المجتمع الكويتي المكون من 1.4 مليون مواطن يستضيفون 3.1 مليون وافد معظمهم في سوق العمل وأكثر من 120 ألف مقيم بصورة غير قانونية (بدون)، يتعرض لتغيير كامل في قيمه وأعرافه وحتى التزامه العقائدي وسط ضغوط دولية لإضعاف مجلس التعاون بين دوله، وتشتيت جمعها في أزمات خليجية - خليجية وأخرى خليجية - إقليمية ودولية، ضمن ترتيبات خروج أميركا من الإقليم متجهة شرقاً.
يفقد كثير من الكويتيين بتسارع موحش مقومات السماحة والإنصاف والعدل وقول الحق ودفع الظلم عن المظلوم والحلم، ويطغى عليهم حبّ الدنيا والحقد على الأفضل، وتمنّي زوال تميّز الآخرين المادي أو المعنوي، والضيق من كل شيء، والعودة إلى التكوين البدائي للمجتمعات وفق إملاءات غرائزية بدائية مثل أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب، وصارت لمصلحة الفرد اليد العليا - لحفظ النوع - لا مصلحة المجتمع الذي أصبح ارتباط معظم مكوناته به ارتباطاً فيزيائياً سهل التفكيك، يصاحب ذلك انفراط في عقد الأخلاق انحدر معه مستوى التهذيب في الفعل والقول، وانعدم الإنصاف وضاع العدل والحق.
الاتساع المفاجئ - الذي فاجأ المجتمع جراء التجنيس العشوائي وتزوير الهوية بانضمام نحو 500 ألف من عوام بعض الدول معظمهم دون مستوى الشهادة الابتدائية إليه - جعل خصائصهم تطغى على التميّز الكويتي، الذي صار يعكس قيمهم، كونها تمثل الأقلية الكبرى، مثل تفشي الغضب والحنق على كل أوجه العيش، ولم يعد ما كان مصدر فخر قبل بضع سنين مرضياً، بل أصبح باعثاً على التذمر والشكوى، والعلاقات بين الناس صار يحكمها الموقف السياسي لا القربى أو النسب أو المواطنة! فإما أن تكون شريكاً لي في توجهي، وإما أنت خصم وعدو، وفي الحالتين أنت مخطئ وأنا أحتكر الصواب، هكذا تتعامل جلّ قيادات العمل السياسي وأتباعهم مع المجتمع، فإن لم تعادِ أعدائي فأنت ممثلهم.
الوافدون يتعرضون للتعريض بهم، وتحميلهم ما نفعله بأنفسنا، فنحن من يجلبهم ثم نشكو وجودهم ومنافستهم لنا على الخدمات، فلا نريد تطبيبهم ولا تعليمهم ولا أن نعدل في التعامل معهم ونزيد فنصفهم بأنهم مصدر الفساد !
لن تكون هناك عودة قريبة إلى سابق عهد المجتمع، فالتغيير قد جذر نفسه، ولكن يمكن الحد من الانهيار وذلك بالتوعية بمفاهيم الديموقراطية وحدود الحريات، وما ينبغي أن يقوم عليه المجتمع من قوانين وقيم وأعراف منظمة في حاضره و مستقبله، أساسها العدل والمساواة والتضحية والولاء للوطن لا للأفراد أو الأيدلوجيات أو غيرهم، وإرساء التسامح بين الأطراف المتنازعة، والبعد عن الغلو في الخصومة والاعتداد بالرأي والتكذيب والتخوين والمبالغة في الألم والحسرة على الفساد والتخويف به ومنه، فهو منتشر بدرجة أو بأخرى في كل دول العالم.
أخيراّ، يجب تقارب طرفي النزاع على أساس إنقاذ البلاد من أزماتها والاتفاق على الحد الأدنى من التزامات كل طرف، وإعلان العفو العام عن المهاجرين والمحكومين بقضايا الرأي، وفق ضوابط محددة وحلّ المجلس دستورياً وتشكيل وزارة جديدة بها تمثيل نسبي جيد للمعارضة، التي عليها أن تحدد ناطقاً مسؤولاً باسمها وقائداً لها، وأن يبادر الطرفان إلى مشروع قومي لإنقاذ الوحدة الوطنية والتخلص من مزوري الجنسية وعقاب من سهّل لهم! وإعادة غربلة العاملين في الدولة والإبقاء على المتميزين والاهتمام بالتصنيع النفطي واقتصاد المعرفة وحماية البيئة.