|كتبت ليلى احمد|
بين مجمل الدراما الخليجية التي عرضت في رمضان الماضي حاز مسلسل «أم البنات» نجاحا جماهيريا ساحقا، وأكدت بهذا النجاح الكاتبة هبة حمادة حضورها واخراج عارف الطويل وبطولة سعاد عبدالله وغانم الصالح وباسمة حمادة وعلي جمعة وخالد البريكي ومحمد السبع وشفيقة وعدد من الوجوه الفتية التي لفتت الانظار لأدائها التمثيلي الرائع واطلالتها البسيطة، مثل فاطمة الصفي وشجون الهاجري وهيا عبدالسلام والممثلين الشباب حسين المهدي وحمد العماني وتفجر الموهبة الكوميدية للممثلين ياسة وفيصل بوغازي... وغيرهما، وكانت «ام البنات» بتوقيع المخرج السوري عارف الطويل، الذي لم يكن موفقا في الكثير من زواياه التصويرية، وخابت الكاميرا في الامساك بفرص التعبير عند الممثلين ولم نر أي جمالية بصرية في كادراته.
العمل حصد كأس التفوق في المشاهدة، ونال حظا وافرا من المتابعة، وهو أمر أعاد سعاد عبدالله الى واجهة الانتاج بعد تعثر استمر سنوات طويلة.
وقد نجحت «ام البنات» جماهيريا ولاقت في السعودية المرتبة الاولى سبقت به «طاش ما طاش» الذي له موقع في الذاكرة السعودية على اعتبار عمره الطويل و«خفة» ظله ونقده اللاذع بشكل كاريكاتيري ساخر للكثير من المواقف الحياتية هناك..
نجحت «أم البنات» في الكويت وبقية دول الخليج فكان الاول في المتابعة فبالرغم من أن الكثير من الكويتيين لم يتفقوا مع القصة التي قالوا عنها في «قهاوي الراي» انها قصة مصرية، وان المبالغة كبيرة الا ان حميمية العائلة والظروف التي تمر بها ومواجهتها وصراعها مع أقدارها وتمثيل حيوي لعدد من البنات والشخصيات الرئيسية و«ديناميكية» وبساطة حوارات المؤلفة حمادة كلها كانت عوامل لافتة للنظر، فأعطت البنات وأمهم الضربة القاضية لمسلسل «الحب الكبير» لعبدالحسين عبدالرضا، و«دمعة اليتيم» لحياة الفهد.
سعاد غلبتهم هذا العام لانها عرفت اللعبة في تقديم عمل شعبي وليس نخبويا، غازلت به المجتمعات المحافظة في الخليج مثل الجمهور السعودي وربما القطري ويمكن الإماراتي الذي قد يعيش بعض من ناس مجتمعهم الظروف الاجتماعية نفسها.
نجحت هبة في استلهام قصة اتخذت اسلوب «السهل الممتنع» في الشد والجاذبية وغموض الاحداث، في مسارات معقدة، الحبكة والبساطة في آن واحد، لها مداخل
وزواريب ومخارج غالبيتها منطقية واحيانا تائهة غير مقبولة بالعقل كالتحول العجيب في شخصية سعاد بعد الحلقة الخامسة عشرة وهي التي لم تفتح فمها يوما ولا ليلا احتجاجا على معاملة الزوج أو دعما لحق البنات في التعليم ومثل هذا الكثير وشعرنا ان الكاتبة «تعبت» في الحلقات الاخيرة و«ملت» فبدت الكثير من الهنات التي لم تؤثر على نجاح المسلسل، ومنها كانت ملحوظة وتحدث عنها الناس في الصحافة، وسنأتي على ذلك.
«أم البنات» مثلتها مجموعة من البنات الحلوات الواقعات تحت ضغط ابوي - مو طبيعي- خلقن خصوصية لعوالمهن، استطاعت سعاد عبدالله ان تدخل بيوت المشاهدين، لتقدم معاناتهن للناس.
كان عليّ ان اكتب عن المسلسل ابان عرضه على محطتي «الكويت» و«ابوظبي» في رمضان الماضي، الا ان إعدادي لصفحات «قهاوي الراي» يوميا شغلني في تحرير مسجات القراء واعادة صياغة وترتيب وتحضير الصور، وكنت أسعد حقيقة لعودة الروح الى سعاد عبدالله وأنشر كل مدح قاله القراء او ملاحظات نقدية، وهم الذين ايضا حسموا أمر نجاح «ام البنات» وأكدوا التفافهم حول قصة وأحوال بناتهم الجميلات.
والآن تعاد عرض حلقات «أم البنات» على عدد من القنوات، فيبدو ان سعاد التي بارك الله في بناتها في المسلسل، بالرغم من وقوفها ضدهن لصالح زوجها عقاب، الا ان الله طرح فيهن الخير والبركة... فساندنها وانتشرن عبر معظم المحطات الفضائية الخليجية.
وهنا نقاط عدّة عن مسلسل «أم البنات»
* من اساسيات الكتابة الدرامية ان تتحدث القصة عن ظواهر اجتماعية واضحة ومحددة المعالم لشريحة اجتماعية عريضة في مجتمع ما، وقصة مسلسل «أم البنات» لا تناسب الكويت سنة 2009، حيث اصبح تعليم البنات إجباريا وتحصل البنات على أعلى الدرجات العلمية واصبح امرا واقعا حتى في أكثرالعائلات تحفظا، والكثيرات سافرن في بعثات خارجية وأتيحت فرص العمل أمام جميع النساء، وقصة «ام البنات» ملائمة للاجواء الاجتماعية في فترة الخمسينات من القرن الماضي بالكويت والتي لم تكن المراة قد دخلت مضمارالتعليم والعمل الحكومي الا نادرا، وكان زمن الخمسينات هو مرحلة بداية تعليم البنات في البلاد، وكان الأب هو الذي يقرر ايقاف استمرار البنات في دراساتهن وقتما يشاء.
* كانت سنوات الخمسينيات فترة صعبة للمرأة الكويتية - كما نقرأ في الكتب ونسمع من الكبار الاجلاء - فهي لم تحصل على قدر من التعليم وتنساق لقيادة زوجها، تساعد اسرتها في «ضبها» في حالة وجود أي تمرد لدى ابنتهم.
* لو كانت الكاتبة هبة حمادة قد عززت التأكيد ان ذلّ وضعف سعاد تجاه زوجها سببه إنها لم تنل حظها الكافي من التعليم يصبح النص معاصرا، وبالتالي لم تتح لها فرص العمل لتحمي نفسها بإستقلالها الاقتصادي، وتخلص من ذل الحاجة لزوج يقضي على كل الاحلام في الدنيا و... الآخرة، الا انها - المؤلفة هبة- لم تذكر الحاجة للعلم والعمل في كل المسلسل ليكون سندا لأحداث قادمة، وهو ما جعل تمرد سعاد بعد منتصف الحلقات والانتقاص لكرامتها بعد زواج زوجها باخرى واهانته لها، أمر غير منطقي في سياقه الدرامي فهي لم تتمرد الا بعد ان أوجعها عقاب... فقررت ان تعيد البنات الى دراستهن بما فيهن «بثينة الرئيسي» التي كانت بسبب تفوقها راغبة في السفر لبعثة دراسية فشاهدناها في الحلقات الاخيرة تعود للمدرسة الثانوية... . كيف... لا ادري لكنها... هي العجالة؟
* القصة لا تصلح لكويت اليوم للظروف الاجتماعية المنفتحة في البلاد، وهو ليس نفيا تاما لوجود مثل هذا الأب القاهر والمتسلط والمتحكم بأعناق ومصائر افراد اسرته من الاناث، الا انها لا تشكل ظاهرة اجتماعية واضحة للعيان وبالتالي لا تشكل شريحة اجتماعية عريضة بالمجتمع، واميل الى الاعتقاد ان القصة استلهام لعالم نجيب محفوظ وما اضافته هبة ان عكست «سي السيد» بـ «أم البنات» كما انها حررت الولد الوحيد الذكر من تسلط والده.
* لم تكن الشخصية الرئيسية سعاد عبدالله تنبئ عن أي ملامح ثورية على زمن خمسة عشرة حلقة، فهي شديدة الخنوع لم تقف مرة ضد زوجها ولو بالصوت الهامس من امامه او ورائه، لتدعم استمرار تعليم بناتها، لم تحاول تغيير وجهة نظره، فكانت آراء غانم بلا صدى، لم تعلن حتى لو بينها وبين نفسها عن انزعاجها من أمر ما... هنا... حين يأتي الانقلاب المفاجئ بالشخصية بعد منتصف الحلقات يكون غير مبرر بقوة، لان ثورتها لم تمهد لها من قبل.
* احد جوانب العجز في الكتابة الدرامية هو منح مساحة لصوت او حضور «الراوي» وهو الذي يسرد الاحداث بدلا من تمثيلها، والراوي لا ينفع ابدا في المسلسل التلفزيوني وهو يدل على عجز الكاتب عن ايجاد حلول درامية فيلجأ للراوي، وهو ينفع في الفضاء المسرحي بسبب محدودية المكان وليربط بين الاحداث «كالحروب الكبيرة» والاساطير، وتعدد الازمنة، والمواقع وغيرها... وحين تكون الكتابة الدرامية التلفزيونية ناضجة ومكتملة الاركان الفنية، فلا يجوز جعل البطلة تسرد احداثا معاصرة ما زالت تجري أحداثها الدرامية وهي تمثلها وبطلتها، وليست في الماضي السحيق.
العجز الدرامي ذاته كان في «فضة قلبها ابيض» لتكون الراوي سميحة أيوب، وهو يدل على ضعف الادوات الكتابية والحلول لدى المؤلفة حمادة التي ما زالت في بداية تجاربها... وأنجح إنموذج لضرورة وجود الراوي كضرورة درامية مهمة، ويمكن لهبة حمادة العودة لإنموذج روز (90 عاما) وهي آخر الناجين بعد غرق السفينة «تـــــايتـانـك».
* الكثير من المبالغات على صعيد الاحداث او الصور لم تكن موفقة، فالمسلسل يتبع المدرسة الواقعية يجسد قصصا كانت موجودة في حقبة ما، فما الذي حشره المخرج في صورة سعاد وخلفيتها عالم اخضر حين تأكل عباءتها السوداء، للاشارة الى تمردها على واقعها، ان هذه اللقطة الفنتازية لا علاقة لها بواقعية النص، بل أتت مخيفة ومقززة، فيمكن للمخرج ايجاد حلول اخرى بدلا من حشر الاساليب الفنية ببعضها.
* أثناء تنظيف غرفة الوالد أو لحظة تناول عقاب لطعامه لم تتغير نوعية الطعام طوال ثلاثين حلقة وهو رز ولحم أو نفس الرز عليه دجاج ودقوس وسلطة بالاطباق نفسها... وهو ما يعد بخلا في الانتاج، وتغاضي المخرج عن هذا الفقر الانتاجي.
* «غسل» قدمي الذكر، سواء كان أبا أو زوجا أو أخا هو سلوك مصري بحت، ولم يكن موجودا في الكويت كما قال الكثيرون ممن عاشوا تلك الحقبة الزمنية بالخمسينات، فما بالنا والكاتبة تعتبر مسلسل «ام البنات» قصة عصرية؟.
* من الـ «موتيفات» المصرية في مسلسل «أم البنات» هو وقوف البنات صفا واحدا أثناء أمام الأب الجبار للايغال في اظهار ممارسة الاب للقهر والتسلط على البنات. وهو ليس سلوكا كويتيا لا من القديم ولا المعاصر.
* كما ان الأب الثري جدا صاحب محلات المجوهرات عليه السماح لبناته لارتداء الاجمل والاغلى، فما بال البنات في قمة بهدلتهن وكأنهن من مستوى اقتصادي متدن وهو امر غير مبرر بمنع ذهاب البنات للاسواق، حسنا... ليكن مبررا... ما الذي يجعلهن لايستقبلن في البيت مندوبات الكتالوجات الالمانية والفرنسية اللواتي يزرن البيوت لتسجيل طلبات النساء من الأزياء والاكسسوارات، أو يدفع الاب لإحدى المحلات التي تأخذ بضاعتها لتوصيل جديدها من الازياء الى البيوت وهذا امر يحدث كثيرا للطبقات ذات المستوى الاقتصادي المرتاح... لكن... يبدو ان هذا هو الارخص والاسهل - لشركة الانتاج - بالرغم من انه -ما حلو- غير مبرر شكليا ودراميا.
* من غير المنطقي ايضا هروب البنت طيبة لتستكمل دراستها في الخارج... فكيف للبنت المقموعة ان تحصل على جواز سفرها في ظل أب متشدد، ثم سذاجة اسلوب الهروب، والقبض عليها، امور تدخل في قصص ارسين لوبين، لكن في «ام البنات» مكتوبة بشكل ساذج لا تقنع حتى الاطفال، كما ان قص شعر البنت سلوك مصري شاهدناه في الافلام المصرية.
* الكثير من التفاصيل لم تحترم وعي المشاهد، فالصيدليات الحكومية تصرف الادوية انسانيا والامر لا يحتاج الى توقيع وزير الصحة، وهو ما ارسله لنا احد الصيادلة ونشرناه في «قهاوي الراي» كما لا يجوز ان تنفرد سعاد بالقاضي في المحكمة لوحدها دون وجود قضايا اخرى وأناس آخرين في يوم عمل عادي ينتظرون حكم القاضي ثم «بتوسل قليل» تطلب منه طلاقها فيطيع امرها... كان على القاضي أن يطيعها فسعاد هي البطلة وهي المنتجة وهكذا انساق خيال الكاتبة للاستسهال.
* كما ان محمد السبع حين يحبس في سجن نظارة المخفر النظيفة جدا جدا جعلتنا نتساءل عن هذا المكان النظيف والمشرق والخالي من البشر... فغياب المساجين الآخرين كالعمالة الاسيوية تجعل الامر ليس واقعيا على مستوى الاحداث.
* لا يمكن ان نغلق أعيننا عن كمية «المضاعد» والاساور الذهبية التي ترتديها سعاد ومع هذا تشكو عدم وجود فلوس معها... لا يمكن نسيان ان الخالة «شفيقة» لديها راتبا حكوميا ومع هذا بعد ان «تعبت» المؤلفة نسيت كل هذا وأصبحن في حاله يرثى لها ناسيات كمية الذهب بأيدهن والممكن بيعه ليصرفن على حالهن بعد الهروب الكبير... كما رأينا في سياق الاحداث. فما هذه «الطرارة»... وادعاء البؤس والفقر و«ماكو فلوس للعشا»... الامر طبعا غير منطقي على الاطلاق.
* لا يمكن اعتبار حرق عقاب ليد زوجته / طليقته من خلال سكب ماء النار على زوجته التي أعلنت عصيانها، هذا «فعل» مصري تماما موجود من زمان وما زالت الصحف المصرية... تنشر استخدام ماء النار للانتقام في صفحات الحوادث المصرية، ولم يذكر تاريخنا الشفاهي أو المكتوب ان أحدا فعلها في الماضي أو بالحاضر... نعم... تحصل الاعتداءات البدنية من ضرب وعنف متعدد الاشكال لكن الحرق بماء النار... هو استعارة من المجتمع المصري.
* لم استمتع هذه المرة بأداء سعاد عبدالله، فلقد كانت باردة الاداء والاحساس حتى في المواقف المتفجرة كوفاة ولدها الوحيد صقر، فموته لم يكن فاجعة لها، الا «بالحكي» وليس بالاداء التعبيري ذو الشحنة العاطفية، سعاد لم تعبر عن حرقة قلب أم فقدت وحيدها... كأن المتوفي هو ابن الجيران؟؟... واعتقد ان الامر يعود لإنشغال سعاد بالانتاج الفني ودخول الامور المادية وكم صرفوا... وماذا يحتاجون... وكم يجب ان تدفع شركتها من الاموال؟ وهذه كلها امور شغلت بال سعاد عبدالله وغيبّت إحساسها بالدور.
* ليس بعيدا عن سعاد اكتشاف طاقات شبابية جديدة ان كان دعمها لصغيرات السن من الكاتبات كوهج وهبة مشاري حمادة، وفي مسلسل «أم البنات» تركت الخيط والمخيط لابراز القدرات التمثيلية لدى البنات، وأبرزهم شجون الهاجري، هيا عبدالسلام، فاطمة الصفي، وشوق، وحسين المهدي، وحمد العماني، وكان اختيارها للفنانين خالد البريكي، باسمة حمادة واحلام حسن والقفاص (لم ينل فرصته) واختيارها لشفيقة والسعودي محمد السبع موفقا.
* لم يقنعني ان يكون الممثل - اللي ينور الشاشة بحضوره - الفنان خالد البريكي أعمى، فالبريكي يضوي على كل عمل يشارك به، وهو اجاد الاداء التمثيلي لكن الشخصية لم تكن ثرية النفس دراميا.
* كيف لشاب مثل حمد العماني ان يحب شقيقاته في ظل كراهية الاب للبنات، والاب يجسد دائما المثل الاعلى لولده المدلل ويرث كل سلوكياته في البيت وفي نظرته للامور، فمن اين استمد «الحنان» عليهن والصحبة معهن، وكيف عرف ان والده يظلم شقيقاته... وبمن قارنه، فمن اين ورث السلوك الطيب، وامه ضعيفة وغير موجهة له.
* اكثر ما ازعجني -وكنا نشاهد المسلسل في مكاتبنا بالجريدة- هو هندسة الصوت «التعبانة»... فطوال الوقت نمسك بعنق الريموت كونترول لنخفض الصوت أو نعليه لان مستوى الصوت لم يسيطر عليه لا مهندس الصوت ولا انتبه له المخرج.
* لم تكن للمخرج عارف الطويل علاقة بجماليات الصورة، وقليلا ما كان يبرز قدرته على اللعب بكاميرته، كما اننا لم نشاهد رؤية بصرية موازية للحدث، وللحوارات بين الشخصيات، وكان اخفاقه الكبير في اضافة الفنتازيا في التهام سعاد لعبائتها وخلفها الكروما، وهي سقطة له.
* قدمت سعاد كمنتجة لمشاعل الزنكوي فرصة عمرها لتبرز قدراتها -ان كان لديها شيء في الاداء التمثيلي- الا ان مشاعل لم تتغير، ولم تقدم أحاسيس الشخصية الدرامية، وحين كبرت واستكبرت بعد زواجها بعقاب، لم نر تحولات شخصيتها الدرامية الا بالصوت الرفيع وليس بالاحساس، هي نفسها في كل أعمالها المنفعلة والصارخة والضاجة بماكياج عنيف ولوي الحنك، وهي انفعالات أكثر مما تسمح قدرات الدور لم تترك مشاعل أثرا، فلم توفق في الاستفادة من فرصة كبيرة وصلتها على طبق... من ذهب!.
* شكل الثنائي الجميل ياسة وفيصل بوغازي «كوبل» متناغم وجميل، وكان أداؤهما وأحاسيسهما رائعة ومقنعة، وقد كانا نقطة الجذب... والبهجة في «ام البنات».
* كان اختيار النجم غانم الصالح وهو في قمة عنفوانه الفني الآن جميلا جدا، فغانم الذي كرهه الناس بسبب ظلمه لبناته نجح في إقناع الناس بواقعية الدور وهذا يدل على روعة أدائه في التمثيل وتجسيده لشخصية عقاب.
* كان الكثيرون من المخرجين والممثلين من الصف الاول يقولون لي ان سعاد لا تقبل التصوير الا من جانب وجهها الايسر ولي الشرف الكبير «محسوبتكم ليلى»... التي سلطت فيه الضوء في العام الماضي - مع مسلسل «فضة قلبها أبيض» على اصرارها على تصوير جانب واحد من وجهها، و... موافقتها على «الكلوز» على وجهها فقط، وكنت دائما في سنوات ماضية أشدد في انتقادي لهذا الاصرار من سعاد الذي يجمد الصورة على جانب واحد، فيبدو تكراره مملا، فالتصوير من جانب واحد للشخصية الدرامية يفتقر للتنوع، وسعاد في «ام البنات» وافقت - طبعا دون ان تقول لي - على ان تأخذ الكاميرا راحتها من كل الجوانب، فجاءتها الكاميرا من اليمين كما جاءت من الشمال، فبدت طبيعية، وجهها الانساني ظهر منورا على الشاشة، كما انني انتقدت اللقطات «الكلوز» على وجهها التي كانت تظهرها ضخمة الملامح في الانف والشفتين في أعمالها السابقة، في مسلسل «ام البنات» كانت لقطات الكلوز نادرة - الكلوز هي اللقطة التي تأخذ فقط الوجه - وغالبية اللقطات كانت «ميديم شوت» فبدت سعاد كشكل منورة الشاشة ببشرتها الاقرب للطبيعة، وتحسب لها شجاعة التغيير.
بين مجمل الدراما الخليجية التي عرضت في رمضان الماضي حاز مسلسل «أم البنات» نجاحا جماهيريا ساحقا، وأكدت بهذا النجاح الكاتبة هبة حمادة حضورها واخراج عارف الطويل وبطولة سعاد عبدالله وغانم الصالح وباسمة حمادة وعلي جمعة وخالد البريكي ومحمد السبع وشفيقة وعدد من الوجوه الفتية التي لفتت الانظار لأدائها التمثيلي الرائع واطلالتها البسيطة، مثل فاطمة الصفي وشجون الهاجري وهيا عبدالسلام والممثلين الشباب حسين المهدي وحمد العماني وتفجر الموهبة الكوميدية للممثلين ياسة وفيصل بوغازي... وغيرهما، وكانت «ام البنات» بتوقيع المخرج السوري عارف الطويل، الذي لم يكن موفقا في الكثير من زواياه التصويرية، وخابت الكاميرا في الامساك بفرص التعبير عند الممثلين ولم نر أي جمالية بصرية في كادراته.
العمل حصد كأس التفوق في المشاهدة، ونال حظا وافرا من المتابعة، وهو أمر أعاد سعاد عبدالله الى واجهة الانتاج بعد تعثر استمر سنوات طويلة.
وقد نجحت «ام البنات» جماهيريا ولاقت في السعودية المرتبة الاولى سبقت به «طاش ما طاش» الذي له موقع في الذاكرة السعودية على اعتبار عمره الطويل و«خفة» ظله ونقده اللاذع بشكل كاريكاتيري ساخر للكثير من المواقف الحياتية هناك..
نجحت «أم البنات» في الكويت وبقية دول الخليج فكان الاول في المتابعة فبالرغم من أن الكثير من الكويتيين لم يتفقوا مع القصة التي قالوا عنها في «قهاوي الراي» انها قصة مصرية، وان المبالغة كبيرة الا ان حميمية العائلة والظروف التي تمر بها ومواجهتها وصراعها مع أقدارها وتمثيل حيوي لعدد من البنات والشخصيات الرئيسية و«ديناميكية» وبساطة حوارات المؤلفة حمادة كلها كانت عوامل لافتة للنظر، فأعطت البنات وأمهم الضربة القاضية لمسلسل «الحب الكبير» لعبدالحسين عبدالرضا، و«دمعة اليتيم» لحياة الفهد.
سعاد غلبتهم هذا العام لانها عرفت اللعبة في تقديم عمل شعبي وليس نخبويا، غازلت به المجتمعات المحافظة في الخليج مثل الجمهور السعودي وربما القطري ويمكن الإماراتي الذي قد يعيش بعض من ناس مجتمعهم الظروف الاجتماعية نفسها.
نجحت هبة في استلهام قصة اتخذت اسلوب «السهل الممتنع» في الشد والجاذبية وغموض الاحداث، في مسارات معقدة، الحبكة والبساطة في آن واحد، لها مداخل
وزواريب ومخارج غالبيتها منطقية واحيانا تائهة غير مقبولة بالعقل كالتحول العجيب في شخصية سعاد بعد الحلقة الخامسة عشرة وهي التي لم تفتح فمها يوما ولا ليلا احتجاجا على معاملة الزوج أو دعما لحق البنات في التعليم ومثل هذا الكثير وشعرنا ان الكاتبة «تعبت» في الحلقات الاخيرة و«ملت» فبدت الكثير من الهنات التي لم تؤثر على نجاح المسلسل، ومنها كانت ملحوظة وتحدث عنها الناس في الصحافة، وسنأتي على ذلك.
«أم البنات» مثلتها مجموعة من البنات الحلوات الواقعات تحت ضغط ابوي - مو طبيعي- خلقن خصوصية لعوالمهن، استطاعت سعاد عبدالله ان تدخل بيوت المشاهدين، لتقدم معاناتهن للناس.
كان عليّ ان اكتب عن المسلسل ابان عرضه على محطتي «الكويت» و«ابوظبي» في رمضان الماضي، الا ان إعدادي لصفحات «قهاوي الراي» يوميا شغلني في تحرير مسجات القراء واعادة صياغة وترتيب وتحضير الصور، وكنت أسعد حقيقة لعودة الروح الى سعاد عبدالله وأنشر كل مدح قاله القراء او ملاحظات نقدية، وهم الذين ايضا حسموا أمر نجاح «ام البنات» وأكدوا التفافهم حول قصة وأحوال بناتهم الجميلات.
والآن تعاد عرض حلقات «أم البنات» على عدد من القنوات، فيبدو ان سعاد التي بارك الله في بناتها في المسلسل، بالرغم من وقوفها ضدهن لصالح زوجها عقاب، الا ان الله طرح فيهن الخير والبركة... فساندنها وانتشرن عبر معظم المحطات الفضائية الخليجية.
وهنا نقاط عدّة عن مسلسل «أم البنات»
* من اساسيات الكتابة الدرامية ان تتحدث القصة عن ظواهر اجتماعية واضحة ومحددة المعالم لشريحة اجتماعية عريضة في مجتمع ما، وقصة مسلسل «أم البنات» لا تناسب الكويت سنة 2009، حيث اصبح تعليم البنات إجباريا وتحصل البنات على أعلى الدرجات العلمية واصبح امرا واقعا حتى في أكثرالعائلات تحفظا، والكثيرات سافرن في بعثات خارجية وأتيحت فرص العمل أمام جميع النساء، وقصة «ام البنات» ملائمة للاجواء الاجتماعية في فترة الخمسينات من القرن الماضي بالكويت والتي لم تكن المراة قد دخلت مضمارالتعليم والعمل الحكومي الا نادرا، وكان زمن الخمسينات هو مرحلة بداية تعليم البنات في البلاد، وكان الأب هو الذي يقرر ايقاف استمرار البنات في دراساتهن وقتما يشاء.
* كانت سنوات الخمسينيات فترة صعبة للمرأة الكويتية - كما نقرأ في الكتب ونسمع من الكبار الاجلاء - فهي لم تحصل على قدر من التعليم وتنساق لقيادة زوجها، تساعد اسرتها في «ضبها» في حالة وجود أي تمرد لدى ابنتهم.
* لو كانت الكاتبة هبة حمادة قد عززت التأكيد ان ذلّ وضعف سعاد تجاه زوجها سببه إنها لم تنل حظها الكافي من التعليم يصبح النص معاصرا، وبالتالي لم تتح لها فرص العمل لتحمي نفسها بإستقلالها الاقتصادي، وتخلص من ذل الحاجة لزوج يقضي على كل الاحلام في الدنيا و... الآخرة، الا انها - المؤلفة هبة- لم تذكر الحاجة للعلم والعمل في كل المسلسل ليكون سندا لأحداث قادمة، وهو ما جعل تمرد سعاد بعد منتصف الحلقات والانتقاص لكرامتها بعد زواج زوجها باخرى واهانته لها، أمر غير منطقي في سياقه الدرامي فهي لم تتمرد الا بعد ان أوجعها عقاب... فقررت ان تعيد البنات الى دراستهن بما فيهن «بثينة الرئيسي» التي كانت بسبب تفوقها راغبة في السفر لبعثة دراسية فشاهدناها في الحلقات الاخيرة تعود للمدرسة الثانوية... . كيف... لا ادري لكنها... هي العجالة؟
* القصة لا تصلح لكويت اليوم للظروف الاجتماعية المنفتحة في البلاد، وهو ليس نفيا تاما لوجود مثل هذا الأب القاهر والمتسلط والمتحكم بأعناق ومصائر افراد اسرته من الاناث، الا انها لا تشكل ظاهرة اجتماعية واضحة للعيان وبالتالي لا تشكل شريحة اجتماعية عريضة بالمجتمع، واميل الى الاعتقاد ان القصة استلهام لعالم نجيب محفوظ وما اضافته هبة ان عكست «سي السيد» بـ «أم البنات» كما انها حررت الولد الوحيد الذكر من تسلط والده.
* لم تكن الشخصية الرئيسية سعاد عبدالله تنبئ عن أي ملامح ثورية على زمن خمسة عشرة حلقة، فهي شديدة الخنوع لم تقف مرة ضد زوجها ولو بالصوت الهامس من امامه او ورائه، لتدعم استمرار تعليم بناتها، لم تحاول تغيير وجهة نظره، فكانت آراء غانم بلا صدى، لم تعلن حتى لو بينها وبين نفسها عن انزعاجها من أمر ما... هنا... حين يأتي الانقلاب المفاجئ بالشخصية بعد منتصف الحلقات يكون غير مبرر بقوة، لان ثورتها لم تمهد لها من قبل.
* احد جوانب العجز في الكتابة الدرامية هو منح مساحة لصوت او حضور «الراوي» وهو الذي يسرد الاحداث بدلا من تمثيلها، والراوي لا ينفع ابدا في المسلسل التلفزيوني وهو يدل على عجز الكاتب عن ايجاد حلول درامية فيلجأ للراوي، وهو ينفع في الفضاء المسرحي بسبب محدودية المكان وليربط بين الاحداث «كالحروب الكبيرة» والاساطير، وتعدد الازمنة، والمواقع وغيرها... وحين تكون الكتابة الدرامية التلفزيونية ناضجة ومكتملة الاركان الفنية، فلا يجوز جعل البطلة تسرد احداثا معاصرة ما زالت تجري أحداثها الدرامية وهي تمثلها وبطلتها، وليست في الماضي السحيق.
العجز الدرامي ذاته كان في «فضة قلبها ابيض» لتكون الراوي سميحة أيوب، وهو يدل على ضعف الادوات الكتابية والحلول لدى المؤلفة حمادة التي ما زالت في بداية تجاربها... وأنجح إنموذج لضرورة وجود الراوي كضرورة درامية مهمة، ويمكن لهبة حمادة العودة لإنموذج روز (90 عاما) وهي آخر الناجين بعد غرق السفينة «تـــــايتـانـك».
* الكثير من المبالغات على صعيد الاحداث او الصور لم تكن موفقة، فالمسلسل يتبع المدرسة الواقعية يجسد قصصا كانت موجودة في حقبة ما، فما الذي حشره المخرج في صورة سعاد وخلفيتها عالم اخضر حين تأكل عباءتها السوداء، للاشارة الى تمردها على واقعها، ان هذه اللقطة الفنتازية لا علاقة لها بواقعية النص، بل أتت مخيفة ومقززة، فيمكن للمخرج ايجاد حلول اخرى بدلا من حشر الاساليب الفنية ببعضها.
* أثناء تنظيف غرفة الوالد أو لحظة تناول عقاب لطعامه لم تتغير نوعية الطعام طوال ثلاثين حلقة وهو رز ولحم أو نفس الرز عليه دجاج ودقوس وسلطة بالاطباق نفسها... وهو ما يعد بخلا في الانتاج، وتغاضي المخرج عن هذا الفقر الانتاجي.
* «غسل» قدمي الذكر، سواء كان أبا أو زوجا أو أخا هو سلوك مصري بحت، ولم يكن موجودا في الكويت كما قال الكثيرون ممن عاشوا تلك الحقبة الزمنية بالخمسينات، فما بالنا والكاتبة تعتبر مسلسل «ام البنات» قصة عصرية؟.
* من الـ «موتيفات» المصرية في مسلسل «أم البنات» هو وقوف البنات صفا واحدا أثناء أمام الأب الجبار للايغال في اظهار ممارسة الاب للقهر والتسلط على البنات. وهو ليس سلوكا كويتيا لا من القديم ولا المعاصر.
* كما ان الأب الثري جدا صاحب محلات المجوهرات عليه السماح لبناته لارتداء الاجمل والاغلى، فما بال البنات في قمة بهدلتهن وكأنهن من مستوى اقتصادي متدن وهو امر غير مبرر بمنع ذهاب البنات للاسواق، حسنا... ليكن مبررا... ما الذي يجعلهن لايستقبلن في البيت مندوبات الكتالوجات الالمانية والفرنسية اللواتي يزرن البيوت لتسجيل طلبات النساء من الأزياء والاكسسوارات، أو يدفع الاب لإحدى المحلات التي تأخذ بضاعتها لتوصيل جديدها من الازياء الى البيوت وهذا امر يحدث كثيرا للطبقات ذات المستوى الاقتصادي المرتاح... لكن... يبدو ان هذا هو الارخص والاسهل - لشركة الانتاج - بالرغم من انه -ما حلو- غير مبرر شكليا ودراميا.
* من غير المنطقي ايضا هروب البنت طيبة لتستكمل دراستها في الخارج... فكيف للبنت المقموعة ان تحصل على جواز سفرها في ظل أب متشدد، ثم سذاجة اسلوب الهروب، والقبض عليها، امور تدخل في قصص ارسين لوبين، لكن في «ام البنات» مكتوبة بشكل ساذج لا تقنع حتى الاطفال، كما ان قص شعر البنت سلوك مصري شاهدناه في الافلام المصرية.
* الكثير من التفاصيل لم تحترم وعي المشاهد، فالصيدليات الحكومية تصرف الادوية انسانيا والامر لا يحتاج الى توقيع وزير الصحة، وهو ما ارسله لنا احد الصيادلة ونشرناه في «قهاوي الراي» كما لا يجوز ان تنفرد سعاد بالقاضي في المحكمة لوحدها دون وجود قضايا اخرى وأناس آخرين في يوم عمل عادي ينتظرون حكم القاضي ثم «بتوسل قليل» تطلب منه طلاقها فيطيع امرها... كان على القاضي أن يطيعها فسعاد هي البطلة وهي المنتجة وهكذا انساق خيال الكاتبة للاستسهال.
* كما ان محمد السبع حين يحبس في سجن نظارة المخفر النظيفة جدا جدا جعلتنا نتساءل عن هذا المكان النظيف والمشرق والخالي من البشر... فغياب المساجين الآخرين كالعمالة الاسيوية تجعل الامر ليس واقعيا على مستوى الاحداث.
* لا يمكن ان نغلق أعيننا عن كمية «المضاعد» والاساور الذهبية التي ترتديها سعاد ومع هذا تشكو عدم وجود فلوس معها... لا يمكن نسيان ان الخالة «شفيقة» لديها راتبا حكوميا ومع هذا بعد ان «تعبت» المؤلفة نسيت كل هذا وأصبحن في حاله يرثى لها ناسيات كمية الذهب بأيدهن والممكن بيعه ليصرفن على حالهن بعد الهروب الكبير... كما رأينا في سياق الاحداث. فما هذه «الطرارة»... وادعاء البؤس والفقر و«ماكو فلوس للعشا»... الامر طبعا غير منطقي على الاطلاق.
* لا يمكن اعتبار حرق عقاب ليد زوجته / طليقته من خلال سكب ماء النار على زوجته التي أعلنت عصيانها، هذا «فعل» مصري تماما موجود من زمان وما زالت الصحف المصرية... تنشر استخدام ماء النار للانتقام في صفحات الحوادث المصرية، ولم يذكر تاريخنا الشفاهي أو المكتوب ان أحدا فعلها في الماضي أو بالحاضر... نعم... تحصل الاعتداءات البدنية من ضرب وعنف متعدد الاشكال لكن الحرق بماء النار... هو استعارة من المجتمع المصري.
* لم استمتع هذه المرة بأداء سعاد عبدالله، فلقد كانت باردة الاداء والاحساس حتى في المواقف المتفجرة كوفاة ولدها الوحيد صقر، فموته لم يكن فاجعة لها، الا «بالحكي» وليس بالاداء التعبيري ذو الشحنة العاطفية، سعاد لم تعبر عن حرقة قلب أم فقدت وحيدها... كأن المتوفي هو ابن الجيران؟؟... واعتقد ان الامر يعود لإنشغال سعاد بالانتاج الفني ودخول الامور المادية وكم صرفوا... وماذا يحتاجون... وكم يجب ان تدفع شركتها من الاموال؟ وهذه كلها امور شغلت بال سعاد عبدالله وغيبّت إحساسها بالدور.
* ليس بعيدا عن سعاد اكتشاف طاقات شبابية جديدة ان كان دعمها لصغيرات السن من الكاتبات كوهج وهبة مشاري حمادة، وفي مسلسل «أم البنات» تركت الخيط والمخيط لابراز القدرات التمثيلية لدى البنات، وأبرزهم شجون الهاجري، هيا عبدالسلام، فاطمة الصفي، وشوق، وحسين المهدي، وحمد العماني، وكان اختيارها للفنانين خالد البريكي، باسمة حمادة واحلام حسن والقفاص (لم ينل فرصته) واختيارها لشفيقة والسعودي محمد السبع موفقا.
* لم يقنعني ان يكون الممثل - اللي ينور الشاشة بحضوره - الفنان خالد البريكي أعمى، فالبريكي يضوي على كل عمل يشارك به، وهو اجاد الاداء التمثيلي لكن الشخصية لم تكن ثرية النفس دراميا.
* كيف لشاب مثل حمد العماني ان يحب شقيقاته في ظل كراهية الاب للبنات، والاب يجسد دائما المثل الاعلى لولده المدلل ويرث كل سلوكياته في البيت وفي نظرته للامور، فمن اين استمد «الحنان» عليهن والصحبة معهن، وكيف عرف ان والده يظلم شقيقاته... وبمن قارنه، فمن اين ورث السلوك الطيب، وامه ضعيفة وغير موجهة له.
* اكثر ما ازعجني -وكنا نشاهد المسلسل في مكاتبنا بالجريدة- هو هندسة الصوت «التعبانة»... فطوال الوقت نمسك بعنق الريموت كونترول لنخفض الصوت أو نعليه لان مستوى الصوت لم يسيطر عليه لا مهندس الصوت ولا انتبه له المخرج.
* لم تكن للمخرج عارف الطويل علاقة بجماليات الصورة، وقليلا ما كان يبرز قدرته على اللعب بكاميرته، كما اننا لم نشاهد رؤية بصرية موازية للحدث، وللحوارات بين الشخصيات، وكان اخفاقه الكبير في اضافة الفنتازيا في التهام سعاد لعبائتها وخلفها الكروما، وهي سقطة له.
* قدمت سعاد كمنتجة لمشاعل الزنكوي فرصة عمرها لتبرز قدراتها -ان كان لديها شيء في الاداء التمثيلي- الا ان مشاعل لم تتغير، ولم تقدم أحاسيس الشخصية الدرامية، وحين كبرت واستكبرت بعد زواجها بعقاب، لم نر تحولات شخصيتها الدرامية الا بالصوت الرفيع وليس بالاحساس، هي نفسها في كل أعمالها المنفعلة والصارخة والضاجة بماكياج عنيف ولوي الحنك، وهي انفعالات أكثر مما تسمح قدرات الدور لم تترك مشاعل أثرا، فلم توفق في الاستفادة من فرصة كبيرة وصلتها على طبق... من ذهب!.
* شكل الثنائي الجميل ياسة وفيصل بوغازي «كوبل» متناغم وجميل، وكان أداؤهما وأحاسيسهما رائعة ومقنعة، وقد كانا نقطة الجذب... والبهجة في «ام البنات».
* كان اختيار النجم غانم الصالح وهو في قمة عنفوانه الفني الآن جميلا جدا، فغانم الذي كرهه الناس بسبب ظلمه لبناته نجح في إقناع الناس بواقعية الدور وهذا يدل على روعة أدائه في التمثيل وتجسيده لشخصية عقاب.
* كان الكثيرون من المخرجين والممثلين من الصف الاول يقولون لي ان سعاد لا تقبل التصوير الا من جانب وجهها الايسر ولي الشرف الكبير «محسوبتكم ليلى»... التي سلطت فيه الضوء في العام الماضي - مع مسلسل «فضة قلبها أبيض» على اصرارها على تصوير جانب واحد من وجهها، و... موافقتها على «الكلوز» على وجهها فقط، وكنت دائما في سنوات ماضية أشدد في انتقادي لهذا الاصرار من سعاد الذي يجمد الصورة على جانب واحد، فيبدو تكراره مملا، فالتصوير من جانب واحد للشخصية الدرامية يفتقر للتنوع، وسعاد في «ام البنات» وافقت - طبعا دون ان تقول لي - على ان تأخذ الكاميرا راحتها من كل الجوانب، فجاءتها الكاميرا من اليمين كما جاءت من الشمال، فبدت طبيعية، وجهها الانساني ظهر منورا على الشاشة، كما انني انتقدت اللقطات «الكلوز» على وجهها التي كانت تظهرها ضخمة الملامح في الانف والشفتين في أعمالها السابقة، في مسلسل «ام البنات» كانت لقطات الكلوز نادرة - الكلوز هي اللقطة التي تأخذ فقط الوجه - وغالبية اللقطات كانت «ميديم شوت» فبدت سعاد كشكل منورة الشاشة ببشرتها الاقرب للطبيعة، وتحسب لها شجاعة التغيير.