يبدو المشهد في العراق غارقاً في السوداوية، مع انسداد الأفق السياسي واتساع الهوة بين أبناء «البيت الواحد» (الأحزاب والقوى الشيعية)، ما ينذر بتفاقم الأزمة وانحدارها إلى منزلقات خطرة، في بلد يشهد شللاً سياسياً منذ 10 أشهر، إذ إنه لا يزال منذ إجراء الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2021، من دون رئيس جديد للجمهورية، وحكومة جديدة.

وفي مقابل اقتحام مئات المتظاهرين للبرلمان العراقي، مساء الأربعاء الماضي، في استعراض جديد لقوّة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بدا خصومه أكثر تصلباً وتمسكاً بمواقفهم، مع إعلان «الإطار التنسيقي» (الذي يضم غالبية خصوم الصدر وعلى رأسهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي) مضيهم في دعم مرشحهم لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني.

فبينما كانت حشود الصدريين تتجول في أروقة البرلمان، كانت قوى «الإطار التنسيقي»، تعقد اجتماعاً في المنطقة الخضراء بالقرب من البرلمان، لبحث تشكيل الحكومة الجديدة.

وذكرت أنباء أن الاجتماع عُقد بحضور قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني إسماعيل قآني، في ما بدت أنها رسائل إلى الصدر، بالمضي في هذا المسار، من دون الالتفات إلى الشارع.

وفي ظل استمرار الانسداد لأشهر طويلة ووصول الخلاف إلى مرحلة مستعصية بدا فيها غير قابل للحل، انسحب مقتدى الصدر، من اللعبة، تاركاً لخصومه مهمة تشكيل الحكومة، مع استقالة نوابه الـ73 الذين حققوا فوزاً كبيراً في الانتخابات وحازوا الغالبية، على الرغم من أنه صاحب التأثير الكبير على المشهد السياسي.

وجاء اقتحام المتظاهرين لمجلس النواب رفضاً لترشيح السوداني الذي يصفه الصدريون بأنه «ظل المالكي»، الخصم اللدود لمقتدى الصدر، لا سيما بعد التسريبات الصوتية الأخيرة للمالكي التي عمّقت الخلاف وأوصلته إلى مرحلة العداء.

وقال المحلل السياسي العراقي علي البيدر لوكالة الصحافة الفرنسية (ا ف ب) إن الصدر في هذه الخطوة (اقتحام المتظاهرين لمجلس النواب) يقول لخصومه إن «لا حكومة ولا خطوات دستورية واستحقاقات انتخابية ما لم يوافق هو عليها».

وأضاف أن الصدر أوصل رسالةً «أنه حاضر بقوة وأنه جزء فاعل عبر الجماهير في المشهد السياسي العراقي وعلى الجميع احترام مواقفه وآرائه»، كما أظهر أيضاً «القناعة المطلقة بأنه لا يمكن تمرير أي شيء من دون مباركته».

من جهته، رأى الأستاذ في جامعة بغداد إحسان الشمري أن «الرسالة الأهم مما حصل هي أن الخريطة السياسية المقبلة، مهما كانت، لن تمضي طالما كان التيار الصدري خارج البرلمان العراقي».

بدوره، اعتبر الباحث ريناد منصور من مركز أبحاث «تشاتام هاوس» أن الصدر يأمل «استخدام قوة الشارع لإسقاط محاولات خصومه في تشكيل الحكومة»، مضيفاً «نحن أمام أطول مسارٍ لعملية تشكيل حكومة» شهدته البلاد.

بالنسبة لخيار رئيس الحكومة، استبعد المحلل السياسي علي البيدر، أن يغيّر «الإطار التنسيقي» اسم مرشحه، لأنه «قد ينكسر سياسياً إذا قدّم بديلاً، إرضاء للصدر».

ويزيد ذلك، وفق البيدر، من خطر وقوع «حرب أهلية» مع امتلاك كل من الطرفين مجموعات مسلّحة.

وأضاف: «ليس هناك أي توجّه لتقديم تنازلات عند أي طرف من الأطراف، يعني ذلك أن الوضع سيتجه نحو مزيد من التصعيد».

في هذا السياق المتوتّر، تزداد الأصوات المتحدّثة عن احتمال الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة تعيد خلط الأوراق، وتأتي بـ329 نائباً جديداً.

وقد يكون ذلك حلاً يسهل قبوله من «التيار الصدري» الذي لم يعد ممثلاً داخل البرلمان، لكن الأمر دونه تعقيدات عديدة.

واعتبر ريناد منصور أن «الصدريين يأملون أنهم بتقديم أنفسهم كقوة معارضة وليس كحزب في الحكومة، يستطيعون جذب مزيد من الأصوات».

أما البديل، فسيكون «برلماناً غائباً» تحت ضغط «التيار الصدري»، كما شرح إحسان الشمري، مضيفاً أن «جزءاً من استراتيجية الصدر هو تطويق البرلمان وقد يكون هناك اعتصام داخله اذا ما أصر الإطار على مرشحه» أو «عصيان مدني».

وحذّر من أن اقتحام البرلمان ليس سوى «خطوة أولى»، مضيفاً أن «الرسالة كانت واضحة أن الصدر وأتباعه مستعدون أن يذهبوا إلى أبعد من ذلك».

4 سيناريوهات

تحدث الخبير في الشأن العراقي باسل حسين عن سيناريوهات عدة قد يشهدها العراق، خلال المرحلة المقبلة، أبرزها:

1 - انسحاب محمد شياع السوداني من سباق الترشح لرئاسة الحكومة.

2 - بقاء رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي لفترة معينة مع إجراء انتخابات خلال عام.

3 - البحث عن خيار وسطي باختيار شخصية توافقية لإدارة حكومة مهمتها إجراء انتخابات مبكرة أخرى.

4 - تصاعد الأزمة إذا أصرّ «الإطار التنسيقي» على خططه من دون الالتفات لاعتراضات «التيار الصدري».

الحل الوحيد

توقع الكاتب الباحث الخبير في الشأن العراقي نظير الكندوري، أن يكون الحل الوحيد هو توجه العراق لانتخابات مبكرة مرة أخرى، مشيراً إلى أن زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر «يحاول أن يقوم بنفس الدور الذي قام به الإطار التنسيقي حينما استطاع الأخير منع الصدر من تشكيل حكومته، بالرغم من حصوله على أعلى عدد من مقاعد البرلمان في الانتخابات الأخيرة».