لقد جالت جائحة «كورونا» العالم ولم تمضِ بعد، وقد ملأ عجاجها الآفاق، فلم تسلم منها بقعة جغرافية مأهولة، وخيّمت بظلالها على غالبية الأنشطة والأعمال التي يُمارسها الناس، وأثّرت بشكل مباشر على حركتهم اليومية وعلى علاقاتهم الاجتماعية فانقطع التزاور، ولزم التباعد ومنعت القبلات والأحضان بين الأحباب، فكان الجفاء شراً لا بد منه، وأصبحت الأقنعة زينة للرجال والنساء.

ولم يسلم التعليم بالعالم من هذه الجائحة، بل كان من أكثر من تأثر بها، فلم تبق مدرسة بالعالم تقريباً لم يطلها الإغلاق وتعليق الدراسة، حتى في الحروب العالمية لم يحدث إغلاق عالمي للمدارس، فبرزت الحاجة مع امتداد هذه الأزمة إلى التعلم عن بُعد باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة.

وفي الحقيقة، أن التعلم عن بُعد باستخدام الوسائل التكنولوجية لم يسد الحاجة عن الحضور المباشر، إلا أنّه في الوقت نفسه أظهر بعضاً من الفعالية للتعليم عن بُعد، وإعطاء دور مشارك للمنزل في التعليم، ونمّى العلاقة وتفهم الحاجة التعليمية والتربوية بشكل مباشر بين أولياء الأمور في البيت، وبين المدرسين في المدرسة.

هنا يجب أن يكون درس أزمة «كورونا» أداة للمسؤولين في التعليم والأساتذة، وواضعي الخطط التربوية للمدارس إلى إعادة النظر بشكل كامل في النظام التعليمي المدرسي بالكويت، وخصوصاً في المراحل الابتدائية، ثم المتوسطة.

هناك حاجة لإعادة النظر في الموارد وفي تنظيم الفصول، وتهيئة المدرسين للتعامل مع الجيل الجديد من التلاميذ الصغار، ومراجعة الموارد للمعلمين والأخصائيين، ويشمل ذلك وسائل التحفيز لهم والدورات التدريبية والاستفادة من تجارب الدول المتطورة في أنظمتها التعليمية.

فما زالت هناك أساليب تعليمية قديمة من حيث النوع، وهناك أساليب تعليم عنيفة وإن تم منع التعنيف البدني فما زال العنف اللفظي سارياً، في زمن قد تغير وزاد فيه الذكاء العاطفي للأطفال.

أما المباني المدرسية، فما زالت بشكلها التقليدي القديم بطوابقها وفصولها، والتلاميذ الصغار تائهون في ساحاتها الكبيرة تتم ملاحقتهم وصفهم في الساحة كأنّهم طوابير من المجندين.

لقد طلّقت الدول المتطورة علمياً وتعليمياً وسائل وأساليب ونظم التعليم القديمة السارية عندنا منذ زمن بعيد، خصوصاً في أوروبا، ولحقتها حسب حاجاتها دول في آسيا، كاليابان وسنغافورة.

سنغافورة التي كانت دولة فقيرة قليلة الموارد قبل نصف قرن أصبحت دولة صناعية ومركزاً تجارياً حيوياً، ويعود جزء من نجاحها عبر تركيزها على وضع نظام تعليمي مدرسي مجدٍ، فقد أصبحت المناهج أقل والتعلم أكثر وقامت بتشجيع التعلم الجماعي.

وفنلندا التي كانت دولة أوروبية قليلة الموارد قبل عقود، وضعت نظاماً تعليمياً فعالاً غير جامد، وقامت بالتركيز على التعليم الجماعي لطلبة المدارس وحل المشاكل العلمية جماعياً، والتعليم عبر طرق مختلفة بشكل غير مباشر، وزيادة الأنشطة المرحة وروح المرح ووضع المنهج بشكل محبب للتلاميذ الصغار، وبعدها أصبحت من الدول المتطورة في التعليم، ونتج عن ذلك تطور فنلندا بشكل عام.

في حديث خاص مع إحدى الأخصائيات الاجتماعيات المخضرمات في التعليم الابتدائي، تقول إنها تشعر بتثاقل بالذهاب للمدرسة واتباع نظامها الذي لم يتغير منذ عقود، وإنها والكلام للاخصائية تشعر كأنها في الجو نفسه الذي كانت فيه عندما كانت طالبة، بسبب الرتابة والروتين المدرسي، وأوامر المديرة ونائباتها وعدم إيمانهن ولا إيمان بعض المدرسات بالاقتراحات التربوية، وحاجات التلاميذ الصغار في عصرنا الحالي.