ما عرف البحارة الكويتيون قبل النفط هذا الإسراف في المدح أو الذم والحسبة، 1 + 1 = 2 فقط، وكانوا يُقيّمون النوخذة، بحسب تقديره للبحارة وتعامله معهم خلال رحلة الغوص أو السفر وكم عطائهم (المعاش)، ولكنه اليوم بات من متلازمة الديموقراطية فانتشر المديح غير المتكافئ أو حتى التوبيخات المباشرة مع التراشق بالألفاظ في التواصل الاجتماعي.

وربما وجد هذا كل من تبوأ منصباً مرموقاً في الدولة، وكيف تحول الناس حوله بين عشية وضحاها إلى مدّاحين وزاد رواد الديوانية؟

وبلغة أكثر بساطة، نقول إن الإسراف في قبول المجاملات السياسية لها تكلفة، لأنها تدخل في حيز الجمود في البرامج وتُجابه غالباً بطريق مسدود!

وقد تكون المجاملة من المتنفذين بالحكومة للمعارضة أو من المعارضة للمعارضة أو من الشعب للمعارضة أو من المعارضة للحكومة، والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي انقلاب المجاملات إلى معوقات حيث إن قبول المجاملة يعني أن هناك ديناً على الطرف الآخر رده لاحقا (!) وهذا ما نشاهده كثيراً في عالم السياسة حتى أصبحت طقوساً جوفاء بين جميع الأطراف ويتبع هذا الخيار الإجباري في تعاطي الشأن السياسي الشعور بالوفاء بالتزامك برد المجاملة أو الاستسلام للشعور بالخطيئة لعدم قبولها أو ردها، كما تكمن المشكلة إذا كانت المجاملات عبارة عن معاملات ومشاريع، الأمر الذي يُشعرنا بأننا مدينون لهذه الجهة أو تلك!

ولا تسأل بعد ذلك عن الصالح العام أو حق الدولة؟

أثبتت الدراسات أن المجاملات تفوق الانتقادات بواقع خمسة إلى واحد، حتى لو كانت هذه المجاملات بإلقاء كلمات ناعمة ومختصرة في تصريح يمكن أن تصبح بعد ذلك استراتيجية فعّالة لتشجيع الشعوب أو الأفراد والنخب السياسية على العمل وبذل المزيد لتحقيق الصالح العام، كما أنها تشكّل علامة على أنهم يسيرون في المسار الصحيح وتمكِّنهم من الاستمرار.

وهنا يأتي السؤال: هل نحن بحاجة اليوم إلى كل هذه المجاملات أو حتى الانتقادات المرسلة؟

الجواب، إذا نظرنا بموضوعية لهذا المدح أو الذم نجد أن أكثر الناس يحبون الذي يعادي الأنظمة والحكومات ويصرخ ويرفع شعار مكافحة الفساد، ولو كانوا لا يعقلون ما يقول!

ويبغضون من لا يرى طريقتهم لأجل أهواء في نفوسهم ورواسب ترسّبت مع الزمن لا يعرفون معناها ولا دليلها، بل يوالون على الأشخاص أو يُعادون على أمور حتى ولو كانت على أساس غير صحيح!

فتجدهم لا يعقلون معناها ولا يعرفون لازمها ومقتضاها، وهذا ما فعلته النخب السياسية في الشعوب العربية المقهورة حيث تجدهم رفعوا شعاراً أو حزباً أو شخصاً ورمزاً يوالون كل مَن والاه ويعادون كل مَن عاداه!

فكانت النتيجة هي الوبال والخسارة اللذان نالا الجميع بل تقطّعت بينهم أسباب المودة وانقلبت عداوة لأنها كانت لغير الله... فهذه المجاملات الباطلة ستنقلب عليهم حسرات، قال تعالى: (إذْ تبرأ الذين اتبِعوا من الذين اتبَعوا ورأوا العذابَ وتقطّعت بهم الأسباب)... وهذه هي المودّات التي كانت لغير الله والوصَلات التي كانت بينهم في الدنيا.

وهذه الأعمال التي أراهم الله حسرات عليهم هي الأعمال التي يفعلها بعضهم مع بعض في الدنيا، كانت لغير الله، ومنها الحميّة الجاهلية. وهذا ما أدى بنا إلى اختلاف القلوب الذي بات يهدّد نسيج المجتمع، لأنه حتماً سيؤدي إلى الفشل وذهاب الهيبة من الدولة.

والنتيجة العامة التي لا مفرّ منها يشهد لها (واقعنا المعاصر) فجميع الدول العربية والإسلامية في أقطار العالم يضمر بعضها لبعض العداوة والبغضاء وإن جامل بعضها بعضاً، ورغم كثرة المجاملات إلا أن ما تنطوي عليه الضمائر مخالف لذلك، وسبب ذلك كله ضعف العقل، وضعف العقل يجعل الإنسان يفقد التمييز بين الحق والباطل والنافع والضار والحَسن والقبيح.

الخلاصة:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إنّ اللهَ لا ينظرُ إلى صُوركم وأموالكم، ولكن ينظرُ إلى قلوبكم وأعمالكم».