لا تزال تفاصيل الجولة الخامسة من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، التي عقدت الثلاثاء، طي الكتمان، لكن ما توافر حتى الآن بين الديبلوماسيين المعنيين، أن الجلسة كانت أكثر جدية من سابقاتها، وأن اللبنانيين تمسكوا بأقصى مطالبهم، على عكس الوعود التي كان سمعها الوسطاء الأميركيون من كبار المسؤولين، لناحية أن بيروت كانت تنوي حصر المفاوضات بمساحة 800 كيلومتر مربع، واذا بالوفد المفاوض يطالب بأكثر من الفي كيلومتر مربع.
ووصف مسؤولون أميركيون، على شرط عدم ذكر اسمائهم، التعامل مع لبنان في موضوع ترسيم حدوده البحرية بأنه «أمر مرهق»، بسبب تعدد المرجعيات اللبنانية، وغياب الموقف الواضح.
وقالت المصادر الأميركية إنه في جولات التفاوض الأربعة في اكتوبر ونوفمبر الماضيين، حصل التالي: يزور ديبلوماسيون أميركيون، المسؤولين اللبنانيين للتوصل الى تسوية حول الحدود البحرية، فيسمعون من ضيوفهم اللبنانيين شيئاً ينقلونه الى الاسرائيليين. ثم يتم عقد مفاوضات الثلاثاء، بضيافة قوة حفظ السلام الدولية، فيتحدث الوفد اللبناني بما يخالف كل ما تم الاتفاق عليه مبدئياً.
ويتابع المسؤولون الأميركيون أن السياسيين اللبنانيين أكثر ليونة واستعداداً للتوصل لاتفاقية، فيما الوفد المفاوض يشارك وكأن هدفه «استفزاز الاسرائيليين» بشكل يقضي على كل التقدم الذي سبق للديبلوماسيين الأميركيين احرازه.
وفي جولة نوفمبر، قدم الوفد اللبناني مطلباً لم يسبق أن أثير مع الأميركيين، اذ قدم ما يعرف بالخط 29، وهو ما يمنح بيروت 2290 كيلومترا مربعاً بدلاً من 860 دأب المسؤولون اللبنانيون على مطالبة الاسرائيليين بها، عبر الوسطاء الأميركيين. ويبدو أن الوفد كرر مطلبه في مفاوضات، أول من أمس.
ويقول المسؤولون الأميركيون إنه بعد لقاء نظرائهم اللبنانيين في بيروت، يقومون بنقل المطالب الى اسرائيل حتى تستعد للمفاوضات، لكن في الجولة الاخيرة، طالبت بيروت، بشيء، فيما طالب الوفد اللبناني بشيء آخر، وهو ما أعطى الاسرائيليين انطباعاً أن لبنان «غير جدي»، وأنه يستخدم موضوع المفاوضات لمكاسب سياسية في الداخل.
ويشترك لبنان مع اسرائيل في بلوك رقم 9، الواعد من حيث الاحتياط الغازي، والذي يشترك في جنوبه مع شمال البلوك الاسرائيلي رقم 72، فيما يشترك البلوك اللبناني رقم 8 مع بلوكي اسرائيل رقمي 7 و8، والأخير هو الذي عثرت فيه اسرائيل على حقل «حوض القرش».
وموافقة اسرائيل على مطلب لبنان بتبني الخط 29 من شأنه أن يقضم اجزاء كبيرة من «حوض القرش»، وهو ما يجعله حقلاً مشتركاً ويفرض على الدولة العبرية تقديم جزء من عائدات مبيعات غاز هذا الحقل الى الحكومة اللبنانية.
وبلغت عائدات اسرائيل من مبيعات الغاز 350 مليون دولار العام الماضي، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع العام الجاري مع دخول الحقل المذكور على خط الانتاج.
ويمكن للبنان الحصول على عائدات مبيعات غاز بالعملة الصعبة، التي يحتاجها بشدة اقتصاده المنهار، في حال تم التوصل لاتفاق، لكن بعض المسؤولين والخبراء اللبنانيين يبالغون بالكمية التي ستجنيها بيروت في حال حذا حذو جارته الجنوبية وباشر بتصدير الغاز.
وكانت شركة «نوبل انيرجي» الأميركية هي التي أدارت عملية التنقيب والانتاج في «حوض القرش».
وتعد من الشركات الصغيرة نسبياً في السوق العالمية، اذ تملك أصولاً بقيمة خمسة مليارات دولار، وراكمت ديوناً بواقع ثمانية مليارات.
هذه الشركة الصغيرة هي التي فازت أيضاً بعقد التنقيب في بلوك 72، المعروف سابقاً بـ «آلون دال»، لكن يبدو أن تعثرها المالي دفعها الى تأجيل التنقيب والانتاج في البلوك المتنازع على أجزاء منه مع لبنان.
وتواصل تلكؤ الشركة الأميركية سنوات، الى أن قررت حكومة اسرائيل سحب الترخيص واعادة طرح البلوك 72 لمناقصة جديدة، في يونيو الماضي، وهي خطوة دفعت الجانب اللبناني الى الادلاء بسلسلة من التصاريح التحذيرية من مغبة المواجهة التي قد تنجم عن الخطوة الاسرائيلية.
لكن قبل أن تفوز أي شركة بمناقصة البلوك 72، قامت شركة «شيفرون» الأميركية العملاقة للطاقة، والتي يبلغ حجم أصولها أكثر من 60 مليار دولار، بشراء «نوبل انيرجي» بالكامل، وهو ما أحال حق التنقيب والانتاج في حقلي الغاز الاسرائيليين، تامار وليفياتان ومعهما البلوك 72، إليها.
ودخول «شيفرون» على خط التنقيب والانتاج يبدو أنه حفّز بعض المسؤولين اللبنانيين الطامحين الى الرئاسة في محاولة اعادة تحريك المفاوضات اللبنانية - الاسرائيلية، بل اقتراح أن تقوم الشركة الأميركية بالتنقيب والانتاج والتصدير باسم الدولتين، وتوزيع الأرباح على كل منهما، بحسب الترسيم الذي يتم التوصل اليه.
وتعتقد المصادر الأميركية أن الكلمة العليا في لبنان، ليست في أيدي الوفد المفاوض، بل في أيدي «حزب الله»، في وقت أفادت أنباء تواترت الى العاصمة الأميركية بأن الحزب أبلغ أعضاء الوفد، ألا يخوض في أي مناورات أثناء التفاوض، بل ألا يتفاوض أصلاً، وأن يكتفي باعلان الخط اللبناني الذي يختارونه ويبلغوا الأمم المتحدة به، اذ ذاك يعتبر الحزب أن أي تواجد اسرائيلي شمال الخط الذي يعتبره لبنان حدوده البحرية هو بمثابة عدوان يتطلب مواجهة.