لماذا الندم توبة؟
ولماذا تتردّد كلمة يا ليت؟
ولماذا لو عاد بي الزمن لفعلت وفعلت...؟
ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كذا وكذا...؟
لا يوجد كتاب في الدنيا يهتم بأمر الزمن، كالكتاب المنزل من رب العالمين.
فالله عز وجل هو الأول والآخر.
والزمن في القرآن أمره عجيب وعظيم لدرجة أن يقسم جل جلاله به في العديد من المواضع.
ولولا أهميته ومكانته وفضائله لما احتل هذا المقام الرفيع في القرآن.
والفجر؛ والصبح؛ والضحى؛ والعصر؛ والليل. هي أوقات فاصلة وأزمنة لا تنقضي حتى تعود من جديد... وهي مراحل حياتنا اليومية وجدول أعمالنا نسجل خلاله أعمالنا حتى يوم جديد.
ومعنا دوماً مواسم كشهر رمضان؛ والحج، والأعياد.
وفي السماء مواقع للنجوم لتعلموا عدد (السنين) والحساب؛ وأيام مذكورة كالجمعة؛ السبت؛ وكلها أزمنة وأوقات لها دلالات فاضلة ومواسم عطاء وذكريات لأولي الألباب. والزمن هو الوقت سواء كان ماضياً أو حاضراً أو مستقبلاً.
والتاريخ هو الزمن الماضي وفيه قصص الأولين ومآثرهم، حروبهم وحياتهم، إنجازاتهم وإخفاقاتهم؛ أمما وأفراداً، دولاً وحضارات.
هو سجل تنسخ فيه آثارنا وأعمالنا، ليكون كتاباً تروى صفحاته يومئذ.
ومحروم من لم يقرأ عن قصص الأولين من الأنبياء والصالحين والناجحين والأمم الغابرة والبائدة.
وفي حياة كل واحد منا روايات وقصص في أزمنة متعددة؛ طفولتنا وشبابنا ورشدنا ويوم نهرم ونشيخ.
ولكل مرحلة من أعمارنا لون وطعم ورائحة، نستوعب خلالها الأحداث والأشخاص والأشياء.
ولكل منا ماض وحاضر ومستقبل. وبعد قليل سيكون ما أكتبه الآن شيئاً من الماضي!
فأنت إذاً تحمل الأمس القريب والماضي البعيد في ذاكرتك معك، ضمن أرشيفك الخاص وفي ملفات رأسك.
تتذكر طفولتك في الروضة والمدارس ورفاق ( السكة) والفريج. تعيش الماضي تضحك منه وتحزن وتتوارد أسماء أصدقاء الأمس بأماكنهم وألوانهم وأشيائهم.
يجرنا الحنين إلى لحظات الماضي مع الذاكرة بأعيادنا القديمة وأغانيها، فتسعد النفس وتسلى وتتحقق الإيجابية كطاقة فاعلة في حياتنا.
ونتذكّر رحلات البر والربيع وأيام الصبا، حيث الخيام والبساطة وساعات السمر في الليالي المقمرة.
كما تسافر أحلامك وآمالك إلى المستقبل، فتتطلع إلى رؤية الغد، وتخطط وترسم مسارات النجاح وأهدافك؛ كل هذا في ذاكرتك وأنت جالس وحدك!
المستقبل والحلم الوردي الذي تريد؛ الزوجة والوظيفة والأولاد والأحفاد وما يخفيه لنا القدر.
رحلة عبر الزمن عجيبة لا يملكها سوى الإنسان؛ يرحل إلى الأمس ويسافر إلى المستقبل... وكلما ازداد الإنسان اطلاعاً وعلماً وخبرة، كانت رحلاته أكثر خصوبة وعمقاً... وبها يحقق الفوائد والعِبر والمكاسب والدروس، التي يفتقدها الأقل علماً واطلاعاً!
وبعد ذلك كله نتذكّر كلمات الإمام علي - رضي الله عنه - حين قال:
ما مضى فات والمؤمل غيبٌ *** ولك الساعة التي أنت فيها
فالحاضر هو الأهم وهو الفاعل الحقيقي في حياتنا، فهو الذي يشكّل الأمس وبه يتشكّل المستقبل.
لنفكر في واقعنا وحاضرنا. فإن كان الماضي تعيساً، لنرسم الآن ماضياً جديداً عبر الحاضر.
الآن لحظتنا التي نعيشها ونختار فصولها وألوانها؛ لنحياها إذاً بكل تفاصيلها بالحب والخير والذكاء.
لنحرص على علاقاتنا بين الأهل والأقارب وزملاء العمل.
يوماً ما ستذكره، ليكن له جمال كجمال روحك.
لنفكر جيداً في كل أمورنا وما تبقى لنا من الزمن والغيب.
لنحدد المسار جيداً ونختار الطريق.
الآن هي خطواتنا نحو غد أجمل وأفضل. لنحدد أهدافه ونبدأ المسير قبل فوات الأوان.
وتذكّر دوماً... لكل أجلٍ كتاب.