صحيح أن الناس مقامات، وابن الباشا باشا وابن المواطن مواطن، إلا أن هذه القاعدة يجب ألا تُسحب على كل شيء، فالخدمات العامة يجب أن تقدم للجميع ليس وفق مقامات الناس، ولكن وفق أحوالهم.
وأن تعلموا أن الأكثر احتياجاً في هذا الوطن هو الأكثر صمتاً، وأن الأعلى صوتاً «بورقة مكتوبة أو اتصال تلفوني» هم الأقل احتياجاً.
وقد يقول لي وكيف تعلم من هم الأكثر احتياجاً؟
الأكثر احتياجاً في هذا الوطن هو المواطنة أو المواطن الذي يذهب بنفسه لتخليص معاملاته، أو رغبة في خدمة داخل مؤسسة حكومية... فينتظر وينتظر، ويصعد وينزل، بينما تمر الفيلة والغربان والصقور العاتية والزرافات والغلمان تحت باب مكتوب عليه «الأكثر احتياجاً هو الأعلى واسطة».
والواسطة بنت السياق الاجتماعي، فالمواطن الذي يلعنها مساءً في الديوانية، هو ذاته الموظف في الصباح الذي جعل الرجل «معدوم الواسطة» ينتظر... وينتظر... ويصعد وينزل، بينما تمر الفيلة والغربان والصقور العاتية والزرافات والغلمان تحت باب مكتوب عليه...!!
يبدو أن المقال أصبح يعيد نفسه، تماماً مثل الدائرة التي نعيش فيها أفعى تبتلع ذيلها.
السيدة سكرتارية الوكيل، والسيد نائب المدير العام، والسيد المدير العام، والجوقة والزمرة والشلة الطيبة المباركة المحيط بكل هؤلاء... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سلاماً مباركاً من عند الله، ولا رغبة فيه للإساءة إلى أحد.
إن الأكثر احتياجاً في هذا الوطن، في ما يتعلق بتخليص معاملاته وليس التخلص منه، وتسهيل أموره وليس تأجيلها أو ترحيلها...هو المواطن الذي يذهب إلى مؤسسات الدولة كلها، دون أن يكون معه «واسطة»، وغالباً هو لا يشعر بالحرج من أن تكون معه واسطة، ولكنه فعلاً ليس معه واسطة، فيقال له «المديرة في اجتماع».
فيقول: «ومتى ينتهي»؟ فترد السكرتيرة «ما أدري».
أما سكرتارية أعضاء البرلمان فيقولون «وين المديرة، احنا من طرف العضو...»، فيقال لهم «حياكم الله، أهي في اجتماع، دقيقتين ويخلص»!
ويبقى الأكثر احتياجاً فاغراً فاه حتى قفاه، وهو ينتظر وينتظر ويشاهد الفيلة تدوس على العُشب داخل المؤسسات الحكومية، بينما تتكلم باسم الشَعب خارجها.
حسناً، بعيداً عن كل ما سبق وتلخيصاً له، السادة موظفو الدولة المحترمين...عاملوا الناس بالحسنى، وراعوا أحوالهم واحتياجاتهم، وترفقوا في الرد عليهم، ولا تحرجوهم بسيف خبرتكم في العمل الإداري، واعلموا أن مقامات الناس عند الله، ليست بمعايير ديوان الخدمة المدنية، ولا بمعايير بيت مال المسلمين، واسألوا الله أن يُدخلكم من بابٍ مكتوبٌ عليه «الساعين في حوائج الناس» وناموا بدري علشان تصحوا بدري، وقولوا لبعضكم البعض صباح الخير، واستودعوا الله أبنائكم في المدارس، حيث سيتعامل معهم موظفون مثلكم، وكل عمل لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
Moh1alatwan@