لن يلعب الكونغرس الأميركي أي دور في الموافقة على الاتفاق النووي الإيراني أو منْعه، لأن المفاوضين الغربيين في فيينا اعتبروا أن اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 سيُعاد إحياؤه بملحقٍ يشرح بعض مواده ويربط البعض الآخر بشروط محددة.
وكان من المقرر أن يسافر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى النمسا للقاء نظيره الأميركي أنتوني بلينكن في أوروبا، أثناء زيارة الأخير «الجبهة الشرقية» المتاخمة للحرب الروسية - الأوكرانية.
وعلى الرغم من أن التفاصيل الطفيفة في المسودة الأخيرة للاتفاق النووي كانت لا تزال معلَّقة، فقد تدخلت روسيا لتأجيل إبرام الاتفاقية النووية إلى ما بعد عيد النيروز الواقع في الحادي والعشرين من هذا الشهر، وطلبت اتفاقاً مكتوباً من الولايات المتحدة التي من المفترض أن تجد طريقها لتجاوز التعقيدات التي فرضتها موسكو في اللحظات الأخيرة.
كان الاتفاق النووي - الذي وُقع عام 2015 ومزّقه الرئيس دونالد ترامب ويفاوض عليه الرئيس جو بايدن - على وشك التوقيع باجتماعٍ مباشر بين المسؤولين الإيرانيين والأميركيين للمرة الأولى.
إلا أن موسكو طلبت ضماناتٍ خطيةً من الولايات المتحدة بأن العقوبات المفروضة عليها لن تضر التعاون الروسي في «التجارة والاستثمار والتعاون العسكري التقني» (مع إيران).
وردت وزارة الخارجية الأميركية بأن العقوبات على روسيا «لا علاقة لها ولا ينبغي أن تؤثّر على تنفيذها المحتمل».
ومع ذلك، فإن اهتمام روسيا يستند إلى تجربتها مع الوعود الأميركية التي لم يتم الإيفاء بها والتي هي أصل الحرب على أوكرانيا وخصوصاً لجهة مطالبة حلف «الناتو» بعدم التقدم «شبراً واحداً» والبقاء داخل حدوده لعام 1997 كما وعدت واشنطن الرئيسين السوفياتي ميخائيل غورباتشيوف والروسي بوريس يلتسين.
في 2015، اتهم وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، موسكو بتأخير توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة، قائلاً إن مصلحة روسيا هي إبعاد إيران عن سوق الطاقة وعن الغرب.
ومع ذلك، فإن طهران في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي تتّبع سياسةً مختلفة تجاه الغرب عن سلفه حسن روحاني.
وقرر رئيسي أن علاقة إيران بالشرق استراتيجية وأن العالم ليس مؤلفاً فقط من دول غربية بل من دول وقارات متعددة.
وتظلّ الولايات المتحدة عدوة إيران، حتى لو كانت الصفقات التجارية تنتظر الانطلاق مع أو من دون اتفاق نووي.
وقد وقّعت طهران صفقات بمئات المليارات من الدولارات مع الصين وروسيا منذ تسلُّم رئيسي دفة البلاد.
ولذلك، ليس من المتوقع أن تؤثر علاقة إيران والغرب على الصفقات الموقّعة مع آسيا.
وتتركز مصلحة روسيا على تأجيل الصفقة النووية بين الغرب وإيران كي تعاني الولايات المتحدة وأوروبا من عواقب عقوباتهما على موسكو بسبب الحرب على أوكرانيا.
وتفضّل موسكو ألا تجد احتياطات النفط الإيرانية الكبيرة طريقها إلى السوق الغربية والتي من شأنها تخفيف العبء الثقيل الناتج عن مخاوف تأثير العقوبات على سكان الدول الغربية.
ومن المتوقع أن يؤدي إعادة ضخ النفط الإيراني إلى السوق الدولية إلى انخفاض أسعار النفط بشكل كبير.
ولذلك يخشى القادة الأوروبيون تأخير تدفق الطاقة الإيرانية في أسواقهم والذي من الممكن أن ينعكس تراجُعاً في الزيادة الكبيرة على أسعار السلع التي نتجت عن ارتفاع سعر النفط الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق.
ويعتقد المسؤولون الإيرانيون أن روسيا لا يمكن أن تؤجل الاتفاق النووي لفترة طويلة وأن الحرب في أوكرانيا تسمح أيضاً لإيران بالاستفادة من ارتفاع أسعار النفط على الرغم من تصديرها المنخفض له في الوقت الراهن.
علاوة على ذلك، تود الوكالة الدولية للطاقة الذرية إزالة بعض المخاوف الغربية المتعلقة بالادعاءات بأن «لدى طهران برنامجاً سرياً للأسلحة النووية».
وفي رأي إيران أن مثل هذا الاتهام تم توجيهه من مصادر استخباراتية إسرائيلية وبريطانية لتأخير الاتفاق النووي.
ولن تقبل طهران بالتوقيع على الاتفاق النهائي ما لم تتم إزالة هذه المخاوف لأنها لا تريد السماح للغرب، في أي وقت في المستقبل، بإلغاء الصفقة أو تجميدها أو فرض عقوبات تحت هذا العنوان.
وهذا هو سبب اتفاق كل من إيران والوكالة الذرية على الانتهاء من هذه القضية بالذات بحلول يونيو المقبل.
من ناحية أخرى، يعتقد المسؤولون الإيرانيون أيضاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت كان طلب - لكن تم رفض طلبه حسب المصادر الايرانية - لعب دور الوسيط بين روسيا والغرب لتخفيف التوتر إذا تمكنت موسكو من تأخير الاتفاق النووي.
ولا يمكن التحقق من مثل هذه الادعاءات، لكن الطلب الروسي بتأجيل التوقيع تم فعلا لأسباب من الممكن أن تكون منفصلة عن زيارة بينيت.
وتدرك إيران أن روسيا ترغب في «لي ذراع الغرب» ولديها مطلب مشروع يتعلق ببيع فائض الاحتياطات النووية المتراكمة في إيران منذ عام 2019 حين بدأت طهران تخرج عن الاتفاق بعد سنة كاملة من التخلي الأميركي عنه.
وأعلنت إيران أن لديها 33 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب و127 كيلوغراماً بنسبة نقاء 20 في المئة.
وتقيد خطة العمل المشتركة النقاء إلى 3.67 في المئة من اليورانيوم المخصب، ويتعيّن بيع الفائض لروسيا التي يمكنها إعادة بيعه في السوق الدولية.
وأكدت إيران أنها ستواصل إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة تحت إشراف الوكالة الذرية ولأغراض مدنية بموجب الاتفاقية المرفقة الجديدة.
إلا أن موسكو تطالب واشنطن بتقديم التنازلات لطهران ولها، للسماح لهما بالاستمرار في هذا التعاون وفي مجالات أخرى.
وتشعر إيران بأنها في موقع قوة بعدما رفضت أي مفاوضات أو نقاش يتعلق بقدراتها العسكرية ودعمها لحلفائها في الشرق الأوسط وخارجه (أميركا اللاتينية وآسيا الوسطى، على سبيل المثال لا الحصر).
ولم تكن الولايات المتحدة في وضع يسمح لها بفرض أو إملاء شروط أثناء المفاوضات، وقد بدد ذلك المخاوف الإيرانية في الوقت الحالي.
وتالياً، فإن طهران لا تريد صفقة نووية منقوصة تم التوصل إليها بنسبة تصل إلى 98 في المئة حتى الآن.
وقد وافقت الولايات المتحدة على رفْع كل العقوبات المفروضة على الحرس الثوري، وكانت على وشك الإعلان عن توقيع المسودة الأولى خلال احتفال الحرس الثوري بذكرى ولادته (الأحد 6 مارس).
كما وافقت واشنطن على رفع العقوبات عن الشخصيات التي يُنظر إليها على أنها تحت إشراف مكتب السيد علي خامنئي.
ومع ذلك، يمكن توقُّع أن التوقيع النهائي سيتأخر لأسابيع إضافية إلى حين الاحتفال الإيراني بعيد النيروز السنوي.
إن الولايات المتحدة حريصة على توقيع الصفقة لأن السوق الدولية تنتظر بشغف مصادر الطاقة الإيرانية لتنخفض الأسعار قليلاً.
وهي مسألة أسابيع قبل انعقاد الاجتماع المباشر بين واشنطن وطهران.
ومع ذلك، فإن اللقاء الأول سيكون بداية اللقاءات المتكررة والمتعددة لأن من المتوقع أن تنتهي خطة العمل الشاملة المشتركة في السنوات السبع المقبلة.
ولذلك، فإن من المفترض أن تستمر الجلسات بين البلدين، ولكن عندما تكون إيران راضية عن الضمانات الأميركية وتنفيذ الاتفاق النووي كما اتُفق عليه بعد 8 جلسات في فيينا.
وفي ما يتعلق بالاتفاقية الذرية حصرياً، تعتقد إيران أن بإمكانها الاسترخاء أكثر ما دام الديموقراطيون الأميركيون في السلطة. أما في أي ملف آخر، فيبقى الاصبع على الزناد بين الدولتين.