أكد نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي دانيال بنايم أن واشنطن تضع دعم حرية التعبير في جميع أنحاء العالم على رأس أولوياتها، كاشفاً أنها بذلت جهوداً مباشرة للإفراج عن المعارضين السياسيين المسجونين أو المهجرين.
وإذ أشاد بالعلاقات الثنائية مع الكويت مشيراً إلى أنها وثيقة وعميقة وواسعة النطاق، شدد بنايم على أن «للولايات المتحدة مصالح إستراتيجية دائمة ستبقيها منخرطة في المنطقة لعقود مقبلة».
وفيما شخّص علاقات بلاده مع الصين بأنها ستكون «تنافسية عندما ينبغي ذلك» و«تعاونية عندما يكون ممكناً» و«عدائية عند الضرورة»، أقر بأن شركاء الولايات المتحدة، من دول مجلس التعاون الخليجي، «لديهم علاقات معقدة مع الصين، التي لن تتوافق دائماً مع علاقاتنا».
جاء ذلك في حوار أجراه المؤسس الرئيس التنفيذي لمركز «ريكونسنس» للبحوث والدراسات عبدالعزيز العنجري، مع بنايم، الذي يشغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، وعمل مستشاراً سابقاً للرئيس الأميركي جو بايدن، والبيت الأبيض، ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وهو عضو مدى الحياة في مركز الشؤون الدولية في مجلس العلاقات الخارجية.
وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
• ما أهمية حقوق الإنسان وحرية التعبير في منطقتنا بالنسبة للإدارة الأميركية ؟
- التزم الرئيس بايدن والوزير (وزير الخارجية أنتوني) بلينكن بالارتقاء بدور حقوق الإنسان في سياستنا الخارجية، لا سيما مع شركائنا الذين نهتم بهم بشدة، مثل الكويت. ونحن نسعى بكل وضوح إلى دعم وتعزيز دور المؤسسات الديموقراطية وإظهار أهمية المشاركة السياسية المدنية النشطة.
كما ندعم تمكين المواطنين من المساهمة في الحياة المدنية لبلادهم من أجل تحقيق الازدهار والأمن. لقد شهدنا تقدماً ملحوظاً في مجالات معينة بالمنطقة، ولكن هناك أيضاً مجالات تتطلب المزيد من العمل لتحقيق التقدم بشكل ملحوظ.
• كيف يمكن للولايات المتحدة تمكين التطبيق الواقعي لهذه المبادئ؟
- أود أن أؤكد أننا نناقش حقوق الإنسان مع شركائنا بناءً على علاقات وثيقة وعميقة وواسعة النطاق تمتد من التعاون الأمني التقليدي إلى التنسيق حول «كوفيد» وموضوعات تغيّر المناخ إلى التعليم العالي. إن شراكاتنا مع دول الخليج، بما في ذلك الكويت، مهمة بشكل دائم للولايات المتحدة، والجدير بالذكر أن الوزير بلينكن قام بأول زيارة له إلى المنطقة عندما زار الكويت في شهر يوليو الماضي.
لقد أتيحت لي الفرصة في رحلاتي إلى المنطقة كمسؤول أميركي للقاء العديد من المواطنين وأصحاب النفوذ في المجتمع المدني، والأشخاص الذين سافروا إلى الولايات المتحدة للمشاركة في برامج التبادل لدينا. وهناك أشخاص موهوبون بشكل ملحوظ في جميع أنحاء المنطقة يعملون على معالجة التحديات في مجتمعاتهم، ونحن فخورون بدعم جهود تلك الحكومات والمواطنين لإيجاد أفضل الحلول.
ونجد بالكويت بالإضافة لكل مجتمع في هذه المنطقة، أفراداً موهوبين بشكل ملحوظ في تقييم وتشخيص المشكلات ومساعدتنا في اختيار الحلول المناسبة لها، كما نجدهم يحرصون على حل مشكلات مجتمعاتهم.
ونحن فخورون بدعم هؤلاء الأشخاص وفتح المزيد من قنوات التواصل معهم، حيث تعتبر مشاركتهم في تحسين وضع بلدانهم أمراً مهماً لا ينبغي تركه للحكومات فقط، فالشعب شريك أساسي بتحديد شكل وآلية مستقبله أيضاً.
يعد دعم حرية التعبير في جميع أنحاء العالم أولوية رئيسية للولايات المتحدة، ولقد بذلنا جهوداً مباشرة للإفراج عن المعارضين السياسيين المسجونين أو المهجرين، ونواصل الدعوة إلى أن الحريات الأساسية لا ينبغي أن تكون جريمة في المقام الأول.
إن حرية التعبير من الحريات الأساسية التي تساعد الشعوب كي يكون لها دور في الحياة المدنية لبلادها بما يحقق الازدهار والأمن، وكل ما يمس الحريات الأساسية للمواطنين سيكون أولوية لدينا.
وقد تضمنت جهودنا أيضاً دعم المدافعين عن حقوق النساء والفتيات وجميع الناس، وضغطنا من أجل إطلاق سراح الناشطات في مجال حقوق المرأة ورفع القيود المفروضة عليهن.
• هل هناك متغيّرات في ديناميكية السياسة الخارجية للولايات المتحدة ؟
- تتغير الديناميكيات الإقليمية باستمرار، ولكن من المهم بنفس القدر النظر إلى ما لم يتغيّر، تظل الولايات المتحدة شريكاً استراتيجياً وثيقاً للكويت ودول مجلس التعاون الخليجي. لقد تمتعنا بعلاقات إستراتيجية وديبلوماسية واقتصادية قوية وشعبية لعقود عدة ونتطلع إلى مواصلة تعزيزها. نظراً لتغير التهديدات والظروف في المنطقة، فقد تكيّفنا دائماً معاً كشركاء.
ومن الأمثلة الحديثة الممتازة التنسيق الوثيق لدول الخليج في شأن أفغانستان ودعمهم لنا الذي لا غنى عنه في تسهيل عبور المواطنين الأميركيين وموظفي سفارة كابول والأفغان وغيرهم من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من أفغانستان. لقد كانت دول الخليج في طليعة جهودنا لإجلاء الناس من أفغانستان إلى بر الأمان.
نحن نعمل على تعميق تعاوننا ليس فقط في مكافحة الإرهاب والدفاع والنفط، ولكن أيضاً في مجال الطاقة النظيفة وتغير المناخ ومكافحة «كوفيد».
للولايات المتحدة مصالح إستراتيجية دائمة ستبقينا منخرطين في هذه المنطقة لعقود مقبلة، بما في ذلك ضمان حرية الملاحة البحرية وتدفق الطاقة إلى الاقتصاد العالمي، ومكافحة الإرهاب، ومنع انتشار الأسلحة النووية، ومساعدة شركائنا في الدفاع عن أنفسهم، وتشجيع التغييرات الإيجابية في جميع أنحاء المنطقة لمساعدة المجتمعات على الاستعداد للتحديات الهائلة التي تنتظرها، وهي تحديات غالباً عابرة للحدود الوطنية وأحيانا حتى الإقليمية.
• هل سينتقل الاهتمام من الخليج إلى المحيطين الهندي والهادئ للتركيز على الصين؟
- كما قال الوزير بلينكن مراراً وتكراراً في ما يتعلق بالجهود التي تبذلها الصين لتوسيع تعاونها في المنطقة، ستكون علاقتنا مع الصين تنافسية عندما ينبغي ذلك، وتعاونية عندما يكون ممكناً، وستكون عدائية عند الضرورة. نحن ندرك أن حلفاءنا وشركاءنا لديهم علاقات معقدة مع الصين، التي لن تتوافق دائماً مع علاقاتنا.
وينصب تركيزنا على سد الثغرات في مجالات مثل التكنولوجيا والبنية التحتية، حيث رأينا أن الصين تستغلها لممارسة ضغط قسري، وسنعتمد على الابتكار والمنافسة في هذه المجالات.
نحن على اتصال وثيق مع الكويت في شأن العديد من هذه القضايا، كما تواصل الولايات المتحدة والكويت ودول الخليج الأخرى التشاور عن كثب في شأن إيران والعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاسم الرسمي للاتفاق المبرم بين إيران والدول الكبرى في شأن البرنامج النووي).
في الآونة الأخيرة، عقد كبار المسؤولين الأميركيين وأعضاء مجلس التعاون الخليجي اجتماع عمل حول إيران في مقر مجلس التعاون الخليجي في 17 نوفمبر، وأصدروا بياناً مشتركاً حول وجهات نظرهم المشتركة حول هذه المسألة.
إن الولايات المتحدة والكويت شريكتان في الجهود المبذولة لمكافحة أزمة المناخ، وعلى سبيل المثال انضم كلانا إلى التعهد العالمي في شأن الميثان.
وسنواصل تعميق شراكتنا في شأن القضايا التي عملنا عليها معاً لسنوات عدة. وسنوسع شراكتنا لتشمل مجالات عمل جديدة، لأننا نريد أن نكون نشطين معاً حيثما يمكننا توفير قدر أكبر من الأمن والازدهار والرفاهية للناس في الكويت والولايات المتحدة وحول العالم.
واشنطن تحترم سيادة الدول لكنها ستواصل السعي للتطبيع مع إسرائيل
تطرق دانيال بنايم إلى ملف تطبيع العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل، معتبراً أن «لدى الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي فرصة غير مسبوقة للعمل معاً لرأب الصدع القديم داخل المنطقة وإبرام اتفاقيات جديدة»، مضيفاً «لقد رأينا أمثلة ملموسة للتقدم بالفعل مثل نهاية الخلاف الخليجي في وقت سابق من هذا العام، وتحسين العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا، بالإضافة إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية بموجب اتفاقيات أبراهام».
وتابع المسؤول الأميركي: «نحن نحترم سيادة كل بلد ونتوقع منهم اتخاذ قرارات تستند إلى مصالحهم الخاصة. وتنظر الولايات المتحدة إلى اتفاقيات ابراهام على أنها خطوة مهمة إلى الأمام ونأمل أن نبني عليها مزيداً من النجاحات المشتركة. وستواصل الولايات المتحدة البحث عن أي فرص أخرى لتوسيع التعاون بين دول المنطقة واسرائيل وطي هذا الملف الذي لابد من إغلاقه».
عمل تدريجي وصعب... مواءمة العلاقات مع القِيَم والمصالح
رداً على سؤال عن العقبات التي تواجهها الولايات المتحدة في المنطقة وتعوق تنفيذ رؤيتها نحو مزيد من الإصلاحات، قال المسؤول الأميركي: «تتعاون الولايات المتحدة مع مجموعة واسعة من الشركاء وباختلاف أنظمة الحكم فيها وشكل البيئة السياسية، كما نفعل دائماً، في شأن قضايا ذات أهمية مشتركة. يبدأ التزامنا بالمعايير الديموقراطية وحقوق الإنسان في الولايات المتحدة، وهو مصدر فخر وطني قوي كما يظل جزءاً حيوياً من مشاركتنا مع دول العالم».
وأضاف: «سنواصل الدفاع عن قيمنا وبناء علاقات أوثق وأقوى مع شركائنا، وحيثما أمكن مواءمة علاقاتنا الثنائية مع قيمنا ومصالحنا أيضاً.
وقد يكون هذا العمل تدريجياً وصعباً، لكننا نأمل أن تخلق مشاركتنا فرصاً للتقدم والتعاون والتغيير الإيجابي حيث تعمل الحكومات والمواطنون في هذه المنطقة على دفع مجتمعاتهم ومؤسساتهم إلى الأمام».