نستذكر كلمات أمير البلاد الراحل سمو الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه، وكأنها تحاكي الواقع الذي نحن فيه، «علينا أن نأخذ العبرة مما يجري حولنا، ولا خيار أمامنا إلا ترسيخ وحدتنا الوطنية، وتلاحم مجتمعنا، ونبذ أسباب الفتن والفرقة، وإثارة النعرات العصبية البغيضة ومن أخطرها انحراف وسائل التواصل الاجتماعي... التي صارت معاول تهدم وتمزق الوحدة الوطنية، وتسيء إلى سمعة الناس وكراماتهم وأعراضهم، وقد دعوتكم غير مرة إلى تحرك جاد وعاجل للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، وحماية مجتمعنا من آفاتها الفتاكة».

ليست كلمات إنما هي «خارطة طريق» وخطاب واضح وجلي، وهي رسالة لا تقتصر على الكويت فقط، أنما تشمل جميع الدول، وهو نهج سياسي حكيم.

فالتواصل الاجتماعي، يعني الاستمرار بالعلاقة المتوازنة الطيبة بين الأفراد والجماعة، والهدف منه المنفعة المتبادلة، وتبادل المعلومات المفيدة.

وتعتبر هنا نعمة، وللأسف رغم أهمية تلك التكنولوجيا، إلا ان البعض يستخدمها كنقمة، فلا يلتزم بالآداب والأخلاق، انما يلجأ الي النميمة والتجريح وإيذاء الآخرين.

ولذلك هي وسيلة متناقضة ذو حدين، إما أن تتصف بالنعمة والبناء والرخاء على مستخدميها، أو تكون نقمة ودماراً ومصدر شقاء عليهم.

وللأسف، أبتلينا في هذا العالم الافتراضي بمجموعة ممن يدعون المعرفة والعلم، والبعض منهم لا يدرك خطورة ما يقول... أطلقوا على أنفسهم الألقاب العديدة: سياسي /ناشط /عالم /محلل/ خبير /نائب سابق... وهم لا يضعون مصلحة الوطن فوق مصالحهم الشخصية! وينشرون الفساد الاخلاقي، والأكاذيب، والإشاعات، والإساءة للناس، ويفتحون باباً للفتنة والإثارة والإيقاع بين أفراد المجتمع الواحد.

وكذلك هناك من يساهم بنشر تلك الحسابات السيئة عن قصد... يهدف إلى مصلحة وأجندة خاصة، أو تكسب انتخابي، أو تصفية حسابات... أو عن حسن نية، يتداول تلك الرسائل للترفية، ولمجرد التواصل مع أصدقائه، وإثبات وجوده.

وكل العتب على من يكون أكاديمياً متعلماً يتداول مثل تلك الرسائل البغيضة والسيئة.

فاختلاف الرأي ظاهرة صحية ومحمودة، من دون تجريح الآخر، وتخوينه، فالهدف واحد وهو حب ومصلحة الوطن، والتعبير عن الرأي مكفول إنما التجريح مرفوض.

ونحن ولله الحمد في دولة المؤسسات، نتمتع بالديموقراطية، ونستنشق هواء الحرية، وليس هناك من هو فوق النقد البناء، ان كان الهدف تصويب الخطأ وإظهاره بالحقائق التي تثبت ذلك.

والتصحيح يكون من قواعد الناخبين، بمحاسبة ناخبيهم وممثليهم في المجلس التشريعي، وليس عبر الشارع والفوضى والتغرير بالشباب، وإثارة العواطف، من قِبل المتطفلين ممن تفوح منهم روائح الحقد والكراهية. ولذلك من الضرورة وضع ضوابط وتشريع لاستخدام تلك التكنولوجيا، ولا تترك هكذا فوضى، لتكون وسيلة نافعة تحقق المصلحة العامة، وتكون وسيلة إصلاح لسلبية موجودة، ولا تكون منبراً للشر والفساد ومعولاً للهدم.

ووصف الحال في هذه الأيام الشاعر حسام الدين بهذه الأبيات الرائعة: الْكُلّ فِى هَذي الديارِ مدرسٌ وَالْكُلّ فِيهَا شاعرٌ وأديبُ وَالْكُلّ إنْ شِئْت البناءَ مهندسٌ وَالْكُلّ إنْ شِئْت الدواءَ طبيبُ وَالْكُلّ فِى عِلْمِ الْحَدِيثِ محدثٌ وَالْكُلّ فِى علمِ الْكَلَام خطيبُ وَالْكُلّ قَد درسَ الحقوقَ وعلمُها وَالْكُلّ فِى علمِ القضاءِ رهيبُ والفقهُ عِنْدَ النَّاسِ أمرٌ هينٌ فَالْكُلّ يُفتي دائماً ويُصيبُ ماعاد فِي هَذِهِ الدِّيَار تُخَصِّص هَذَا لَعَمْرِي مُخْجِل وَمَعِيب لَو كُلُّنَا عَلِم الْحُدُود لِعَقْلِه مَا عاث فِينَا جَاهِلٌ وكذوب اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمدلله رب العالمين.