تُعد التجربة الديموقراطية في الكويت من أقدم وأرسخ التجارب السياسية في منطقة الخليج العربي، حيث انتهجت الكويت منذ نشأتها نهجاً شورياً يؤسس للعلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس الشراكة في السلطة، وقد ترجم ذلك من خلال تأسيس أول مجلس تشريعي في البلاد عام 1938، الذي شكّل نقطة انطلاق حقيقية نحو بناء مجتمع ديموقراطي يقوم بضمان توفير آليات المشاركة السياسية والرقابة التشريعية، ويعكس مدى الاستقرار الداخلي في الكويت وهو ما يُشير بوضوح إلى الوزن الاستراتيجي للقرار الكويتي في المحافل الإقليمية والدولية.

حدود التأثير

من هذا المنطلق تأتي أهمية هذه الدراسة التي أعدها الباحث المتخصص في دراسات القوة الناعمة أسعد الفهد، بعنوان: «المشاركة السياسية في الكويت كإحدى أدوات القوة الناعمة وأثرها في اتخاذ القرار»، لفهم طبيعة التأثير الذي تُشكله المشاركة السياسية في عملية صنع القرار من خلال الرقابة والتشريع، وتأثيراته على الوزن الاستراتيجي للكويت إقليميًا ودوليًا وكذلك التعرّف على إستراتيجيات المشاركة السياسية والوقوف على التحديات والمعوقات التي تواجه المشاركة السياسية على نحو فاعل ومؤثر في الكويت.

قضايا شائكة

وناقش الباحـث في دراستـه العديد من القضايـا الشائكة المتعلقـة بالمشاركـــة السياســيــة وعلاقـتهــا بالتطــور الديموقراطي، وإلى أيّ مدى تُشكّل هذه العلاقة دعماً لعمـليـة التـحــوّل الديموقـــراطي، كــمــا تطـــرّق إلـــى الحديث عن الثقافـــة والقـــيــم الديموقراطيـــة ومـــــدى ارتباطها بعملية المشاركة السياسية وأدائها، وما مدى رسوخها لدى التيارات السياسية فــــي الكويت، وانعكاسات ذلـــك داخلـيــــاً علـــى استقــــرار الكويـــت وخارجياً علـــى موقـــع الكويت الاستراتيجي الـــذي جعل منها وسيطاً دولياً في الكثير من الأزمات الدولية وهو ما رصده الباحث في دراسة سابقة له عن دور الكويت كوسيط في الأزمات الدولية بفضل قوتها الناعمة.

ورأى الباحث أن غياب الأحزاب وان كان يشكّل قصوراً، إلا أنها موجودة بصورة أخرى على الساحة السياسية الكويتية، من خلال التنظيمات السياسية بمختلف اتجاهاتها وأيديولوجياتها الفكرية التي تمارس نشاطها السياسي منذ عشرات السنين وبكل حرية، موضحاً أنها تشارك في الحياة السياسية بفاعلية واضحة، كما أنها تشارك في الحكومات أيضاً، بما يؤكد أن السلطة السياسية في دولة الكويت تعترف بوجود هذه التنظيمات، وتتعامل معها باعتبارها أمراً واقعاً، وهذا يشير إلى تفاعل القوى السياسية في المجتمع مع السلطة في صناعة القرار الداخلي والخارجي للكويت، ويعبّر عن نضج النموذج الديموقراطي في الكويت وأنه جدير أن يُحتذى وسابق للعديد من الدول في المنطقة، ولا شك أن هذا يشكّل أحد مصادر قوة الكويت الناعمة وسط جيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي.

وأكد الفهد أن الأحداث المتسارعة التي مرّ بها تطور المجتمع الكويتي، قد أدت إلى تواجد مصادر عديدة داخل التكوين الاجتماعي للشعب الكويتي وتحولها إلى أدوات منحت القرار الكويتي القوة في الكثير من المواقف الدولية مثل موقفها الداعم للقضية الفلسطينية، وموقفها الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني والذي يستند إلى تأييد شعبي واضح.

الإصلاح السياسي والتحوّل الديموقراطي

ولفت الفهد الانتباه إلى تداخل وتشابك بين مفهوم الممارسة الديموقراطية من جهة، وبين إجراءات الإصلاح السياسي من جهة أخرى، حيث تؤدي الأخيرة إلى حدوث تطوّر إيجابي في الممارسة الديموقراطية، ومن ثم، فإن قياس عمليات الإصلاح السياسي في دولة ما غالباً ما تتداخل مع معايير قياس ما تخوضه هذه الدولة في عملية الممارسة الديموقراطية، كذلك، تنبع أهمية عملية الانتخابات البرلمانية من كونها تعكس طبيعة المجتمع، وواقع مكوناته الداخلية، فلا يمكن تصوّر عملية ديموقراطية دون الحديث عن قدرة الشعب على المشاركة السياسية.

المشاركة الشعبية كقوة ناعمة أثناء الغزو وأكد أن التجربة الديموقراطية في الكويت بالرغم من بعض السلبيات، فإن رصيدها في المشاركة السياسية لا يُمكن إنكاره، وقد أسهمت إرهاصاتها في إنضاج التجربة وخلق مزيد من الوعي السياسي بالأهمية المتصاعدة للمشاركة الشعبية كقوة ناعمة والتي تجسّدت بصورة واضحة في مؤتمر جدة الشعبي، وهو ما شجّع المجتمع الدولي على الوقوف بجانب الكويت لاسترداد أرضها ونظام الدستوري.

وأوضح أن القوى الشعبية المشاركة في مؤتمر جدة أعادت تموضعها مجدداً في الحياة السياسية بعد التحرير، وقد شهدت خريطة القوى السياسية على الساحة الكويتية تغيرات جذرية بعد الغزو رسمت معالم تلك المرحلة، وقد أدت تداعيات الأزمة إلى اندفاع تلك القوى الشعبية للتعبير عن نفسها في تنظيمات أقرب ما تكون إلى الأحزاب غير الرسمية، وبدأت هذه التيارات السياسية بالفعل في تكوين نسيج الحياة السياسية في الكويت وشاركت في صناعة القرار بنسب متفاوتة وعلى فترات متعاقبة.

المشاركة السياسية كقوة ناعمة

وأشار إلى أن المشاركة السياسية وفق الأطر الدستورية والقائمة على انتخابات حرة نزيهة، والمعبّرة عن طموحات مكونات المجتمع وقضاياه عندما تمارس دورها الرقابي والتشريعي من خلال التمثيل في المجالس التشريعية مثل مجلس الأمة هي في الحقيقة تمثل قوة ناعمة امام المجتمع الدولي كونها تعبّر عن طموحات المجتمع وتلبي احتياجاته التشريعية وتحمي قيمه وأفكاره وتشرّع القوانين الملائمة لواقعه ومتطلباته الحالية والمستقبلية.

وتابع ان الأدوات الدستورية التي يمنحها الدستور للنائب في مجلس الأمة مثل السؤال البرلماني والاقتراح برغبة والاقتراح بقانون والاستجواب والمشاركة في اللجان كلها أدوات يستخدمها النائب، وقد حصل عليها بالتأييد الشعبي أولًا في صناديق الانتخاب، ليمارس دوره بعد ذلك باعتباره شريكًا في السلطة وهي بطبيعة الحال تمثل جوهر المشاركة السياسية كقوة ناعمة عبر المجالس النيابية وتزيد من رصيد الكويت قيادة وشعباً امام المجتمع الدولي.

الديوانيات كقوة ناعمة

وكشف أن ديموقراطية الكويت تتسم بأنها نتاج بيئتها بكل ما تتضمنه من خصوبة في الفكر وعمق في الممارسة وأصالة تميزها عن غيرها من الدول بحيث توصلت إلى إضفاء طابع خاص على ممارستها الديموقراطية، وأكبر مثال على ذلك الديوانيات التي تعتبر الوعاء الحقيقي للمشاركة السياسية ومناقشة كل ما يخص القضايا المطروحة في الساحة الكويتية ويعكس متانة وتماسك الجبهة الداخلية للشعب الكويتي ولا شك أن هذا أحد المؤشرات المهمة لقياس قوة الدول الناعمة.

الحوار الوطني

وبيّن أن الحوار الوطني الذي دعا له سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد يوسّع دائرة المشاركة السياسية، ويفتح آفاق التعاطي مع الملفات الشائكة بمرونة، هذا ما يُميز الديموقراطية في الكويت ويُعيدها إلى المسار الصحيح بعد أن شهدت لسنوات حالة من الجمود والانسداد السياسي.

الخاتمة

وخلص الفهد إلى أن العلاقة بين السلطة ومختلف القوى السياسية في مجلس الأمة تعتبر أهم عناصر تحديد الصيغة المستقبلية للنظام السياسي في الكويت لارتباطها مباشرة بالمعادلة التي تحكم توازن القوى في الكويت، لافتاً الانتباه إلى أن التجربة الديموقراطية ومؤسساتها منحت الكويت قوة ناعمة في المنطقة، بما عكسته من استقرار النظام السياسي ورسوخ التجربة الديموقراطية وقوة النسيج المجتمعي، وقوة الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات، كما تبعث برسائل واضحة للمحيط الإقليمي والدولي بأن صنع القرار الكويتي يمر عبر مؤسسات ديموقراطية ولا يمكن أن تُجيزه بسهولة، وهذا ما يتضح جلياً فـــي الموقــــف الكويتـــي من القضايــــا الإقليــمــيــة والـــدوليـــــــة.

وختم أسعــــد الفهــــــد بقــــولـــه «إذا كانت التجربة الكويتية فـــــي الممارسة الديموقراطـــيــة متميزة في سياقها التاريخي وفي محيطها الإقليمي إلا أن ذلك لا يعني خلوها من السلبيات أو عدم مصادفتها لتعثرات وانعكاسات، وهو ما حرصت الدراسة على توضيحه في محاولة لتلمس أثر التطورات الحديثة التي تشهدها الكويت لدعم مسيرة الديموقراطية وتدارك أخطاء الماضي والانطلاق نحو آفاق واعدة».