نزل عشرات آلاف السودانيين إلى الشوارع، أمس، للمطالبة بحكم مدني ديموقراطي، بينما أطلقت قوات الأمن غازات مسيلة للدموع بكثافة على المحتجين في محيط القصر الجمهوري، بعد ثلاث سنوات على «الثورة» التي أطاحت الرئيس عمر حسن البشير.
وعصراً، تجمعت حشود كبيرة من المتظاهرين في محيط القصر الجمهوري وحاولت قوات الأمن تفريقها بإطلاق كثيف لقنابل الغاز والقنابل الصوتية، إلا أنها لم تتمكن.
وفي وقت سابق بعد الظهر، استخدمت قوات الأمن كذلك القنابل المسيلة للدموع في محاولة لإبعاد متظاهرين عن القصر الجمهوري الذي تمكن بعض الشباب من تسلق أسواره.
وكان المحتجون يهتفون ضد قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، مرددين «الشعب يريد إسقاط البرهان».
وتمكن آلاف المتظاهرين في منطقة أم درمان (غرب العاصمة) من عبور أحد الجسور بعد أن فشلت قوات الأمن في السيطرة عليهم.
وإثر انقلاب 25 أكتوبر الذي قاده البرهان وما تبعه من قمع للاحتجاجات أوقع 45 قتيلاً ومئات الجرحى، تريد المنظمات التي أشعلت الانتفاضة ضد البشير، أن تعيد تعبئة 45 مليون سوداني يعيشون في ظل تضخم بلغ 300 في المئة، ولكن هذه المرة ضد العسكريين.
وعشية هذه التظاهرات، حذر رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، الذي عزله البرهان وأقال حكومته قبل أن يعيده إلى منصبه الشهر الماضي ولكن من دون حكومته، من «انزلاق البلاد نحو الهاوية».
وقال متظاهر في بداية العشرينات كان يغطي كتفه بعلم السودان «خرجت لرفضي الاتفاق السياسي كله... نريد حكومة مدنية وليس سلطة عسكرية».
وأكد شاب آخر في مقتبل عمره أن «ثورتنا قامت من أجل سلطة مدنية كاملة وهذه هي مطالبنا».
ومنذ ساعات الصباح الأولى، أغلقت قوات الجيش والشرطة الجسور الرئيسية التي تربط وسط الخرطوم بمنطقتي أم درمان (غرب العاصمة) وبحري (شمال) لمنع المتظاهرين من الوصول الى مقر القيادة العامة للجيش.
وشوهدت قوات من الجيش تضع كتلاً أسمنتية على عدد من الجسور التي تربط وسط الخرطوم بأم درمان وبحري. كما تمركزت بجانب الجسور سيارات نصبت على بعضها مدافع رشاشة، وبجانبها جنود مسلحون.
وأغلق الجيش كل الطرق المحيطة بمقر قيادته في وسط المدينة بسيارات مسلحة وأسلاك شائكة وحواجز أسمنتية. وأغلق شارع المطار، أهم شوارع المدينة، بسيارات عسكرية مسلحة.
وخلت شوارع وسط الخرطوم من المارة والسيارات باستثناء حركة محدودة وأقفلت المحلات التجارية أبوابها وانتشر جنود من شرطة مكافحة الشغب عند التقاطعات الرئيسية وهم يحملون قاذفات القنابل المسيلة للدموع.
وفي جنوب الخرطوم، رفع المتظاهرون لافتات تدعو إلى «حصار قصر» البرهان وهتفوا «الشعب أقوى أقوى والردة مستحيلة».
ودعت لجان المقاومة بالأحياء السكنية وتجمع المهنيين وتحالف الحرية والتغيير، الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير، إلى تظاهرة في وسط الخرطوم تتجه نحو القصر الرئاسي للمطالبة بتنحي الجيش عن السلطة وتسليمها إلى المدنيين بمناسبة الذكرى الثالثة لـ «الثورة» على البشير.
ففي 19 ديسمبر 2018، وبعد أن ضاعف البشير المعزول دولياً سعر الخبز ثلاث مرات، خرج السودانيون إلى الشوارع يطالبون بإسقاط النظام ما اضطر الجيش إلى عزله بعدها بأربعة أشهر.
واختار السودانيون ذلك اليوم لأنه في التاريخ نفسه من العام 1955 حصل السودان على استقلاله بعد أن كان يخضع لحكم ثنائي بريطاني - مصري.
ويحذر مراقبون من أن السيناريو الأسوأ قد يحدث في السودان، حيث أوقعت النزاعات الداخلية على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، مئات آلاف القتلى، خصوصاً مع وجود خمسة ملايين قطعة سلاح في أيدي المدنيين، وفق الأرقام الرسمية.