اعتبرت دراسة صادرة عن «معهد دول الخليج العربي في واشنطن»، أن الولايات المتحدة «غير راغبة استراتيجياً وعسكرياً في مواجهة الميليشيات (العراقية) بشكل مباشر بسبب الخطر الكبير المتمثل في خلق المزيد من الصراع الداخلي، والمزيد من عدم الاستقرار».
وأوردت الدراسة، التي أعدتها الباحثة جنيف عبدو، أن تحالفاً جديداً بدأ يأخذ شكلاً جلياً، هو التحالف بين الناشطين ممن تظاهروا في الشوارع في ما عرف بـ «ثورة تشرين» ورجال الدين الشيعة، وعلى رأسهم المرجعية في النجف التي يتزعمها السيد علي السيستاني.
وكتبت عبدو في دراستها، ان التحالف بين ناشطي المجتمع المدني ورجال الدين، هو أمر غير مألوف في بقية الدول العربية، التي يبتعد فيها عادة المجتمع المدني وناشطوه عن المؤسسات الدينية ورجالها.
«يسعى التحالف العراقي بين المسجد والشارع إلى إحداث تغيير عبر قنوات عدة، بما في ذلك الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في أكتوبر»، حسب الدراسة، التي تمضي متسائلة «ولكن ما هي إمكانات تحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي»؟ بغض النظر عن نتائج الانتخابات المقبلة، ترى الدراسة أن «التحالف غير الرسمي بين المتظاهرين ورجال الدين سيؤثر بالتأكيد على الانتخابات، ويمكن أن يؤذن ببداية عراق أكثر استقراراً».
وأشارت عبدو إلى نشوء «معارضة موحدة بشكل متزايد ضد إيران وتدخلها في الشأن العراقي».
وعزت ذلك الى الاختلاف «بين الشيعة العرب والشيعة الإيرانيين».
وقالت إنه على الرغم من أنهما يحملان اسم المذهب نفسه، الا أن الشيعة العرب لا يشتركون مع الشيعة الايرانيين «في القيم الدينية أو الهويات الوطنية نفسها في العالم الحديث».
وأضافت أن ايران قامت بنشر كمية كبيرة من الكتابات«حول التشيع الحديث»، ولكنها كتابات جاءت «من خلال عدسة الشيعة الإيرانيين، ونتيجة لذلك، تم تهميش فلسفة الشيعة العرب الحديثة إلى حد كبير، والتي تختلف اختلافاً كبيراً في خصائصها الفريدة» عن إيران.
وتابعت أن هذا «حدث جزئياً بسبب الادعاء التاريخي للفرس بالمحافظة على التفسير الحقيقي للتشيع».
وفي سياق متصل، اعتبرت دراسة صادرة عن«معهد تشاتهام هاوس» البريطاني أن «ميليشيا الحشد الشعبي لا تزال تعاني من انقسامات، وأنها لم ترق بعد الى مستوى الكتلة المتماسكة التي يسعى الى تشكيلها النظام في ايران كقوة شيعية موحدة في العراق، على غرار حزب الله في لبنان».
وتابعت أن «قوات الحشد الشعبي تواصل إرباك صانعي السياسات داخل العراق وخارجه، اذ بعد الهزيمة الإقليمية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تطورت شبكات الحشد الشعبي إلى قوى أمنية وسياسية واقتصادية كبيرة تتنافس على السلطة في الدولة العراقية».
وجاء في الدراسة التي أعدها الباحث ريناد منصور، أنه «على الرغم من الجهود التي يبذلها كبار قادتها، فإن قوات الحشد الشعبي ما زالت منظمة غير متماسكة ولا متكاملة، بل تبقى سلسلة من الشبكات المرنة التي تختلف في الهيكل الأفقي (تماسك القيادة) والعمودي (الروابط مع القاعدة الاجتماعية)».
وأضاف منصور ان «بنية كل شبكة تسلط الضوء على استراتيجياتها، وقدراتها، واتصالها بالدولة»، وأن «بعض هذه الشبكات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإيران».
وجاء في الدراسة أن «شبكات الحشد الشعبي تتمتع بعلاقة تكافلية مع الأجهزة الأمنية، والأحزاب السياسية، والاقتصاد في العراق»، وأن عضويتها «لا تقتصر على المقاتلين فحسب، بل تشمل أيضاً أعضاء في البرلمان، ووزراء، ومحافظين محليين، وأعضاء في مجالس المحافظات، ورجال أعمال في كل من الشركات العامة والخاصة، وموظفين حكوميين كبار، ومنظمات إنسانية ومدنيين».
وقال ريناد إن «علاقات شبكات قوات الحشد الشعبي تكشف عن الطبيعة الحقيقية للدولة العراقية، والتي لا تتناسب مع الدولة بمفهومها الحديث، وهي الدولة التي تدمج المؤسسات الحكومية الرسمية مع سلطة الدولة»، اذ أن «شبكات قوات الحشد الشعبي تتمتع بسلطة الدولة، وهي مندمجة في السياسة العراقية، وتسيطر على قاعدة اجتماعية، لكنها لا تشارك بالضرورة في حكومة رسمية».
وعن مواجهة ميليشيا «الحشد»، إن عن طريق تحجيم نفوذها أو السعي لحلّها، ترى الدراسة البريطانية أن «صانعي السياسة الذين يتطلعون إلى إصلاح أو تقييد الحشد الشعبي اعتمدوا سلسلة من الخيارات، منها تحريض ميليشيات الحشد المتنافسة ضد بعضها البعض، أو بناء مؤسسات حكومية أمنية بديلة عن الحالية، أو فرض عقوبات على الأفراد، أو الهجوم بالقوة العسكرية» ضد الميليشيات.
ومع ذلك، تتابع الدراسة «فشلت هذه الخيارات في إصلاح شبكات الحشد الشعبي أو الدولة العراقية، اذ هي لم تستند الى استراتيجية واضحة ومتماسكة أو برامج إصلاح قائمة».
وما زال موضوع كيفية مواجهة الميليشيات الشيعية في العراق من المواضيع المعقدة التي تواصل بحثها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع الحكومة العراقية في اطار «الحوار الاستراتيجي».
وتعتقد واشنطن أن حصر استخدام العنف في أيدي الدولة العراقية هو مفتاح الاصلاح، لكن الولايات المتحدة لا تزال تبحث عن السبل المتاحة لتحجيم «الحشد» وإناطة دوره الأمني بالقوى الأمنية الحكومية.
أما الميليشيات، فهي ترى نفسها قائمة بقرار حكومي، ولا ترى أن أي حديث عن ضرورة حلّها يعنيها، بل تعتبر أن هدف وجودها هو لحماية الدولة ومكافحة عودة محتملة قد يقوم بها تنظيم «داعش» في شمال شرقي العراق.