بعد أشهر قليلة من نكسة 1967، وصل إلى القاهرة أستاذ أميركي متخصص بالعلوم الاجتماعية قادماً من الولايات المتحدة الأميركية، حيث تمكن من الحصول على إذن زيارة من الجهة الأمنية وممارسة مهنته الأكاديمية، ومصر تئن من جراحات الحرب.
وسرعان ما أثارت ريبة وشكوك الجهات الأمنية، قيام هذا الباحث وتردده على مسجد الحسين، عليه السلام، ومقام السيدة زينب، عليها السلام، في بحث أطلق عليه «علاقة المجتمع المصري بمقام السيدة زينب ومسجد الحسين».
كان الإحباط استبد بالمجتمع المصري عقب نكبة 1967، والشهداء الذين سقطوا في صحراء مصر المحرقة في تلك الحرب التي حققت أميركا النصر لحليفتها إسرائيل، وكراهية الشعب المصري والعربي لأميركا.
هذا الباحث كان يهدف إلى خلق فتنة طائفية، كما عصف في العراق وسورية ولبنان أفراد في المخابرات الأميركية والإنكليزية والفرنسية مثل برنارد لويس وبريجنسكي في وضع خريطة الشرق الأوسط الجديد لتفتيت الوجود العربي بعد معاهدة سايكس بيكو في 17 فبراير 1917، ووعد بلفور الذي وقعه آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطانية.
هكذا هم أفراد غيروا في تأثيرهم على تفرقة الشعوب في طوائف وملل... فهذا الأميركي الذي تردد على مسجد الحسين ومقام السيدة زينب، يريد أن يعمل انقساماً في الشعب المصري كما عمل آخرون من المخابرات في رسم الطوائف وأخذ يغدق بالمال على سدنة المقامين، وأراد إبعاد مصر عن عقيدة القومية وإبعادها عن الدول العربية... وما عملته المخابرات من فصل وحدة مصر عن سورية.
وجاءت بعد النكبة تيارات إسلامية مسيّسة، وتدمير الفكر القومي، حتى كشف الإعلام هذه الحرب الفكرية وتخلى عنها الكثير من المواطنين في مصر وخارجها، وتجسست مراكز البحوث العلمية لتفريق العرب ومؤازرة إسرائيل في كل عدوانها... ونشطت في مصر والبلاد العربية مراكز ومؤسسات الدراسات والبحوث الإستراتيجية الاجتماعية والسياسية الأجنبية والعربية، تتلقى مراكز البحوث تمويلات سخية دفعت أموالاً للباحثين ومؤلفي كتب الأبحاث وباعوا فيها العروبة وقوميتها.
الباحث الأميركي تردد على مسجد الحسين والسيدة زينب، ولكنه فشل في تفرقة الشعب المصري وإخلاق طائفتين مسلمتين... ونشطت مراكز الأكاديميات الإسرائيلية في إحدى العواصم العربية، وغذّت صحفها وأغدقت الأموال وخلقت التطبيع المعلن وغير المعلن فيها وفطنت مصر لهذه المؤامرات، فأصدرت الحكومة القرار الجمهوري رقم 48 لعام 1982 الذي حدد الضوابط والقيود المفروضة على مراكز البحوث ومنع الحركات الوطنية المصرية من المؤتمرات المشبوهة وخرج الباحث من مسجد الحسين والسيدة زينب.