بات القلق والتفكير الزائد، مرضاً، يعاني منه كل إنسان في مرحلة من مراحل حياته، سواء الماضي أو الحاضر أو المستقبل، وحسب الظروف والأحداث التي يتعرض لها، وأمور لم تظهر بعد، أو ليس لها وجود في الواقع أصلاً. القلق ينبع من التفكير في الماضي، أو الخوف المفرط من المستقبل، وهو ما يؤثِّر على حالته النفسية ويزيد من التوتر، وقد يصل به إلى حالة الاكتئاب، كما أن التفكير الزائد يتسبب في الضغوط النفسية والعصبية التي تؤثر على صحة الجسد، وعلى خلايا المخ مما قد يؤثر على الذاكرة.
تجنب التفكير في السلبيات التي توجد في حياتك ودرب عقلك على نسيان كل ما فات من مشكلات، يقول ابن القيم رحمه الله: (ومن أعجب النعم نعمة النسيان؛ فإنه لولا النسيان لما طاب شيئاً، ولا انقضت حسرة، ولا ذقنا طعم السعادة، ولا تعزّى عن مصيبة، ولا مات لنا حزن).
عند شعورك بصعوبة التخلص من الأفكار اشغل نفسك بممارسة أي نوع من أنشطة ومهارات مثل الكتابة أو ممارسة الرياضة، ركز على الإيجابيات التي مرت في حياتك، فكر في الحاضر واجعل من وقتك وسائل تحسن المزاج، وإن كانت بسيطة، انظر إلى ما تبقّى من حياتك واصنع منه مراحل جديدة تشعرك بالرضا وتنسيك ما مضى، ولا تشغل ذهنك في أذى التافهين.
سُئل أعرابي: من الذكي! قال: هو الفطن المتغافل يرى الأمور ولا يراها، يرى حاسده ولا يهتم، يرى عدوه ولا يلتفت، يرى الفتنة فلا ينظر، فيبيت وقلبه نقي ونفسه راضية... فلا تعب ولا فكر ولا كدر ولا هم.
ويقول ابن الجوزي: (ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، فإنّ الناس مجبولون على الزلات والأخطاء، فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب، والعاقل الذكي من لا يدقّق في كل صغيرة وكبيرة، مع أهله، أحبابه، وأصحابه، وجيرانه، وزملائه، كي تحلو مجالسته، وتصفو عشرته).
من عانى من أذى الآخرين يحاول النسيان والتغافل والمسامحة ولا يعيش في قلق، أظهرت الدراسات أن مسامحة الآخرين تنتج فوائد نفسية قوية لمن يغفر، وقد ثبت أنه يقلل من الاكتئاب والغضب والقلق عندما تنسى ذكريات الماضي الأليمة، اعتبرها سبباً لنموك وتقدمك اليوم، وكن على يقين أنها دروس تعلمتها ترفع من شأنك وتحرك فكرك، لا تهدر وقتك في الكراهية والندم الذي يعرضك للكسل.
قيل إن الإمام ابن حنبل سُئل: «أين نجد العافية؟» فقال: (تسعة أعشار العافية في التغافل عن الزلات)، ثم قال: (بل هي العافية كلها).
ومن الأمثلة الحاصلة اليوم أن شخصاً كان يتعرض لبعض التعليقات الجارحة أو الساخرة ولا يتأثر (!) وعندما سأله زميله كيف تواجه كل هذا؟ قال: (بالتغابي)... أسمع ما لا يعجبني فأظهر وكأنني لم أفهمه ولا أفقه منه شيئاً... فإن أردت أن تكون ناجحاً، اعلم أنه ليس لديك وقت لمثل هذه التفاهات، ركز طاقتك ووقتك فيما يفيدك ويسعدك وابتعد عن كل ما يحزنك.
aalsenan@hotmail.com
aaalsenan @