زار وفد من أساتذة وطلبة قسم التاريخ والآثار بجامعة الكويت (منطقة الآثار) بجزيرة فيلكا أمس الأول، بالتعاون مع الراعي الرسمي للمعالم التاريخية والأثرية في دولة الكويت؛ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
وتأتي الزيارة ضمن خطة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لتأهيل المعالم التاريخية في البلاد، وتنشيط السياحة الثقافية والتوعية بأهمية المحافظة على الإرث التاريخي، وذلك بعد استئناف الرحلات العلمية التي توقفت طويلاً بسبب جائحة كورونا.
وتتميز (منطقة الآثار) بجزيرة (فيلكا) بأنها محمية أثرية واسعة، ومتحفاً مفتوحاً للزوار، حيث تضم تنوعاً حضارياً لا نظير له، إذ تقع فيها أبرز الشواهد الأثرية العائدة للعصر البرونزي كحضارة (دلمون)، ومعالم الآثار الهلنستية الأخرى، بالإضافة إلى استراحة المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح.
كما شهدت هذه المنطقة أولى الأعمال الأثرية في الكويت، ففي نهاية الخمسينيات من القرن الماضي اكتشفت بعثة الآثار الدنماركية آثاراً غيرت مسار تاريخ أرض الكويت القديم، فعرف من خلال هذه الاكتشافات اسم جزيرة فيلكا القديم والذي وجد منقوشاً على حجر يوناني مهم عرف في الأوساط العلمية بحجر (إيكاورس)، وهو نقش مكون من 48 سطرا تشير كلماته إلى تنظيم الحياة في الجزيرة.
استوطن (الدلمونيون) جزيرة فيلكا في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، واستغل سكانها الموقع الاستراتيجي لها بوقوعها على طريق التجارة البحري (الخليج العربي) فزاولوا تجارة (الترانزيت)، فمن جبال ماجان (سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة حالياً) كانت سفن دلمون تجلب النحاس والحجارة اللينة واللبان، وتصدر إلى بلاد الرافدين تلك المنتجات إضافة إلى الأسماك واللؤلؤ، وكانت السفن التي تبحر عبر بحر الخليج العربي تتوقف أثناء رحلتها الطويلة في جزيرة فيلكا للتزود بالمياه والمؤن، وقد شيد (الدلمونيون) في جزيرة فيلكا مساكنهم في (التل 3) أو (F3) والمعروف (بالمدينة الدلمونية)، وكانت بيوت الأهالي تحيط بمعبد ذو فناءٍ مكشوف، وتميزت المنازل بصغر حجمها وموادها الأولية البسيطة، فجميعها صنع بالحجارة البحرية والطين والجبس، وعلى بعد 400 متر تقريباً إلى الشمال الشرقي؛ في التل المعروف (F6) كشف عن معبد آخر يعتقد أنه كرس لخدمة كبير آلهة دلمون (الإله أنزاك)، وهو يشبه في بنائه معبد (باربار) في مملكة البحرين، وربما كان يؤدي الخدمات ذاتها للمتعبدين، وكان الاعتقاد السائد في الأوساط العلمية قبل اكتشاف هذا المعبد أن المبنى المكتشف بجانب المعبد في ستينيات القرن الماضي على يد البعثة الدنماركية أنه كان قصراً لحاكم الجزيرة، ولكن اتضح فيما بعد أنه مبنى إداري لإدارة شؤون المعبد، وقد هجرت المواقع الأثرية العائدة لحضارة دلمون في جزيرة فيلكا مع نهاية الألف الثاني قبل الميلاد لأسباب مجهولة، ربما تتعلق بضعف التجارة في الخليج العربي وتقلص حدود مملكة دلمون وتراجعها على المستوىين السياسي والاقتصادي.
وفي نهاية الألف الأول قبل الميلاد لاقت شبه الجزيرة العربية وشريانها الرئيسي (الخليج العربي) أهمية بالغة عند (الإسكندر الأكبر) الذي كان قد غزا معظم أرجاء الشرق الأدنى القديم ودانت له المنطقة الممتدة من (اليونان) غرباً إلى حدود (الهند) شرقاً سوى شبه الجزيرة العربية، ولكن (الإسكندر الأكبر) توفي ولم يحقق رغبته في السيطرة على طريق التجارة القديم (الخليج العربي)، وفي عصر الدولة (السلوقية) التي نشأت في أعقاب وفاة الإسكندر الأكبر في بابل عام 323 قبل الميلاد، سيطر (السلوقيون) على جزيرة فيلكا وشيدوا فيها (الحصن الهلنستي) ليكون مقراً للحامية السلوقية وحصناً منيعاً ضد هجمات أهالي الجزيرة، كما أقاموا في الطرف الجنوبي من الحصن معبداً ومشغلاً للتماثيل الطينية، وفي حدود نهاية القرن الثاني قبل الميلاد انتهى الوجود السلوقي في الجزيرة.
ولما تشكله جزيرة فيلكا من دور بالغ في تأريخ التراث والإرث الحضاري للمنطقة ومن منطلق غرس مفاهيم المواطنة والانتماء لهذه الأرض؛ قام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب برعاية هذا المشروع الثقافي والتاريخي والذي كشف عن معلومات تاريخية مهمة عن أرض الكويت بعد أعمال التنقيب الأثري الذي كان برعاية المجلس مما أدى إلى إدخال هذه المادة التاريخية والأثرية ضمن مقررات الطلبة في الكليات والهيئات العلمية والمدارس الحكومية.