أعادت الأرقام التي نُشرت هذا الشهر حول فرص العمل في الولايات المتحدة المخاوف المتزايدة من ارتفاع حدة أزمة نقص اليد العاملة في الدول الغربية عموماً، وفي البلدان الغنية منها بشكل خاص، إلى الواجهة من جديد، حتى أن دولة مثل اليابان، التي لم يُعرف عنها يوماً مجرد التفكير بالاستعانة بالأجانب لحل بعض أزماتها الخانقة، ألمحت إلى أنها ستُرحّب بمزيد من المهاجرين لتعويض نقص اليد العاملة في كثير من صناعاتها، كما أصدرت الحكومة البريطانية آلاف التأشيرات الموقتة لسائقي شاحنات أجانب، بعد أن أطلق نقص السائقين شرارة هلع في محطات الوقود.
إلى ذلك، أكدت مجلة إيكونوميست البريطانية أن المشكلة ليست جديدة لكنها تفاقمت بسبب جائحة كورونا وما نجم عنها من خروج لليد العاملة من سوق العمل، سواءً للبحث عن وظائف أفضل أو بسبب مغادرة العمال الأجانب للبلدان التي يعملون فيها، موضحة أنها في الأصل مشكلة ديموغرافية ناجمة عن تناقص عدد المواليد في الدول المتقدمة بشكل خاص، وما يرافقه من ارتفاع في أعداد المتقاعدين.
وجاءت الجائحة وما فرضته من إغلاقات لكي تدفع بشريحة من اليد العاملة إلى ترك أعمالها مفضلة الوقاية من العدوى وتمضية مزيد من الوقت مع عائلاتها، لاسيما في ظل وجود شبكة أمان اجتماعي فعّالة مترافقة مع انخفاض في الإنفاق بسبب قيود «كورونا».
وفضلاً عن القلق الناجم من نقص اليد العاملة، يواجه أرباب العمل سبباً آخر للقلق يتمثل باضطرارهم للقبول برفع الأجور وتقديم امتيازات جديدة من أجل اجتذاب عمال لتعويض النقص أو لإغراء عمالهم بالبقاء في أعمالهم.
هجرة وتقاعد
ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة ماكينزي، قال 36 في المئة من العمال الذين تركوا أعمالهم حديثاً إنهم فعلوا ذلك من دون التفكير بمصدر آخر للدخل، فيما أشار نحو نصفهم إلى أن الرغبة في إعطاء مزيد من الوقت لحياتهم العائلية كانت عاملاً حاسماً في قرارهم.
وترافق ذلك مع ما يشبه الهجرة لليد العاملة من بعض الوظائف إلى وظائف جديدة توفّر لهم أجوراً ومزايا أفضل، فيما اتخذ البعض قراراً بالتقاعد المبكر.
وكشف بحث لمركز «بيو» أن أكثر من نصف الأميركيين ممَنْ هم في سن 55 أو أكبر باتوا متقاعدين في الربع الثالث من 2021 بعد أن كانت نسبتهم 48 في المئة قبل عامين. وبالطبع، يؤدي ذلك إلى إحداث فراغ في بعض المهن يحتاج ملؤه ليد عاملة جديدة.