توقع وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، أن تؤدي الحرب الروسية على أوكرانيا إلى نتيجة من ثلاث، «لا يزال كل منها مفتوحاً إلى حد كبير على احتمالات عدة».

وقال كيسنجر في مقابلة مع مجلة «السبكتاتور» اللندنية، «إذا بقيت روسيا حيث هي اليوم، ستكون قد سيطرت على 20 في المئة من أوكرانيا ومعظم دونباس، المنطقة الصناعية والزراعية الرئيسية، إلى جانب شريط بري مطل على البحر الأسود... وهكذا، تكون قد حققت نصراً، رغم النكسات كلها التي عانت منها في البداية.

وسيكون دور حلف شمال الأطلسي غير حاسم، خلافاً لما اعتُقِد في وقت سابق».

وأضاف السياسي الأميركي المولود في ألمانيا (99 عاماً)، «النتيجة الثانية تتمثل في بذل محاولة لإخراج روسيا من الأراضي التي استولت عليها قبل هذه الحرب، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، وعندئذ ستصبح الحرب في حال استمرارها حرباً على روسيا».

«أما النتيجة الثالثة، التي عرضتها في منتدى دافوس ولديَّ انطباع بأن (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي يتقبلها الآن، فهي أن العدوان الحالي سيُهزَم إذا استطاع الأحرار منع روسيا من تحقيق أي احتلالات عسكرية، وإذا عاد خط القتال إلى الوضع الذي كان عليه حين بدأت الحرب... (أي) خط القتال التالي لعام 2014.

وسيعاد تسليح أوكرانيا وربطها في شكل وثيق بحلف شمال الأطلسي إن لم تنضم إليه.

وتحال بقية المسائل على مفاوضات. قد يبقى الوضع مجمداً لفترة ما، لكن كما رأينا مع إعادة توحيد أوروبا، يمكن للحلول أن تتحقق بعد فترة من الزمن»، وفق وزير الخارجية السابق.

ولدى سؤاله عن معاقبة الرئيس فلاديمير بوتين، رد كيسنجر «إذا انتهت الحرب وفق تصوري المعلن في دافوس، أعتقد بأن ذلك سيكون إنجازاً كبيراً للحلفاء. سيكون حلف شمال الأطلسي قد قوي بانضمام فنلندا والسويد إليه، ما يعزز احتمال الدفاع عن دول البلطيق. وستكون لدى أوكرانيا أكبر قوة برية تقليدية في أوروبا متصلة بالحلف أو عضو فيه.

وسيُبرهَن لروسيا أن الخوف الذي هيمن على أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، الخوف من هجوم يشنه الجيش التقليدي على أوروبا عبر الحدود المكرسة، يمكن أن يمنعه الحلف بطرق تقليدية.

وسيكون على روسيا للمرة الأولى في التاريخ الأخير أن تواجه الحاجة إلى التعايش مع أوروبا ككيان، بدلاً من أن تكون أميركا عنصر الدفاع الأول عن أوروبا بأسلحتها النووية».

وإذ حلت أخيراً الذكرى الخمسين لزيارة كيسنجر السرية للصين في فبراير 1972، والتي مهدت لانفتاح واشنطن على بكين، سُئل السياسي الذي ألف كتباً كثيرة، منها مذكراته عن سنوات عمله مهندساً للسياسة الخارجية الأميركية، وكتابه المرجعي «الديبلوماسية»، إلى جانب عمل يصدر قريباً باسم «القيادة»، عن كيفية وجوب تعامل الغرب مع القوة الآسيوية الناشئة، فقال «منذ عهد (الرئيس السابق دونالد) ترامب، تنفذ الولايات المتحدة سياسة إزاء الصين تقوم على مبدأ بناء تحالفات حولها لكي تقتنع الصين بقبول قواعد سلوك موضوعة في الغرب.

غير أن نهج الصين في ما يتعلق بالسياسات يختلف عن النهج الأوروبي. فالنهج الأوروبي وضعته بلدان صغيرة نسبياً كانت تدرك وزن (ونفوذ) البلدان المحيطة بها، ما تطلب تعديلات مستمرة على توازن القوى».

وتابع «أما تاريخ الصين الممتد لآلاف السنوات، فيتعلق ببلد مهيمن في منطقته إلى حد كبير. وهكذا برز أسلوب في السياسة الخارجية يسعى الصينيون من خلاله إلى تحقيق نفوذهم من خلال نطاق إنجازاتهم... معززاً حيث يجب بالقوة العسكرية من دون أن تكون لهذه القوة هيمنة.

لذلك تحتاج السياسة بعيدة الأجل إزاء الصين إلى عنصرين: القوة الكافية لكي تُوازَى القوة الصينية حيث تبدو مهيمنة، لكن في الوقت نفسه، يجب التزام مقاربة تجد الصين نفسها فيها تُعامَل كمثيل وكمشارك في النظام».

وحذر الوزير السابق، واشنطن من الإفراط في التركيز على مسألة تايوان، لئلا تصل إلى مواجهة مع الصين.

وفي شأن المحادثات غير المباشرة، بين الولايات المتحدة وإيران في شأن البرنامج النووي، قال كيسنجر لـ«سبكتاتور»، «كنت شديد التشكيك في الاتفاقية النووية الأصلية، فقد اعتقدتُ بأن تعهدات إيران سيصعب جداً التأكد منها، وأن المحادثات أنشأت نمطاً أسهم في إبطاء وتيرة التقدم النووي إلى حد ما لكنها جعلته أكثر حتمية.

والنتيجة أن بلدان المنطقة، ولا سيما إسرائيل، العدو الرئيس لإيران دُفِعت إلى ردود فعل قد تجعل الوضع أكثر قابلية للانفجار».

وأضاف «والآن، تتمثل المشكلة مع المحادثات النووية في أنه من قبيل الخطورة الشديدة، العودة إلى اتفاقية كانت غير مناسبة بادئ ذي بدء بغرض تعديلها لتبدو أكثر قابلية للتقبل من قبل أي معارض لها.

المخاوف كلها التي انتابتني إزاء الاتفاقية الأساسية تنتابني اليوم. لم أرَ البنود (الجديدة) بعد، لكن ليس هناك حقاً بديل عن القضاء على القوة النووية الإيرانية.

لا يمكن أبداً إرساء السلام في الشرق الأوسط ولدى إيران أسلحة نووية.

فقبيل حيازة إيران أسلحة نووية، ثمة خطر كبير في أن تبادر إسرائيل إلى عمل استباقي... فإسرائيل لا تستطيع انتظار عوامل (توازن) الردع. وهي لا تملك غير ضربة واحدة حاسمة. هذا لب الأزمة».