في سنة 2015 انتج المسرح المصري مسرحية ساخرة بعنوان (أنا الرئيس) وهي مقتبسة من القصة العالمية (المفتش العام) للأديب الروسي نيكولا غوغول تهاجم القصة بشكل ساخر فساد المسؤولين والموظفين الفاسدين في البلاد الذين استقبلوا رجلاً ظناً منهم أنه المفتش العام وأخذوا يقدمون له الرشاوى حتى يغض النظر عن فسادهم المستشري، وبعد فترة من فسادهم تفاجأوا بوصول المفتش العام الحقيقي فأصابهم الرعب والخوف.

تعيش الكويت هذه الايام مسرحية أنا الرئيس، وبدأ الحديث حول اختيار رئيس الوزراء المقبل يأخذ مساراً جماهيرياً جديداً، حيث انتقل هذه المرة من مجرد المشاركة في تغذية بورصة المرشحين إلى مرحلة التسمية الفعلية.

وأثناء ذلك تداول البعض وما أكثرهم في وسائل الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي خبر مفاده تعيين رئيس الحكومة المقبلة، وسرعان ما تم تداول معلومات لاحقة تفيد باعتذاره وفي الحالتين لم نلحظ أي بيانات رسمية تؤكد أو تنفي ذلك.

إن حالة الحراك الشعبي في خصوص تسمية رئيس الوزراء المقبل، عكست مزاج الشارع الكويتي الذي بداً مشحوناً بالعاطفة والأمل وكذلك الرغبة الصادقة في إحداث التغيير معلقاً آمال مختلف مكوناته على الرئيس المقبل في أن يكون حامل مشعل نجاح الفرصة الأخيرة.

وباختصار، وبعيداً عن أي تعقيد يحلم الكويتيون بأن يكون رئيس حكومتهم المقبل يمتلك شيفرة سر إدارة بوابة الكويت للانتقال للمستقبل بسهولة، والخروج بها من محطة الانتظار سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إلى أخرى مستحقة تتميز بالتجديد في كل تفصيل.

وما دمنا نتحدث عن مستقبل دولة وتعليقه في يد شخص واحد يتعين تنحية العاطفة جانباً، وأن يعي الجميع أن رئيس الوزراء المقبل أياً كان اسمه لا يملك عصا سحرية تمكنه من القيادة نحو المستقبل بأمان وانسيابية تامة مهما كانت العواصف.

فإذا لم تكن الرياح السياسية والشعبية مواتية من كل اتجاه، وتأتي بما تشتهي سفينة الاصلاح سيلتطم أي نوخذة حتماً بالصخور التقليدية، والمتمثلة بالتشابك النيابي والرفاهية الشعبية التي تدفع المواطنين أحياناً وبحسن نية إلى تجسيد رئيس وزراء في مخيلتهم حسب تمنياتهم، واقعية كانت أم مستحيلة، متجاهلين الظروف المحيطة والأدوات المطلوبة لإعادة صياغة المستقبل بما يستحقه الجميع وبما يتطلبه ذلك من كل مواطن.

الخلاصة:

كل ما سبق يعد ضرورياً من أجل إيضاح بعض الأسس والبدهيات التي أصبحت غائبة في النقاش العام حول رئيس الوزراء المقبل، ففي هذا التوقيت بالذات لا يعد اسم الرئيس المقبل الرهان الوحيد على صياغة مستقبل مشرق بقدر أهمية امتلاكه المقدرة الفعلية على دفع الكويت للأمام والخروج بها إلى عصر جديد من التفاهمات والسياسات والقرارات التي تخدم «الصالح العام».

وهذا يتطلب من أي رئيس حكومة مقبل أن يكون منفتحاً على حقيقة أن بقاء الكويت على معطياتها الحالية يشكل تهديداً وجودياً لها، وأن يعمل على أن تكون علاقته مع جميع الاطراف صحية مدفوعة بالرضا الشعبي على المحقق.

وعلى عكس ما يظن البعض رئيس الوزراء المقبل لا يمكن أن يضمن منفرداً تحريك قطار الكويت اصلاحاً وتنمية، فهناك مسؤولية جماعية في تنفيذ ما يعلنه الرئيس المقبل منذ البداية من خطوات والتزامات واضحة دون اغفاله ذكر التحديات القائمة.

وهذا يعني حرفياً أن انقاذ الكويت في تكاتف الجميع نحو تنفيذ المهام المستحقة حكومياً ونيابياً وشعبياً، كل حسب مسؤلياته.