في خضم الحرب التي يخوضها في أوكرانيا، ينتقل الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يؤكد أن من المستحيل عزل روسيا عن بقية العالم، اليوم الى طهران، ليبحث مع نظيريه الإيراني والتركي في معركة أخرى محتملة يهدّد رجب طيب أردوغان بشنها في سورية، بالإضافة إلى آليات تصدير الحبوب الأوكرانية العالقة في موانئ أوكرانيا بسبب الغزو الروسي، خشية نشوب أزمة غذائية عالمية.

كما يزور وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، طهران، اليوم.

ويستضيف إبراهيم رئيسي نظيريه الروسي والتركي في أول لقاء ثلاثي على مستوى الرؤساء منذ عام 2019 ضمن إطار «عملية أستانة للسلام» الرامية لإنهاء النزاع السوري.

كذلك، ستتيح اللقاءات الثنائية التي ستعقد في طهران، ويجمع أحدها بين بوتين وأردوغان للمرة الأولى منذ غزو أوكرانيا في 24 فبراير فبراير، البحث في ملفات شائكة، مثل تداعيات هذه الحرب والاتفاق النووي الإيراني.

وأكد الكرملين أن القمة، ستخصص للملف السوري.

ومن المقرر أن تجري في تركيا، محادثات بين موسكو وكييف وأنقرة والأمم المتحدة هذا الأسبوع بعد تقدّم في مفاوضات الأسبوع الماضي.

وقال المستشار الديبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف، أمس، «أولاً، نحن مستعدون لمواصلة العمل في هذا الاتجاه، ثانياً، سيتمّ بحث هذه المسألة بين الرئيسين» بوتين وأردوغان.

وفي موسكو، أكد بوتين خلال حديث مع شخصيات حكومية في مؤتمر من خلال الفيديو، أمس، «من الواضح أننا لا نستطيع أن نتطور بمعزل عن بقية العالم... من الواضح أن هذا يمثل تحدياً كبيراً لبلدنا، لكننا لن نستسلم ونبقى في حالة من التخبط أو نرجع عقوداً إلى الوراء، كما يتوقع بعض المتربصين بنا. بالطبع لا».

ويقول المحلل الروسي الخبير في الشرق الأوسط فلاديمير سوتنيكوف لـ «فرانس برس»، إن «توقيت عقد هذه القمة لم يُحدّد بالصدفة».

ويضيف «بينما تنفّذ روسيا عمليتها الخاصة في أوكرانيا، تريد تركيا أيضاً أن تشنّ عملية خاصة في سورية»، معتبراً ذلك «المسألة الأساسية في القمة».

ويلوّح أردوغان منذ شهرين بشنّ عملية عسكرية ضد مناطق تسيطر عليها «قوات سورية الديموقراطية» (قسد)، تنطلق من الحدود التركية وتمتد الى منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب في شمال سورية.

ووفق الباحث في الشؤون التركية في معهد كارنيجي-أوروبا سنان أولغن، «لا تريد السلطات التركية أن تخوض العملية من دون ضوء أخضر من روسيا (...)، لأن المنطقتين المستهدفتين تقعان تحت إشرافها، كما تريد تركيا التمكن من استخدام المجال الجوي».

وتحضر إيران بدورها في منطقة العملية المزمعة «من خلال مجموعات شيعية مسلّحة»، وفق أولغن، الذي يشدّد على أن ذلك يدفع أردوغان للسعي الى «نيل الضوء الأخضر» منها أيضا.

إلا أن الموافقة دونها حسابات معقدة. فقد سبق لموسكو أن أعربت عن أملها في أن «تُحجِم» أنقرة عن شنّ الهجوم، بينما حذّر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان من أن عملية مماثلة قد تؤدي الى «زعزعة أمن المنطقة».

وحضت «قسد»، الجمعة، موسكو وطهران على منع أنقرة من تنفيذ تهديداتها.

وأبدى قائدها مظلوم عبدي ثقته بأن «روسيا وإيران لن توافقا على مطالب تركيا»، آملاً في ألا تكون سورية «محط بازارات بين القوى الكبرى».

وتزامناً مع التصعيد التركي، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن قوات سورية عززت مواقعها في مناطق سيطرة الأكراد.

ويرى الباحث في معهد «نيولاينز» نيكولاس هيراس أن «إيران وروسيا تريدان الحؤول دون عملية عسكرية تركية أخرى في شمال سورية»، مشيراً الى أن «إيران تؤسس لحضور في حلب ومحيطها ما يثير قلق تركيا، وروسيا (...) تتراجع في سورية لمصلحة إيران».

وتطرقت تقارير أخيراً، الى احتمال خفض روسيا حضورها العسكري في سورية لانشغالها في أوكرانيا، وأن يعوّض ذلك بتعزيز الوجود الإيراني.

ووفق المحلل السياسي الإيراني أحمد زيد أبادي، تريد إيران وروسيا وتركيا التنسيق «أقله لعدم زيادة التوترات بينها».

إلا أنه يحذّر من أن التفاهم ليس محسوماً «إذ لكل من هذه الدول رؤيتها الخاصة في شأن سورية، وفي أعقاب الحرب في أوكرانيا، أعتقد أن تباينات جديدة نشأت بينها».

وتشكل الحرب الأوكرانية، نقطة التجاذب الأساسية راهناً بين روسيا من جهة، والدول الغربية من جهة أخرى، خصوصاً الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، الذي تنتمي إليه تركيا.

ويأتي اللقاء الثلاثي بعد أيام من جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط.

ويقول سوتنيكوف إن لقاءات طهران ستشمل «العملية الروسية في أوكرانيا التي غيّرت الوضع الجيوسياسي في العالم»، مذكّراً بأن «للرئيس التركي علاقات شراكة مع روسيا وأوكرانيا، ولهذا يؤدي دور الوسيط في هذا النزاع».

ويضيف «بالنسبة إلى روسيا، الحفاظ على الشراكة مع تركيا مهم جداً».

أما في الشق الروسي - الإيراني، فيتوقع زيد أبادي، أن يجري الجانبان «مباحثات معمّقة وجادة» في شأن الجهود المتعثّرة لإحياء الاتفاق النووي، مرجحاً أن «تشجّع» موسكو طهران على إحياء الاتفاق «رغبة منها في تفادي التصعيد بين إيران ودول المنطقة، وبالتالي مع الغرب».

كذلك، يحتمل أن يبحثا في «طبيعة التعاون العسكري (...) بما يشمل شراء الطائرات المسيّرة»، وفق زيد أبادي.

وكشف البيت الأبيض أخيراً أن روسيا تنوي الحصول على طائرات مسيّرة إيرانية لاستخدامها في أوكرانيا.

ورفض الكرملين التعليق، بينما اعتبر عبداللهيان، أن «لا أساس» لهذه المزاعم.