دخل لبنان أسبوعاً يُنتظر أن يتمّ فيه «تثبيتُ» المعادلات التي رُسمتْ من الثنائي الشيعي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري بـ«فائض التهديد» في مجلس الوزراء وله، وبفائضِ القوة في أعقاب أحداث الطيونة الدموية، على تخوم محاولة فرْض مقايضةٍ شائكة ومكلفة على البلاد هي الحكومة أو كبير المحققين في «بيروتشيما» القاضي طارق بيطار ثم السعي لـ«استثمار» موْقعة «الخميس الأسود» (خصوصاً من حزب الله) لـ «مُبادَلةٍ موازية» مزدوجة بين بيطار والسلم الأهلي كما بينه وبين رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.

وفي أسبوعٍ يُختتم بإطفاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون شمعةَ السنة الخامسة من عهده، لا شيء يشي بأن الأشهر الـ12 الأخيرة من ولايته التي شهدتْ تسونامي أزماتٍ كارثية سقط معها لبنان في قعر «جهنّم» ستحمل ما يمحو تداعيات سنوات عهده العجاف، بل على العكس فإن «قرار» إقصاء بيطار من الثنائي الشيعي وتفاعلات محاولات إثارة مناخات بوجه جعجع تستحضر «تجربة» فبْركة ملفٍ له (تفجير كنيسة سيدة النجاة) مهّد لحلّ «القوات» واعتقال رئيسها 11 عاماً، اعتُبرت مؤشرات مقلقة إلى أن ما ينتظر لبنان في الفترة المقبلة بالغ الخطورة ويصعب فصْله عن مساعي ترتيب الملفات الساخنة في المنطقة وترسيم النفوذ فيها والتي «تُبرم» بين الدول العظمى وغالباً على حساب الدول الإقليمية و«الوكلاء».

ففي حين تسود أجواء مفادها أن أبواب مجلس الوزراء ستبقى موصدة إلى أن يتم طي صفحة القاضي بيطار بتنحيته وسط تحوّل الحكومة أشبه بـ «مجلس وزاراتٍ» يُراد تفعيلها تعويضاً عن تعطيل العمل الوزاري من ضمن هرَمية سلطة تنفيذية متضامنة ومتجانسة لها رئيس، لم يكن عابراً ما نُقل عن وزير الثقافة محمد مرتضى الذي كان رأس حربة لغة التهديد في آخر جلسة وزارية قبل نحو أسبوعين من أنه «لن يتم توجيه الدعوة لعقد مجلس الوزراء قبل أن تنتهي السلطة القضائية ووزير العدل من أداء دورهما حسب الصلاحيات المنوطة بهما على مستوى الأداء، الذي يشوب التحقيق العدلي»، في ظل معطيات عن أن أي مخرج لهذه المعضلة لم تتوافر عناصره بعد.

بين تحقيقات بيطار و«استدعاء» جعجع

وفيما يشهد هذا الأسبوع محطتين بارزتين في تحقيقات بيطار هما 28 أكتوبر، موعد استجواب رئيس الحكومة السابق حسان دياب (صادرة بحقه مذكرة إحضار) ثم 29 منه مع الجلستين اللتين حددهما لاستجواب النائبين غازي زعيتر ونهاد المشنوق وسط توقعات بأن يصدر بحق الثلاث مذكرات توقيف غيابية (على غرار ما فعل مع الوزير السابق يوسف فنيانوس ثم النائب علي حسن خليل) الأمر الذي سيزيد من «عصْف» هذا الملف، برز أمس كلام نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي أكد أن «المحقق العدلي تحول مشكلة حقيقية في لبنان، ولم يعد مأموناً على العدالة وهو يستنسب ويسيِّس التحقيقات بطريقة مكشوفة، وبسببه كادت تحصل فتنة كبيرة في الطيونة، وما هذا المحقق الذي جاءنا بالمشاكل والمصائب ولا أمل منه بأن يحقق العدالة؟ الأفضل أن يرحل من أجل أن يستقر الوضع وأن يحصل الناس على عدالة موصوفة».

وإذ اعتبرت أوساط سياسية أن كلاما قاسما عزّز الاقتناع بأن أحداث الطيونة هي امتدادٌ لـ «معركة» إقصاء بيطار، فإن مسألة استدعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي (تربطه صلة قربى بالرئيس بري) للدكتور سمير جعجع لسماع إفادته في أحداث الطيونة (وهو ما رفضه جعجع داعياً للاستماع أولاً إلى السيد حسن نصر الله) مازالت تتفاعل في ظل مخاوف من أن يتحوّل فتيلاً جديداً ينقل الوضع اللبناني إلى مستويات أكثر احتداماً نظراً إلى الأبعاد الكبيرة لأي منحى يمكن أن تُشتمّ منه محاولة تكرار تجربة إقصاء جعجع التي جاءت قبل 27 عاماً من ضمن مسار كاسِر للتوازنات الداخلية - الإقليمية - الدولية التي ارتكز عليها اتفاق الطائف.

وغداة نفي النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات صدور قرار من جانبه بتجميد قرار عقيقي بالاستماع لجعجع،موضحاً في الوقت نفسه «أن إشارة مفوض الحكومة بتكليف مديرية المخابرات الاستماع لرئيس القوات هي موضوع متابعة من السلطات المعنية لمعرفة إذا كان التكليف يرتّب استجواباً في فرع المخابرات أم عند القاضي صاحب التكليف من دون أن يكون هناك تحديد لأي مهلة زمنية»، جرى التداول أمس بتقارير مفادها أن مديرية المخابرات في الجيش ستوفد أحد الضباط المعنيين بالتحقيق إلى الانتقال لمقر إقامة جعجع في معراب للاستماع إليه والإدلاء بإفادته في الملف.

إلا أن مصادر في «القوات» أكدت لـ «الراي» أن هذا الأمر غير صحيح و«لا أساس له»، مؤكدة أن أي تبليغ بقرار الاستماع للدكتور جعجع «لم يصلنا بعد»، وموضحة أن «الاطمئنان كبير لموقف الجيش اللبناني الذي لا غبار عليه».

وتقاطع موقف «القوات» مع أجواء تعتبر أن الجيش وقيادته ليست في وارد توريط المؤسسة العسكرية وتحويلها أداة لتصفية حسابِ فريقٍ سياسي مع آخَر خصوصاً أن أداء الجنرال جوزف عون اتسم بالكثير من الحكمة طوال توليه قيادة الجيش وهو يتهيأ لزيارة الولايات المتحدة ويحرص على عدم زجّ الجيش في زواريب الصراعات السياسية الداخلية.

الراعي... يهزّ العصا

وغدة استقباله قائد الجيش، لم يكن عابراً إعلان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ربْطاً بأحداث الطيونة والاتهامات لـ «القوات» اننا «لا نَقْبلُ، ونحن المؤمنين بالعدالةِ، أن يَتحوّلَ من دافعَ عن كرامتِه وأمنِ بيئتِه لُقمةً سائغةً ومَكسرَ عصا.

فهؤلاء، مع غيرِهم، حافظوا على لبنانَ وقدّموا في سبيلِ وِحدتِه وسيادتِه ألوفَ الشهداء.

نريد عدلاً في السويّةِ والرعيّة ولا ظلماً في أي مكان.

ابتَعِدوا عن نيرانِ الفتنة. نحن لا نريد دولة سائبة».

وأضاف: «موقفُنا هذا هو دفاعٌ عن الحقيقةِ والمواطنين الآمِنين في جميع المناطق المتضرِّرة.

ونتمنى أن يَحترمَ التحقيقُ مع الموقوفين حقوقَ الإنسانِ.

لا نريد تبرئةَ مذنِبٍ ولا اتّهامَ بريء.

لذلك، لابد من تركِ العدالةِ تأخذُ مجراها في أجواءَ طبيعيّةٍ ومحايدَةٍ ونزيهةٍ.

ونَحرِصُ على أن تَشمُلَ التحقيقاتُ جميعَ الأطرافِ لا طرفاً واحدًا كأنّه هو المسؤولُ عن الأحداث.

إنّ الجميعَ تحتَ القانون حين يكون القانونُ فوق الجميع».

ما سرّ إشادة نصر الله بفرنجية؟

وربْطاً بكل هذه الأجواء، وفيما أبدى الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في كلمته مساء الجمعة ارتياحاً لـ«التحقيق الشجاع» في أحداث الطيونة، فإن مصادر عليمة توقفت أمام المكانة التي احتلها زعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية في الإطلالة ما قبل الأخيرة لنصر الله والإشادة اللافتة بمزاياه.

ورأت هذه المصادر عبر «الراي» أن نصر الله أراد ضمناً توجيه رسالة مبطنة لرئيس «التيار الوطني الحر» (صهر عون) جبران باسيل، بأنه أقله ليس خياراً وحيداً في السباق إلى رئاسة الجمهورية بعد نحو سنة، موضحة أن سعي «حزب الله» لإضعاف «القوات» وجعجع ومحاولة تصوير الـ 100 ألف مقاتل (هدد بهم نصر الله جعجع) على أنهم في «خدمة المسيحيين» لا سيفاً مصلتاً عليهم، لا يعني بالضرورة رغبة في تقوية باسيل بقدر ما ينطوى على دفعه للبقاء في «بيت الطاعة».

وفُهم مع طغيان التدافع الخشن على وقع العد التنازلي للانتخابات النيابية (27 مارس 2022)، التي تشكل ممراً إجبارياً للاستحقاق الرئاسي، أن «حزب الله» الذي ينسق التفاصيل مع شريكه في الثنائية الشيعية الرئيس بري يحرص على عدم إغضاب الأخير هذه المرة كما حصل يوم أدار ظهره له في معركة تنصيب عون رئيساً للجمهورية.

و«انفجرت» بين فريق عون وبري

واستوقف دوائر متابعة في هذا الإطار تَفَجُّر العلاقة بين بري و«التيار الحر» على جبهتين:

•الأولى جلسة تعديل قانون الانتخاب والمهل بما عبّد الطريق أمام إجراء الاستحقاق النيابي في 27 مارس عوض مايو 2022 (علماً أن الموعد الأول هو ضمن المهلة الدستورية)، وإسقاط حصر اقتراع المغتربين بستة مقاعد يجري استحداثها لهم، وذلك خلافاً لرغبة باسيل الذي بدا «بلا حلفاء».

وفي حين تكفل الرئيس عون بالجولة الأولى من محاوة الارتداد على التعديلات عبر ممارسة حقه الدستوري بردّ قانون التعديلات إلى مجلس النواب طالباً إعادة النظر به، لا سيما في ما يتعلق بتقصير المهلة الدستورية لإجراء الانتخابات وتحديدها بتاريخ 27 مارس، وهو ما قابله بري بدعوة اللجان المشتركة للاجتماع صباح الثلاثاء لدرس الردّ وإجراء المقتضى التشريعي، فإن الجولة الثانية التي يُرتقب أن تأتي بعد معاودة البرلمان الإصرار على القانون كما تم إقراره (يحتاج إلى الأكثرية المطلقة من عدد النواب الذين يؤلفون البرلمان) تتمثل في طعنٍ يُنتظر أن يتقدم به تكتل باسيل أمام المجلس الدستوري

•والثاني محاولة «التيار الحر» الإيقاع مجدداً بين «حزب الله» وحركة «أمل» بزعامة بري عبر تصوير أحداث الطيونة على أنها حصلت بتواطؤ بين الحركة و«القوات اللبنانية» وهو ما عبّر عنه بوضوح أمس بيان التيار الذي أكد ‏«تمسكه بمشهدية تفاهم مار مخايل النقيض لثنائية تواطؤ الطيونة» قبل أن يبلوره أكثر النائب سيزار أبي خليل معلناً «أن هناك تواطؤاً بين أمل والقوات بما حصل في الطيونة و(الحزب)يعلم ذلك».

ولم «تمرر» أمل هذا الموقف فردّت ببيان على طريقة «حرْق المراكب» مع التيار الحر استهلته بـ «فعلاً إن لم تستح فأفعل ما شئت»، معتبرة «بات هذا التيار في ظل البطالة والإرباك السياسي والشعبي الذي يعيشه يحاول الهروب وخلق سيناريوات وهمية وفاشلة من عقله المريض للتغطية على واقعه وعلى ما ارتكبه من جرائم سياسية ومعيشية بحق اللبنانيين».

وقالت: «يحاول التيار استغلال تفاهم سياسي في مار مخايل لزرع الفتن والمساس بالتحالف المتمثل بالثنائية الحقيقية بين(حركة أمل)و(حزب الله)والذي تعمد بدماء الشهداء الذين سقطوا في الطيونة جنباً إلى جنب ليجسدوا عمقه في مواجهة تسييس القضاء عبر الغرفة السوداء برئاسة سليم جريصاتي والتي تحرّك وتدير عمل القاضي طارق بيطار».

واتهمت مَن وصفته بـ «تيار الفساد» بـ «السعي لاستغلال توقيع رئيس الجمهورية وحقه الدستوري من أجل الهروب وتطيير الانتخابات النيابية أساساً لخوفه من التحولات الحاصلة في بيئته»، وقالت «الأجدى بمن يدعي الحرص على التمثيل أن يسأل رئيس الجمهورية عن إخلاله بموجباته الدستورية بالتقاعس عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لانتخاب أحد عشر نائباً بدل النواب الذين استقالوا».