بات واضحاً أن بعض أقطاب المعارضة - بعد كل هذا الشحن والتصعيد في مطالبه لدرجة فاقت المعقول والمقبول وتجاوزت حدود العمل السياسي إلى منزلق العداوة والفرقة الاجتماعية - لم يعد يملك قرار التراجع عن مطالبه ولا التخفيف من حدتها خوفاً من انسحاب العامة الداعمة له والمحدودة تعداداً، ولم يبق أمامه إلا التصعيد المستمر حفاظاً على مصداقيته أمام الأمة حتى وإن كان الثمن الكويت حاضرها ومستقبلها ووجودها.
وهم هنا محقون جزئياً إذا قيست الأمور على المدى القصير وعلى أساس النجاح التكتيكي وليس مصلحة الأمة، ولكن يفوتهم أن ذاكرة الشعوب قصيرة وأن ما يحرك الجماهير عادة هو ما يتعلق بمصالحها المباشرة، وأنها توالي من يحاول تحقيقها لها، ما يجعل أي تغيير يخدم هذا الاتجاه - أي تهدئة الأوضاع وإيجاد صيغ تفاهم ولقاء مع خصمي المعارضة رئيسي البرلمان والحكومة، والتقارب مع غالبية الطبقة الوسطى، المراقبة والمترقبة بغضب متزايد على الطرفين، أمراً مطلوباً وحلاً مرحلياً واجباً للأزمة، ويترك للوقت والإدارة الجيدة الإضافة إليه مستقبلاً.
إن الانحراف السياسي الذي تعيشه البلاد، ليس حكراً عليها ولا هو بدعة بين الأمم وقد وصفه أرسطو وزرادشت، كما تحدث عنه ابن خلدون في العبر (مقدمته) على أنه مرحلة من مراحل اضمحلال الأمم، تمر بها الدولة بسبب بطانة السوء من محدثي النعمة الذين أطلق عليهم ابن خلدون لقب «خضراء الدمن»، فينتشر الظلم ويغيب العدل وتهيمن الغوغاء على الواقع السياسي في مشهد يظن الناظر إليه للوهلة الأولى أنه «ممارسة ديموقراطية» والحقيقة أنه غوغائية وفوضوية.
إن تأخر المواجهة السياسية لما تتعرّض له البلاد جعل الحلول محصورة في محاور ثلاثة أولها، ترك الأمور معلقة بين هجوم المعارضة وتجاهل الحكومة، ما سينتهي بفشل الدولة، أو المواجهة المباشرة وقيام الحكومة بالتشدّد في تطبيق القوانين ضد كل من يخرج عليها، ويأتي ثالثاً مرتكزاً على دور الحكماء من كل فئات المجتمع في التهدئة، وتوحيد الفرقاء ولو جزئياً، ومرحلياً للخروج بالمجتمع من دائرة الانهيار المغلقة بفرض منطق العقل والضرورة عليه، فليست هناك مطالب أجلّ وأسمى من إنقاذ الوطن والحفاظ عليه، أما تدميره من أجل إصلاحه فشعار رفعه نيرون وأحرق روما على أساسه، وكذلك فعل شمشون فهدم المعبد على رأسه ورؤوس خصومه، أي انتهى المشهد السياسي بدمار مستحق لأسوأ البشر، وعلى القلة المارقة ممن ينسبون أنفسهم للمعارضة الكويتية - وهي منهم براء - إدراك ذلك.