«تضارب رهيب» في التقارير حول مجريات المفاوضات النووية غير المباشرة بين الولايات المتحدة وايران.
مسؤولون ايرانيون أدلوا بتصريحات لوسائل إعلام محلية قالوا فيها إن المفاوضين توصلوا لاتفاق يتضمن رفع واشنطن العقوبات الاقتصادية عن قطاعات النفط والنقل البحري والتأمين والسيارات، فيما أشارت تقارير أخرى الى توصل طهران والعواصم الغربية الى افراجها عن مواطنين غربيين تعتقلهم، مقابل تحرير واشنطن ولندن قرابة 10 مليارات دولار تعود لطهران مجمدة في مصارف غربية.
لكن ظهر في ما بعد، أن الايجابية المفرطة كانت عبارة عن سلسلة من الإشاعات غير الصحيحة، فلا اتفاقيات للافراج عن الرهائن الغربيين المعتقلين في «الجمهورية الاسلامية»، ولا وعود أميركية برفع العقوبات عن أي من القطاعات الايرانية المذكورة.
على أن ما أثار حشرية مراقبين أميركيين كثر للملف الايراني، اشارة المفاوض الايراني عبّاس عراقجي الى الاتفاق مع واشنطن على رفع العقوبات عن قطاع السيّارات. حتى الآن، يعتقد مؤيدو ومعارضو العودة الأميركية للاتفاقية النووية، أن واشنطن سترفع نفس العقوبات التي قام برفعها الرئيس السابق باراك أوباما ابان التوصل للاتفاقية في اكتوبر 2015، وهي عقوبات كانت مفروضة على قطاعات النفط والنقل البحري والتأمين، فضلاً عن رفع العقوبات عن مصرف حكومي ايراني واحد على الأقل.
خطوة أوباما كانت مصممة للسماح لقطاع ايران النفطي تصدير منتجاته وتقاضي ثمنها، بالعملة الصعبة، في مصرف تابع للحكومة، وهو ما يعني أن انطباع المسؤولين الأميركيين الحاليين مبني على قيام الرئيس جو بايدن برفع العقوبات التي كان أوباما رفعها، والتي عمد الرئيس السابق دونالد ترامب الى اعادتها.
اما العقوبات الاضافية التي فرضها ترامب، وشملت قطاعات مرتبطة بصناعة الصواريخ، مثل قطاع السيارات، فلا يبدو أن غالبية مسؤولي بايدن تعتقد أن على الرئيس الأميركي رفعها، بل أن عقوبات ترامب الاضافية تبقى، وتصبح محور المفاوضات المزمع عقدها في ما بعد لاحياء الاتفاقية النووية.
وقامت اتفاقية 2015 النووية بترك برنامج ايران الصاروخي خارج النص، مع اتفاق شفوي وعدت بموجبه طهران بانها لن تقوم بتجارب صاروخية، لكنها ما لبثت أن تراجعت وقامت بتجارب.
ثم ان نص الاتفاق ينص على أن الأمم المتحدة سترفع كل العقوبات الدولية، المتعلقة بالبرنامج الصاروخي والمتبقية منذ ما قبل الاتفاقية، وذلك في العام 2023.
في الولايات المتحدة اجماع على أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبته ادارة أوباما، يوم موافقتها على الاتفاقية النووية، كان تركها موضوع الصواريخ خارج الاتفاق، اذ إن أي برنامج نووي عسكري في العالم يعتمد على أمرين: تخصيب اليورانيوم لصناعة رؤوس نووية، وتطوير صواريخ قادرة على حمل هذه الرؤوس، اذ من دون الصواريخ، لا فائدة للرؤوس.
اليوم، وبعد سبع سنوات على التوصل للاتفاقية النووية، صار اجماع في العاصمة الأميركية يشارك فيه حتى أعتى مؤيدي النظام الايراني، باستثناء نفر قليل منهم. في هذا الاجماع، ضرورة تعديل الاتفاقية النووية لتفرض حظرا على برنامج ايران الصاروخي بالتزامن مع ضبط كميات ومعدلات تخصيب اليورانيوم التي تقوم بها طهران.
حتى السناتور الديموقراطي كريس كونز، وهو من أقرب المقربين الى بايدن، اذ يشغل مقعده السابق في مجلس الشيوخ ممثلا عن ولاية ديلاوير، سبق وأن أدلى بتصاريح متعددة، قال فيها إنه رغم تأييده الشديد للعودة إلى الاتفاقية النووية، الا أنه لن يمنح موافقته في مجلس الشيوخ للعودة لأي اتفاقية لا تفرض قيودا على برنامج ايران الصاروخي.
ويقوم كونز هذا الأسبوع بجولة في الشرق الأوسط، تشمل الامارات والسعودية والأردن ومصر، في محاولة منه لاقناع هذه الدول بجدوى فتح حوار مع ايران.
لكن في ادارة بايدن قلة قليلة ممن يعملون لانفتاح على ايران بلا ضوابط على النووي ولا على الصواريخ، وبلا حتى التنسيق مع الحلفاء أو الوقوف على رأيهم.
هؤلاء المسؤولون، هم الذين دأبوا على تسريب أنباء عن التوصل لاتفاقية حول الافراج عن المعتقلين الغربيين في ايران، وهم الذي يعمدون - بالتنسيق مع نظرائهم الايرانيين - الى بث ما يعتقدونها أخباراً جيدة، وان غير صحيحة، من شأنها تعزيز الثقة وتقريب واشنطن وطهران من بعضهما البعض والتسريع في اعادة احياء اتفاقية 2015، كيفما اتفق.
وخلال مثوله أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، في مارس 2021، تعهد وزير الخارجية أنتوني بلينكن بعدم تقديم أي تنازلات لإيران في ما يتعلق ببرنامجها الصاروخي، لكن في أقل من شهر واحد، رفض الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس استبعاد احتمال تخفيف العقوبات الصاروخية كحافز للنظام للانضمام إلى الصفقة. هذا التناقض أثار ريبة معارضي عودة بايدن للاتفاقية من دون انتزاع تنازلات.
وفي هذا السياق، نشرت «جمعية الدفاع عن الديموقراطيات»، وهي مركز أبحاث مقرّه واشنطن، دراسة اعتبرت فيها أن «تخفيف العقوبات الصاروخية على إيران، من دون معالجة برنامج الصواريخ القوي لدى لجمهورية الإسلامية، يجب أن يكون مصدر قلق للكونغرس».
وأشارت الدراسة الى أن الاتفاقية النووية لا تفرض أي قيود على تطوير طهران للصواريخ وانتشارها، بل تُنهي صلاحية القيود الأممية على الصواريخ في 2023.
وأضافت أنه «خلال السنوات الثلاثة التي شاركت فيها الولايات المتحدة بالاتفاقية النووية، أطلقت إيران ما لا يقل عن 27 صاروخاً بالستياً كجزء من الاختبارات أو العمليات العسكرية» وان مع «طموحاتها لتطوير صواريخ بالستية بعيدة المدى، وذات قدرة نووية يمكن أن تصل إلى الولايات المتحدة وأوروبا، يصبح رفع العقوبات عن برنامج الصواريخ معارضا لمصالح الأمن القومي الأميركي».
وطالبت الدراسة، الكونغرس برفض العودة لأي اتفاقية من دون ضوابط صاروخية، ما يشي بأن الصواريخ الايرانية صارت اليوم تهدد المحادثات غير المباشرة المقرر استئنافها في العاصمة النمسوية فيينا بعد غد.