احتضن ثرى الكويت، الأسبوع الماضي، جثمان وكيل وزارة الإسكان الأسبق عبدالوهاب أحمد العوضي، الذي وافته المنية بعد مسيرة مهنية حافلة بالعطاء.
وبرحيل العوضي، فقدت الكويت أحد رجالاتها الذين جُبلوا على العطاء، حيث اتصف بتواضعه غير المحدود، ويعتبر من الرعيل الأول، وأول من أوكلت إليه مهمة توزيع المساكن على الكويتيين، حيث عمل بنفس المهمة في وزارتين مختلفتين.
ويعود للراحل الفضل في إصدار قانون تنظيم الإسكان، ليكون بذلك هو أول من وضع هذا القانون في الكويت، وهو القانون الذي أدى حتى يومنا هذا إلى توفير الرعاية السكنية للمواطنين في مختلف مناطق الكويت، وفقاً لأسس واشتراطات معينة، كما أنه يعتبر من أوائل من أسسوا الأندية الكويتية لاعباً وإدارياً.
النشأة والهواية
ومن كتاب «شخصيات من آل العوضي في الكويت» لمؤلفه عبدالمحسن العوضي، نقتبس شيئاً من سيرة الراحل عبدالوهاب العوضي، حيث ولد في عام 1934 بمنطقة شرق، وتحديداً في فريج هلال، وفي عام 1940 درس في المدرسة الشرقية الابتدائية قبل أن ينتقل إلى المدرسة المباركية لدراسة المرحلة، المتوسطة، والمرحلة الثانوية.
وكان من أصدقائه منذ ريعان الشباب سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، والشيخ سالم صباح الناصر، وسيف الشهاب، وعبدالعزيز الخطيب.
في العام 1946 وأثناء دراسة عبدالوهاب العوضي في مدرسة المباركية قام ومعه بعض أصدقائه من الذين يقطنون بمنطقة شرق، منطقة الجبلة (القبلة) بتأسيس فريق لكرة القدم تحت مسمى فريق المعارف، وكان لهذا الفريق مهارية بلاعبيه، ويحوز في معظم الأحيان على البطولات التي تقام في الأحياء الكويتية، وقد اتفقوا في ما بينهم وعزموا الأمر على تأسيس نادٍ رياضي، وكانوا بحاجة إلى مقر فقام الحاج أحمد العوضي والد عبدالوهاب بإعطائهم ديوانية منزله لاستخدامها كمقر للنادي.
وكانت الديوانية كبيرة، ولها بابان أحدهما يطل على الفريج (الحي)، وكان أعضاء النادي يلعبون في ملعب مدرسة النجاح، وأطلقوا على ناديهم اسم العروبة، واستمر إلى عام 1959، وكان لهذا النادي شأن في البطولات المحلية، وكان عبدالوهاب العوضي يشغل مركز حراسة المرمى في النادي.
ومع تأسيس النادي العربي الرياضي، لعب له فكان أول حارس مرمى لمنتخب الكويت والنادي، ثم أصبح عضواً في أول مجلس الإدارة النادي العربي بتاريخ 11 سبتمبر 1961، بعد أن انتخبت الجمعية العمومية عشرة أعضاء، وتم اختيار مهلهل المضف رئيساً للنادي، وبعد أن قامت وزارة الشؤون بحل مجلس إدارة النادي العربي عينت مجلس إدارة موقتاً كان عبدالوهاب العوضي أحد أعضائه.
وفي بداية الستينيات، عمل عبدالوهاب العوضي في اتحاد ألعاب القوى لسنوات عدة، وكان كذلك حكماً في مباريات كرة القدم ومنافسات ألعاب القوى وسباق الدراجات. كما كان عضواً في عدد من الهيئات، منها مؤسس وعضو رابطة الاجتماعيين، ونائب رئيس اللجنة الأوليمبية الكويتية الموقتة.
من «الشؤون» إلى «الإسكان»
في العام 1954، عمل عبدالوهاب العوضي في وزارة الشؤون موظفاً بدائرة المساعدات الاجتماعية، وكانت الكويت آنذاك يحكمها الشيخ عبدالله السالم طيب الله ثراه، وقد أمر بصرف إعانات ومساعدات للأرامل والمطلقات والأيتام، وأنيطت هذه المهمة بدائرة المساعدات الاجتماعية بوزارة الشؤون، وكان يعمل في نفس الدائرة عبدالعزيز السعدون، وأحمد الزنكي وفيصل المرزوق، وهم أيضا أصدقاء عبدالوهاب العوضي منذ مراحل الدراسة.
وبعد سفره خارج البلاد، عاد عبدالوهاب العوضي إلى الكويت، والتحق بعمله بوزارة الشؤون إخصائياً اجتماعياً في إدارة المساعدات الاجتماعية، واستمر فيها إلى العام 1968، ترقى خلالها إلى مدير إدارة المساعدات الاجتماعية، وبعد ذلك، وبترشيح من وزير الشؤون آنذاك خالد المضف، تم تعيينه بمرسوم أميري وكيلاً مساعداً لشؤون الإسكان، بعد استحداث إدارة للإسكان في الوزارة، وعند نشر القرار في الجريدة الرسمية كان يتواجد في العاصمة البريطانية لندن للعلاج من مرض الديسك الذي أصاب ظهره، وعندما عاد باشر عمله في منصبه الجديد، وكان ذلك في عام 1968.
وفي العام 1975، تم إنشاء وزارة الإسكان، وتم تعيين حمد العيار وزيراً لها، وتم نقل إدارة الإسكان من وزارة الشؤون إلى وزارة الإسكان، وتم تكليف عبدالوهاب العوضي بتأسيس وتطوير إدارة خدمات الإسكان في وزارة الإسكان.
وعندما باشر عبدالوهاب العوضي عمله في الوزارة، أصدر قانوناً لتنظيم الإسكان ليكون بذلك هو أول من وضع هذا القانون في الكويت، وهذا القانون هو الذي أدى وإلى يومنا هذا إلى توفير الرعاية السكنية للمواطنين في مختلف مناطق الكويت، وفقاً لأسس واشتراطات معينة.
وظل وكيلاً للإسكان حتى العام 1986، حيث تقاعد عن العمل، ويعتبر أول وآخر وكيل للإسكان لأنه تم إلغاء وزارة الإسكان بعد تقاعده، وتم إسناد مهمات العمل للهيئة العامة للإسكان.
إنجازات
خلال أكثر من 33 عاماً، من عمل عبدالوهاب العوضي، سواء في وزارة الشؤون أو في وزارة الإسكان، ترك إنجازات كبيرة تحسب له، من أهمها:
وضع قانون للرعاية السكنية.
الإشراف على توزيع المنازل على المواطنين في جميع مناطق الكويت آنذاك.
مساعدة الأسر الكويتية المحتاجة للحصول على الرعاية السكنية.
عمل على أن تكون وثيقة المنزل مشروطة، فلا يحق للمواطن بيع منزله إلا بعد عشر سنوات بعد سداد قيمة المنزل.
أنشأ لجنة للنظر في استثناء الأسر الكويتية التي لا ينطبق عليها قانون الإسكان، مراعاة للظروف الإنسانية خصوصاً أن القانون كان جديداً وغير مكتمل.
تنظيم عملية التبادل والتنازل بين المواطنين الذين استحقوا الرعاية السكنية.
هوايات
من الهوايات المحببة لعبدالوهاب العوضي القراءة، وكان يمتلك مكتبة كبيرة فيها العديد من الكتب والمجلات والمجلدات من الكويت ومصر ولبنان، إضافة إلى عدد من الأشرطة الغنائية لفنانين وفنانات عرب مثل أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، وعندما أنشئت إذاعة الكويت قام بإهدائها عدداً من هذه الأشرطة، ومن هواياته والتي مازالت تلازمه حتى أواخر حياته هي زراعة أشجار النخيل.
ويروي ابنه الدكتور أحمد أن والده منذ زمن بعيد كان بعد كل وجبة غداء يقوم بتجميع نوى التمر (الطعام)، وسط تعجب أبنائه، وكان يقوم بزراعة هذه النوى في أحواض صغيرة، وبعد مرور السنوات وفي عام 1995، وأثناء ذهاب الأسرة إلى الشاليه الخاص بهم بمنطقة الضبيعية، لاحظ الدكتور أحمد أن الملعب الذي كانوا يلعبون فيه في الثمانينيات قد امتلأ بأشجار النخيل المثمرة، فأخبره والده بأن هذه الأشجار نتاج ما كان يجمعه من نوى التمر ويزرعه في الأحواض، وحالياً يعطي إنتاجه من التمر لكل من يرغب مجاناً لوجه الله.