الأخ رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد النواف تقتضي الأعراف والقيم التي جُبلنا عليها والمعزة التي نكنها ويكنها كثيرون لك أن نستهل الكلام بالمباركة والتمنيات بنجاح مهمتك... لكن وبموجب هذه المعزة عينها يفترض أن يغلب الكلام النابع من العقل كلام العاطفة.
تتولى أصعب منصب في أصعب وقت، ولا نريد أن ننضم إلى جوقة المفرطين في التفاؤل والقول إن أوضاع الكويت ممتازة لكنها تعاني من بعض العثرات... وهذا غير صحيح على الإطلاق لأننا نعيش فعلياً ما يمكن وصفه باللغة الطبية «اشتراكات مرضية»، وهذا واضح وضوح الشمس من خلال التراجع على كل المستويات، بدءاً من الاقتصاد مروراً بالخدمات وانتهاءً حتى بالرياضة.
تتولى أصعب منصب في أصعب وقت. الأوضاع المحلية غارقة في أزمة سياسية تحتاج إلى حلول جذرية وليس إلى مسكنات، والأوضاع الإقليمية حولت منطقتنا صناديق بريد تنقل رسائل متفجرة تارة ومربكة طوراً، والأوضاع الدولية تعيش شللاً متنامياً بفعل غزو أوكرانيا وانعكاساته الاقتصادية والغذائية. وليس خافياً عليك وأنت القادم من خلفية أمنية وترعرعت في بيت الحكم كيف يمكن أن ينعكس التوتر الاقليمي الدولي على الكويت في كل المجالات.
نكمل في كلام العقل لا العاطفة، فقد تدرجت يا أبا نواف في مختلف المناصب وكنت على تماسٍ مباشر مع الناس وآمالهم وطموحاتهم، وتدرك أن همهم الأول اقتصادي اجتماعي، وأن تعطيل عجلات التنمية أصابهم بالكثير من الإحباط، كما تدرك أن الاقتصاد إذا استهين بتنميته وتثبيته وتطويره وتم التفريط بالفرص فإن الوضعين السياسي والاجتماعي لن يشهدا معدلات استقرار. واليوم أنت على رأس السلطة التنفيذية وأمامك طريقان: إما أن تستسلم للنهج الذي سارت عليه حكومات سابقة وللعاطفة الشعبوية وهذا قد يبني مجداً موقتاً على حساب بلدك، وإما تستجمع كل خبراتك وقدراتك وموقعك التوافقي بين الجميع لاتخاذ قرارات إنقاذية حقيقية للاقتصاد مهما كان وقعها مؤلماً، فالمسكنات لا تجترح حلولاً بل قد تكون كلفتها أصعب لاحقاً.
وربما مفيد جداً في هذا المقام استحضار ما قاله صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد في اكتوبر 2020 حين شدد على أهمية أن تكون المعالجات الاقتصادية أولوية للجميع، وعلى ضرورة «العمل الدؤوب لمواكبة التطورات الاقتصادية المتلاحقة في العالم في ظل ما يشهده الاقتصاد العالمي من صعوبات وتحديات»، وعلى دور القطاع الخاص «في تعزيز روافد الاقتصاد الوطني والمساهمة في تنويع مصادر الدخل وأهمية التعاون والتنسيق مع الأجهزة المعنية لتضافر الجهود المشتركة من أجل تحقيق الأهداف التنموية المنشودة».
كم نحن في حاجة إلى استلهام هذا الكلام الذي كان استقراء للقادم من الأيام، وكم الكويت بحاجة للموازنة بين حدود الاستهلاك والتقشف ومراكمة احتياطات بيضاء للأيام السوداء، وتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد فقط على النفط، وقد رأينا ماذا حلّ بنا عندما تراجعت الأسعار العالمية وسنرى ذلك مجدداً حين تعود إلى الانكفاء.
الكويت في أمسّ الحاجة إلى ترتيب البيت الحكومي واختيار الكفاءات رجال الدولة الخبراء في المواقع التنفيذية، وإصلاح المسار الاقتصادي عبر الانطلاق من تحديد هوية الكويت الاقتصادية لنعرف أين نقف وإلى أين نتجه.
والكويت تحتاج إلى تحسين الخدمات والقضاء على البيروقراطية الرهيبة التي صارت مثار تندر للآخرين ومثار ألم لنا، فأنت خير من يعلم أن المعاملة التي تأخذ في أي دولة خليجية يوماً واحداً كي تُنجز تحتاج أقله إلى شهر في الكويت، بل أنت مَن قلت: «المعاملات الورقية يجب أن تنتهي، وما في شي صعب أو ما نقدر عليه، وأقرب مثال لدينا دبي، فالمواطن والمقيم هناك ينجز معاملته وهو في منزله، ونحن لا نطالب أن ينجزها في منزله، ولكن على الأقل يراجع إدارة واحدة يستطيع إنجاز جميع معاملاته فيها، من دون التوجه إلى الإدارات الأخرى».
ومن الاقتصاد والإدارة الى السياسة، وقد كنت يا «بو نواف» أكثر من طالب بتطوير النظام السياسي لينسجم أكثر مع لغة العصر وطموحات الشباب الكويتي الذين يشكلون غالبية السكان ويتطلعون إلى تغييرات تحد من عوائق العمل والتقدم.
العثرات كثيرة، والجهد مطلوب، وأنت أهل للعمل والإنجاز بحكم الخلفية والخبرة ورفض التسويات والمساومات على حساب ما تعتبره المصلحة العامة والضرورات الوطنية.
الأخ رئيس مجلس الوزراء نختم الكلام بما بدأت به كلامك لقياديي وزارة الداخلية عندما تسلمت حقيبتها: «الظلم ليس في قاموسي، جئت للإصلاح... لنحرص على المواطن بالدرجة الأولى، علينا أن نشعر به، ونستشعر بمتطلباته... يجب وضع أيدينا بأيدي بعض ونضع إصبعنا على موضع الخلل، ويجب أن نراعي الله بالوطن والمواطن، فنحن لسنا مخلدين وجميعنا سوف نغادر الحياة... علينا استغلال طاقات الشباب الكويتي وهذا الملف شغلنا الشاغل».
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون... وفقكم الله وسدد على دروب الخير والانجاز خطاكم.