المراقب لطريقة تعاملنا كأفراد وحكومات مع الأخبار المتعلقة بفيروس كورونا المستجد منذ بداية الجائحة، وحتى الجرعة الثالثة التنشيطية، سيلحظ تغيراً في مزاج الرأي العام نحو أخبار الوباء، وما يتعلق به من تفاصيل.

ففي بداية الجائحة، رصدت التقارير الإخبارية (مثل التقرير المتعلق بأخبار «كوفيد - 19» في المملكة المتحدة، والذي نشره معهد «رويترز» لدراسة الصحافة وبالتعاون مع جامعة أكسفورد في أكتوبر 2020)، كيفية تعامل الناس مع أخبار الفيروس في الإعلام، حيث كان الإقبال كبيراً على متابعة وسائل الإعلام التقليدية (خصوصاً الرسمية منها)، وشبكات التواصل الاجتماعي، وتطبيق كل إرشادات وتوصيات وزارات الصحة في الدول. كما تسابق أغلب الناس لأخذ الجرعتين الأولى والثانية...

لكن مع استمرار الجائحة لمدة سنتين، و«تعوّد» الناس على الرسائل الصحية، وتضايقهم من الحجر الصحي، والضغوط الاقتصادية، بدأت ثقة الجمهور في وسائل الإعلام الرسمية تتراجع، وتعود إلى مستويات ما قبل الجائحة، بل ربما حصلت ردود فعل عكسية على تلك الأخبار التي تعد المتابعين بمزيد من التضييق على حركتهم في الداخل والخارج، ما أدى إلى تبرمهم واستيائهم من تلك الإجراءات، وشكوكهم بوجود «كورونا» نفسه.

في أثناء ذلك، كان لشبكات التواصل دورٌ كبيرٌ في نقل الأخبار والمعلومات ومقاطع الفيديو، وتوظيف تطبيق «واتساب» للرسائل الفورية إلى الجمهور المتلقي.

لكن حتى هذه الشبكات لم تسلم من نشر المعلومات المضللة والخاطئة وحتى المزيفة، وانتشرت الإشاعات منذ بداية الجائحة (وما زالت)، ولم يعد الناس يثقون فيها بشكل عام، ولا حتى يثقون في المصادر الرسمية، حيث يرى البعض أن الحكومات تتحكم بالمعلومات والإحصاءات والأرقام حول الجائحة، وهي تنشر ما يخدم سياستها.

ولذا لم يكن مستغرباً تصريح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس في فبراير الماضي، حين قال «نحن لا نحارب الوباء فقط؛ نحن نحارب وباء معلومات، طوفان من المعلومات، بعضها عبارة عن معلومات مضللة، أو دعاية سياسية، أو إشاعات، أو أشكال أخرى من المواد غير الموثوقة».

وتأتي الآن مرحلة الجرعة الثالثة التنشيطية، في ضوء عدم الثقة بإجراءات وزارات الصحة في دول العالم، مما دفع بالأشخاص الذين كانوا مؤيدين لها، إلى التشكيك بضرورة تلقيها، وها نحن نتعامل مع موجة إشاعات جديدة، يرافقها بعض الأخبار المزيفة والمضللة، في ظل انعدام الشفافية من الجهات الرسمية في طبيعة المتحور الجديد «أوميكرون»، وتصريحات دولية بضرورة تلقي الأفراد لجرعة رابعة، كما صرح بذلك وزير الصحة الألماني، قبل أيام.

ويبقى السؤال المنطقي، «أين الحقيقة؟» والحقيقة أنه لا توجد حقيقة، إنما يوجد أشخاص أو جهات «يصنعون» الحقيقة، ويتم تقديمها على شكل أخبار، أو أرقام، أو صور أو مقاطع فيديو، فنتلقفها نحن، ونسميها «الحقيقة».