لم يكن للمرأة قيمة أيام الجاهلية، وكأنها أداة للسمع والطاعة، لا رأي لها ولا دور في أي مجال، ومع ظهور الإسلام ارتفعت مكانة المرأة وفتح لها الإسلام أبواباً للعلم والعمل في مجالات عديدة، كالطب والشعر والفقه أكدت فيها المرأة جدارتها، وقد ثبت ذلك في كتب التاريخ والسير والتراجم، التي جمعت أسماء نساء صاحبات علم عظيم ومناصب عالية.

وبالرغم من ذلك، لم تبرز أسماؤهن في مجتمعنا اليوم، وإن سمعنا أسماءهن لم نعلم ما قامت به تلك المرأة التي علّمت الأئمة ونساء ورجال الأمة، ومن اللواتي ذكرهن التاريخ بالتمجيد صاحبة المشهد الكبير المعمول في مصر، السيدة المكرمة نفيسة، ابنة أمير المؤمنين الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، التي عُرفت بحسن عبادتها وزهدها وعدلها. ولدت السيدة نفيسة في مكة ثم انتقلت إلى المدينة المنورة وهي في الخامسة؛ فكانت تذهب إلى المسجد النبوي وتسمع إلى شيوخه، وتتلقى الحديث والفقه من علمائه، حتى لقبها الناس بلقب «نفيسة العلم».

رحلت السيدة نفيسة مع أسرتها إلى مصر ورحّب بها أهل مصر، وأقبلوا عليها يلتمسون منها العلم حتى كادوا يشغلونها عما اعتادت عليه من عبادات، فخرجت عليهم قائلة: «كنتُ قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى»، ففزعوا لقولها، ورفضوا رحيلها، حتى تدخَّل والي مصر وقال لها: «يا ابنة رسول الله، إني كفيل بإزالة ما تشكين منه»، فوهبها داراً واسعة، وحدد يومين في الأسبوع يزورها الناس فيهما طلباً للعلم والنصيحة، لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع، فرضيت وبقيت.

ولما وفد الإمام الشافعي إلى مصر بعد خمس سنوات من حضورها، توثقت صلته بالسيدة نفيسة بنت الحسن، واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في المسجد، وفي طريق عودته إلى داره، ويعتبر الإمام الشافعي أكثر العلماء جلوساً إليها وأخذاً عنها، في الوقت الذي بلغ فيه من الإمامة في الفقه مكاناً عظيماً، فقد كان يعتبر مجلسه في دارها مجلس تعلم عنها، ومجلسه في مسجده مجلس تعليم الناس، ولما مات الشافعي حزنت على وفاته حزناً كبيراً، وللإمام أحمد بن حنبل نصيب في الأخذ عن السيدة نفيسة، وبهذا تكون السيدة نفيسة، رحمها الله، ذات أثر علمي في فقه عالمين كبيرين من أئمة المسلمين، وهما الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله تعالى.

aalsenan@hotmail.com

aaalsenan @