لم تُحدث زيارة المسؤول عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى طهران، أي خرق على صعيد المباحثات النووية المتوقفة، إلا أنها فتحت الطريق لعودتها بداية الأسبوع المقبل، في دولة يُرجح أنها قطر.
وكان التشنج وتبادل الرسائل السلبية والتدابير القاسية، بين إيران والولايات المتحدة، ممثلة بحلفائها الأوروبيين والوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد حصل في الأسابيع الأخيرة. إذ أعلن مدير الوكالة الذرية رافاييل غروسي، ان طهران مسؤولة عن إبقاء الغموض حول ثلاثة مواقع يشتبه بأنها تدير أعمالاً نووية فيها ولم تعلن عنها ولم تقدم أي تفسير لذلك.
وردت إيران بسحب 27 كاميرا (ما زالت 40 تعمل) متصلة بالأقمار الاصطناعية تابعة للوكالة الذرية. ورفعت مستوى التخصيب المتطور في مفاعلها النووي، كرد فعل على التقرير الذي اعتبرته سلبياً ويصب في خانة الضغط لإرجاعها إلى طاولة المفاوضات وخفض طلباتها حول تقديم الضمانات اللازمة لعدم إصدار عقوبات جديدة عليها وبقاء أميركا ضمن الاتفاق النووي، بالإضافة إلى رفع الحرس الثوري عن لائحة العقوبات.
ولا يمكن القول إن الثقة قد تزعزعت بين إيران والوكالة الدولية أو مع أوروبا، بل هي معدومة أصلاً. فإيران أبقت على التزامها مع الوكالة لما تمثله أيضاً من مكانة لدى الأمم المتحدة. بينما كانت طهران، أيام حكم الرئيس حسن روحاني، تعتقد ان أوروبا لاعب مختلف عن أميركا. إلا ان تجربة عام 2018 عندما خرج الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي، أحادياً، أظهرت أن أوروبا لا تخالف تدابير واشنطن حتى ولو لم تتفق معها.
وفي ظل انعدام الثقة، تتحرك إيران بما لديها في محاولة لدفع الرئيس جو بايدن إلى العودة للافاق ولو لمدة سنتين تقريباً، وهي المدة المتبقية لديه في الحكم.
وتقول مصادر إيرانية مسؤولة لـ «الراي» ان «الغرب قد ضرب عرض الحائط بالاتفاقات الدولية معنا وحتى مع روسيا حيث سقطت القرارات والمعاهدات الدولية بطرفة عين، وتالياً فإن الثقة معدومة حتى بعد التوقيع، إذا حصل، لأن بايدن يستطيع تمزيقه أو وضع عقوبات تحت عناوين مختلفة ما دام لا أحد يحاسبه على قراراته. ولا يمكن اعتبار أوروبا طرفاً يُعتمد عليه لأنها هي أيضاً تتبع القرارات الأميركية ولا تخالفها».
وتؤكد المصادر ان «أوروبا تدفع ثمن قراراتها المؤذية لها اقتصادياً بإنزال عقوبات ضد روسيا، ما يدفع سكانها إلى التظاهر بسبب ارتفاع مستوى التضخم. فكيف يمكن لطهران أن تعول على أي قرار أوروبي لصالحها إذا تعارض مع أي قرار أميركي يخالف الاتفاق النووي المفترض توقيعه؟».
إلا أن المفاوضات النووية ستستأنف بهدف رفع العقوبات عن إيران التي سينتعش اقتصادها وتتعزز قدراتها العسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أميركا تبحث عن بدائل للطاقة بعد فرضها العقوبات على روسيا، وتالياً فان زيارة بوريل - التي تعتبر مهمة لأنها الأولى لطهران - تدل على رغبة أميركا بعودة إيران إلى أسواق الطاقة العالمية وكسر جمود المباحثات النووية. فهدف أميركا الأول اليوم، هو محاصرة روسيا اقتصادياً وإحداث الشرخ بينها وبين أوروبا التي تعتمد على موسكو في مصادر الطاقة لديها.
ولذلك فهي بحاجة لعودة إيران إلى بيع نفطها علناً (تبيع طهران بين مليون إلى 1.4 مليون برميل يومياً رغم منافسة روسيا الحالية لها ببيعها النفط بأسعار متدنية في الأسواق الآسيوية) قبل فصل الشتاء، خصوصاً ان موسكو بدأت بتخفيض كميات الغاز المُتدفق إلى أوروبا التي تعاني بشدة من جراء ذلك.
وفصل الشتاء مهم أيضاً، بسبب التقرير المقبل الذي سيقدمه مجلس محافظي الوكالة الذرية عن المشروع النووي الإيراني. فإذا لم يتم تقديم تنازلات من الطرفين والتوصل إلى حل وتقرر إرسال تقرير سلبي إلى مجلس الأمن، فان إيران ستتخذ خطوات تدفع بها في طريق اللاعودة، وبالتالي قد تصل المفاوضات إلى حائط مسدود.
وحتى في إسرائيل، فقد تطور موقف المسؤولين من الـ «لا» المطلقة لأي اتفاق نووي مع إيران إلى الـ «نعم» المشروطة، خصوصاً ان جميع رؤساء المؤسسات العسكرية والأمنية في الاستخبارات وشعبة إيران الأمنية وفي الأمن القومي ولواء الأبحاث والدراسات الإستراتيجية، يؤيدون جميعاً دفع المفاوضات النووية إلى الأمام ولا يريدون لإيران امتلاك القنبلة النووية لاعتبارهم ان طهران تمثل اليوم خطراً وجودياً على إسرائيل حتى من دون القدرة العسكرية النووية، فكيف ستصبح عليه الأمور لو أصبح السلاح النووي يصنع في إيران وبدأ السباق النووي الشرق الأوسطي لدى دول أخرى؟