سُئل الكولونيل لورنس، أيّ شخصية في العالم أكبر نفوذاً وأعظم شأناً؟ وكان جوابه «النيل».
لورنس، العسكري والسياسي الُمحنّك الذي أحاط بملوك وأمراء الشرق العربي، هكذا أنزل النهر منزلة العاقلين وجعل منه شخصية بارزة... النيل شخصية في التاريخ والحضارة والغذاء، الذي كان يهب الشرق والغرب، من اليونان ودول الخلافة الإسلامية، نظام الخراج... حتى تعلّم من زراعة وادي النيل أهل الشرق والغرب... مصر تستند على كتفي أفريقيا وآسيا، طمع فيها الغرب لتكون له قاعدة نحو طريق الهند.
النيل هو شخصية الحضارات... صُنّاعها أُمم وفدت إلى مصر وبنَت حضارتها لوجود هذا النهر العظيم... اليونان والإغريق والفرس وليبيا... مصر يحتضنها البحران الأبيض والأحمر... أيام الفراعنة ذهبت سُفنهم إلى العالم الجديد وما أطلق عليها في العصور الحديثة، كندا والولايات المتحدة وأميركا الجنوبية.
منابع النيل احتار القدماء في مواقعها، قالوا من «جبال القُمر»... وتدخلت معتقدات خرافية في منابع النيل التي تُديم جريانه طوال العام منذ آلاف السنين... في أواسط القرن 19 حاول كثيرٌ من الرحالة معرفة أسرار النيل فلم يظفروا بطائل... محمد علي الكبير حاكم مصر، بعث ثلاث بعثات بين سنتي 1840 و1842 فعادوا بخفّي حُنين.
اكتشف الرحالة الإنكليزي سبيك «بحيرة تانجانيقا» بين سنتي 1857 و1859... صحراء مصر وصحراء ليبيا ظمآتان، وعلميّاً يمكن تغيير مصب النيل إلى الصحراوين، اللتين تُعانيان الظمأ، منذ آلاف السنين، والحاجة إلى مياه النيل تضاعفت بعد أن أمسكت السماء في أعوام عديدة.
والآن جاءت مسألة اختزان الماء في السدود... كما أكثرت تركيا سدودها لتنخفض مياه دجلة والفرات في سورية والعراق. والفرات يمر في وسط سورية، أمّا دجلة فيمر في زاوية سورية الشرقية لخمسين كيلومتراً، لم يطلها العمران بعد.
وينذر حصر المياه بالسدود في إثيوبيا وتركيا بكوارث مستقبلية... لتنشب بعدها أزمات وحروب.