأعيدت محاكمته ليُحكم مجدداً في ابريل 2016 بالأشغال الشاقة لمدة 13 سنة.
إعترف سماحة بكل ما نُسب إليه من إتهامات موثقة بالصوت والصورة: محاولة إغتيال البطريرك الماروني ماربشارة بطرس الراعي والنائب خالد ضاهر ومفتي الشمال مالك الشعار، ونقل متفجرات من سورية الى لبنان وتلقيه أموالاً منها وإحداث فتنية إسلامية - مسيحية في الشمال. وهو قال بحسب التحقيقات الأولية للعميد الحسن «أعترف أنني ارتكبت غلطة كبيرة، وأشكر ربي أنكم كشفتم القضية قبل ان تحصل التفجيرات كي لا أحمل وزر الدم والضحايا التي ستسقط، أعود وأقول شكراً جزيلاً انكم كشفتم العملية قبل إتمامها. على الأقل أنا الآن لا أحمل وزر دم أبرياء كان يمكن أن يسقطوا».
والمفارقة انه بعد شهر ونصف شهر من توقيف سماحة... إغتيل الحسن في إنفجار في الأشرفية أودى بحياته.